يتعرّض الراشدون/ات إلى الأزمات، فالظّروف التّي يمرّ بها الأطفال هي نفسها الظّروف التّي نمرّ بها نحن.  ولكننا كراشدين لدينا تجارب وقدرات نفسيّة تدعمنا في مواجهة الأزمات، وعلى الرغم من ذلك وخاصّة في الفترة الأولى من الأزمة، تظهر لدينا علامات من الخوف، الغضب، القلق، والتّي بدورها تؤثّر أيضًا على أطفالنا.  لا نتوقّع من الأهل أن يتخطّوا الأزمة دون مشاعر الغضب والخوف والقلق… بل على العكس فهي مشاعر طبيعيّة جدًّا، بل هي دليل على صحّتنا النّفسيّة.  ما نتوقّعه، أو ما نسعى إليه، أن يتعامل الأهل والرّاشدون الآخرون مع هذه المشاعر بشكل ناضج، كيّ يوفّروا نماذج إيجابيّة لأطفالهم.

يمكنكم مساعدة أنفسكم بتذكّر التّجارب الصّعبة التّي مررتم بها وكيف أثّرت عليكم؟ هل ظهر الأثر للآخرين؟ كيف تأثّر الآخرون بالحدث؟ أيّة مشاعر رافقتكم؟ كيف اجتزتم الأزمة؟ ما هي العوامل التّي ساهمت في اجتيازكم للحدث؟ هل استطعتم الاستمرار في الحياة اليوميّة مباشرة أم احتجتم إلى وقت للتّعامل مع الحدث؟

مثل هذه الأسئلة ستعيد لأذهانكم/نّ ما يمكن أن يمرّ به الصّغار، فهم يمرّون بالمواقف نفسها.  غير أنّ قدرتهم على التّعامل مع الظّروف الضّاغطة أو الأزمة، محدودة، لأنّه لم تتوفّر لهم التّجارب بعد.  كما وأنّ آليّاتهم الدّفاعيّة، وسبل التّعامل والمواجهة أقلّ تطوّرًا.  فهم بحاجة ماسّة لدعمكم.

الأهل والمعتنون بالطّفل عادة لديهم خبرات عينيّة، وموروث ثقافيّ غنيّ يساعدهم على دعم أطفالهم دون حاجة للخبراء.  ففي الماضي توفّرت في مجتمعنا آليّات اجتماعيّة ساعدت الأهل على تبادل الخبرات في التّعامل مع أطفالهم، ومكّنتهم من المشاركة في تجاربهم العينيّة، والتّعلّم من خبرات بعضهم البعض.  فالعيش في العائلة الموسّعة ساهم في نقل التّجارب من الأمّ إلى الابنة أو إلى زوجة الابن، كما وأنّ زوجات الأبناء دعمن بعضهنّ البعض.  اليوم وبعد انهيار البنية التّحتيّة المجتمعيّة، الّتي كانت سائدة في مجتمعنا (كالعائلة الموسّعة) لم تطوّر بدائل مجتمعيّة ومؤسّساتيّة كافية، إذ أنّ التّغيّر الّذي مرّ به مجتمعنا كان قسريًّا.

في ظلّ هذه الظّروف العصيبة الّتي نمرّ بها، قد يقف الآباء والأمّهات حائرين أمام القلق الّذي يتملّكهم في عمليّة البحث عن وسائل يمكن اللّجوء إليها، للتّعامل مع أطفالهم.  أذ  يواجه أطفالنا الحرب، منهم بشكل مباشر (في الجنوب والشمال) ومنهم بشكل غير مباشر ويتأثرون بها.  يشعر الأطفال في حالات الطّوارئ وأيّام الحروب بالضّياع والاغتراب، إذ يشهدون أعمال العنف المختلفة، ويشعرون بالخوف والرّعب. اذ يختلّ التّوازن في حالة حدوث تحوّل سريع، مفاجئ، غير متوقّع، ممّا يؤدّي إلى مظاهر نفسيّة نشهدها مرافقة لمثل هذه الأوضاع.  فموت مفاجئ، أو ظواهر طبيعيّة مفاجئة، أو أحداث عنف غير متوقّعة تُخِلُّ توازننا النّفسيّ وتدخّلنا في ما يسمّى (Stress) بالضّغط أو التّوتّر النّفسيّ.

