"افْتِرَاسُ" الطُّفولَة في فِلسطين: كَأَنَّ الغُولَ أَفْلَتَ مِن حِكايَات الجَدّة!

كلمة العدد – نيسان 2025
في واحِدَةٍ مِن أَفظَع حُروب الإِبادَة التي يَشْهَدها العالَم على فلسطين وغزة تَحديدًا، يَقَع الطّفل الفلسطيني في خانَة الضَحيّة العُظمى. لا سِنين طفولَةٍ طبيعيّةً.. لا أَلعابَ، ولا حَدائق، ولا بَراءة، وإنّما مَشاهدُ قتلٍ وتَنكيلٍ واعتقالٍ وقَصفٍ وغيرها. وإنّ قَتْلَ أَكثَرَ مِن 17,000 طفلٍ في غزة، لم يَعْنِ شيئاً للعالَم أَجمَع. حتى المواد الأربع وخمسون المنصوصُ عليها في اتّفاقية حقوق الطّفل، لم تُسعِف ولم تَستَطع أن تَحمي أيّ طفلٍ في غزة، أو الضفّة، أو حتى سوريا أو السودان. وهذا يَضَعُنا أَمام سُؤال: بِماذا أَخطأَ الطّفل الفلسطيني أو العربي ليتلقّى كلّ هذا؟ ماذا فَعَلَ هذا الطفل ليَكون هذا قَدَرُه؟
في "الخَراريف" (الحِكايات) الشّعبيّة الفِلسطينيّة، دائمًا هُناك غُول، وَفي الحَياة الفلسطينيّة هُناك دائمًا جَدّات طَيّبات "يُخَرِّفْنَ" أَحفادَهُن الكثيرين بينما يتحلّقون حولَهُن. يَمُرُّ الغُول في الحِكايَة مُحَمّلًا بالشرّ فيتوجَّس الأَطفال ويَنكَمِشون ويَتَقارَبون مِن شِدّة الخَوف، لكِنْ سَرعان ما تُديرُ الجَدّات "الحَبْكَةَ" لِتَبْلُغَ ذَروةً تُريح الصّغار فيتنفّسون الصُعَداء، إِذ يَنْجَلي المَشهد عَن هَزيمة الشرّ وانتِصار الخَير بِنَجاة أَطفالٍ جَميلين كادوا يَقَعون في فَمِ الغُول. في فِلسطين عمومًا، وَفي غزّة تحديدًا، والآنَ أكثر من أيّ وقت مضى، يبدو وَكَأَن الغُول غافَلَ الجدّات وأَفْلَتَ مِن حِكايَاتِهن وأَخَذ يَلتَهم الأَطفال المُتحلّقين حَولَهُن، بل ويفتَرِس الجدّات السّارِدات أنفُسَهُن، ليَنزِل بَعدَها إلى الشّوارع ويُكمل "حكايته" الدّامية مع المارّة وفي البُيوت والمُستشفيات، والمَدارس، والمَساجِد، والكنائس.
في هذا العَدَد الذي يَحتَفي بيوم الطّفل الفلسطيني في الخامِس مِن نيسان؛ اختَرنا أن نسلّط الضوء على واقع الطفل -الفلسطيني تحديدًا- فيما غُولُ الحَرب يَتَجوّل ويتجلّى بأكثر من شَكلٍ وَلَون، ويُلاحِق الأَطفال الفِلسطينيّين في مُختَلَف أَماكن تَواجُدهم – في غزّة، والضّفة والقُدس والدّاخل. ذلكَ عَبر مُساهَمات تتحرى كَشْف النّفاقَ العالَميّ بالإِضاءَة على ازدواجيّة المَعايير، وكَشف الهوّة بين مضامين المَواثيق والأعراف الدولية وتطبيقها عندما يتعلّق الأَمر بفلسطين وأطفالها.
مِن المُعتاد أَن نَتَمنّى لقُرّاء نَشرَتنا قراءَةً مُمتِعَة، لكنّنا نُدرك أنّه عِند الحديث عن مَقْتَلَة الطُفولة في فلسطين، فَلا نَجاةَ لِقارئٍ مِن تَجرُّع المَرارة.
الصورة: للزميلة المصوّرة - الصحفية دعاء الباز.