نحن نعرف أنّ لدى الأطفال قدرة لاستعادة توازنهم النّفسيّ، والتّلاؤم مع الظّروف الّتي يعيشونها، فنرى الكثير من الأطفال الّذين يعيشون ظروفًا صعبة:  أطفال شوارع، مخيّمات، ظروف حرب، دون أن يفقدوا قدرتهم على اللّعب والمتعة، وذلك لأنّ غالبيّة الأطفال لديهم قدرات داخليّة غنيّة "عالم داخليّ"، هذا العالم يساعدهم على مواجهة الصّعوبات والتّجارب المؤلمة، وما يرافقها من مشاعر طبيعيّة كالخوف، الحزن، الغضب،  ويمكّنهم من التّأقلم والوصول إلى التّوازن المذكور. 

ولكن يلعب الأهل دورًا أساسيًّا في التّقليل من آثار الحالة الضّاغطة لدى الأطفال.  فهم يستطيعون التّخفيف عنهم، وذلك باحترام مشاعرهم وأخذها مأخذ الجدّ، فالمشاعر جميعها شرعيّة ولا تناقش.  الأهل هم أوّل من يواجه محاولات الطّفل للتّنفيس عن مشاعره، ممّا يزيد من أهمّيّة دورهم في فسح المجال لأطفالهم للتّعبير عن مشاعرهم، للاستماع لهم باهتمام، لدعمهم في محاولة فهم ما هو غامض وغير مفهوم، للتّرويح عنهم ولحمايتهم.  ونحن نعتقد أنّ وظيفة الأهل  والرّاشدين/ات لدعم الأطفال والكشف عن قضايا نفسيّة أمامهم ذات أهمّيّة كبرى. ومن الضّروري جدًّا توفير أجواء داعمة متقبّلة له/ا، فعندما يشعر الطّفل/ة بالثّقة وبالرّغبة الصّادقة لدى الرّاشد بمساعدته، وأنّه سيتقبّل مشاعره، عندها فقط يَسْهُل عليه المشاركة والانفتاح.  

تشجيع الحوار والمحادثة والمناقشة، مشاركة المعرفة، تحرير المشاعر واكتشاف التّحدّيات والصّعوبات الّتي يواجهها أبناؤنا، وفتح المجال أمامهم للتّنفيس عن مشاعرهم، والحوار حول معلوماتهم وذلك من خلال الإصغاء الفعليّ في جوٍّ دافئ، متقبِّل وداعم، ممّا يساعدنا على تحديد وضعهم، مشاعرهم، الصّعوبات الّتي يواجهونها، والانطلاق إلى مساعدتهم على مواجهة هذه الظّروف.

يحاول البعض إخفاء هذه المشاعر عن الأطفال، اعتقادًا منهم أنّهم يساعدونهم بذلك على عدم الخوف، أو يساعدونهم على التّأقلم الإيجابيّ. وهنالك من يحاول عدم التّعامل مع المشاعر، لأن الواجب يحتّم علينا أن نتحلّى بالصّبر والشّجاعة، ومن هذا المنطلق لا نسمح للأطفال بالتّعبير عن حزنهم، وبعض الراشدين يشعرون بالعجز وبالتّالي بالقلق لعدم مقدرتهم على حماية أطفالهم ممّا يحدث.

من المهمّ أن نعرف أنّ تجاهل مشاعر الطّفل، كبتها أو اللامبالاة تجاهها، قد تؤدّي إلى ظهور هذه المشاعر بصور مختلفة، فقد يعبّر عنها الطّفل بأحلامه، أو قد تظهر على شكل أعراض جسديّة مختلفة.  أو قد ينعكس الأمر على تصرفاته فيصبح عدائيًّا، أو ينطوي على نفسه، وقد يؤثّر على حالته العاطفيّة فيصبح قلقًا وخائفًا.

والطّفل بحاجة ماسّة للأهل:  لتفهّمهم له، احترام مشاعره ودعمه. وكما قال الشّاعر فاضل علي:

يظنّ الكبار بأنّي ضعيف

كغصن نديّ لواه الخريف

ولكنّني زهرة في الرّبيع

فمدّوا يديكم وشدّوا يديا 

لنرفع حولي سياجًا منيع 

الطّفل بحاجة لكم لتزيد مناعته، وقدرته على التّعامل مع المصاعب.

 للمزيد حول الموضوع زوروا موقعنا.

نبيلة اسبانيولي

أخصائية نفسية ومديرة مركز الطفولة مؤسسة حضانات الناصرة

شاركونا رأيكن.م