الأُم المُطَلَّقة: الفَضيلَة والعِقاب!

أن تكوني أُمًّا مطَلّقة في مجتمعاتنا العربية يَعني أن تكوني في مَعركة دائمة، ليس فقط لتربية أبنائك ورعايتهم، بل أيضاً لمواجهة القوانين والأَعراف التي تجرِّدُك مِن أَبسَط حقوقك، بينما تَمنح الأب امتيازات بلا مساءَلة.  لا تعيش الأُم المطلقة حياتها لنفسها، بل تتحوّل إلى جَيش مِن جندي واحد، تعمل ليلًا ونهارًا لتأمين احتياجات أطفالها. تَسهر حين يَمرضون، تَحرص على تعليمهم، تَحتضنهم في أوقات ضعفهم، تَدعم مَواهبهم، وتَحميهم مِن قَسوة العالَم. ومع ذلك، لا تَجِد من يخفّف عنها أعباءَها أو حتى من يقَول لها ببساطة: "يعطيكِ العافية".

في حال كانت المَرأة هي من تتّخذ قرار الطَلاق، فإنها تُسلَب من حُقوقها الأساسية، فتُحرم من مَهْرها المتأخِّر، ونَفَقَة الحضانة، وأيّ حقوق أخرى كان من المُفتَرض أن تَحصل عليها. وكأن الطّلاق، حتى لو كان لظروف قاهرة، يُعتبر عقابًا لها على جُرأتها في اتخاذ القرار، بينما لا يتحمّل الرجل أيّ تَبِعات مماثِلة.

الأب، يَدفع نفقة هزيلة – قد لا تتجاوز 40 دينارًا أردنيًا لكلّ طفل – ثم يَمضي في حياته بِحُرّية؛ يتزّوج، ويسافر، ويفعل ما يَحلو له دون أن يُحاسبه أحد أو يسأله إن كان يعلم شيئًا عن تفاصيل حياة أبنائه: في أيّ مرحلة دراسية أصبحوا؟ متى آخر مرّة مَرِضوا؟ كيف يتعامَلون مع مشاكلهم اليومية؟ متى ارتفعت حرارة أَحَدِهم؟ كيف حلَّت أمهم مشاكلهم في المدرسة، في الشارع، في تفاصيلهم اليوميّة الصغيرة التي لا يكترث بها أحد سواها؟ كلّها أسئلة لا تعنيه، لكنّه يبقى وليّ أمرِهِم في نَظَر القانون.

المفارَقَة الكُبرى أن الأُم التي تُفني حياتها لأجل أطفالها تُحرَم من اتخاذ القرارات الأساسيّة في حياتهم. لا تَستطيع السّفر معهم إلا بإذن من الأَب، وفي الغالب يَرفض الرَّجل الأَمر، ليس لأنه سيتحمل مسؤوليّة أو تكلفة، بل فقط لمجرد أنّ القرار بيده. وكأنها، رغم كونها الحاضنة والمسؤولة عن كلّ تفاصيل حياتهم، فهي لا تَملك الحقّ في أن تقرّر ما هو الأَفضل لهم.

أما في ما يتعلّق بالتعليم الجامعي، فإن القانون يُعفي الأب من الإنفاق على ابنته الجامعيّة إذا كانت بحضانة الأُم، ما يزيد العبء على الأُم التي بالكاد تستطيع توفير أساسيات الحياة. وبما أن الأُم هي الأقرب عاطفيًّا لأطفالها، فإنها لا تستطيع تخيّل الحياة بدونهم، فتَقبَل كلّ هذه التّضحيات بصمت، خوفًا مِن خسارتهم.

بعد كلّ هذا التعب والمسؤولية التي تتحمّلها الأُم في تربية أبنائها، لا يحقّ لها تَزويج بناتها، حيث يبقى هذا القرار حصريًّا بيد الأب أو أيّ ذَكَر من عائلته، حتى لو لم يكن له أو لهم أيّ دور فعلي في حياتهم.

وعلى الرغم من كلّ هذه التحديات، فإن المجتمع لا يَرحم الأُم المطلّقة، بل يُحاصرها بنظرته القاسية، فيراقب تصرّفاتها، ويحاسبها، ويحاكمها على كلّ خطوة تخطوها، بينما لا يُوجَّه المِعيار نفسه للأب الذي يعيش حياته دون قيود أو مساءلة. فإن خَرَجت، سمعَت الهمسات من حولها، وإن فكَّرت في الزواج، وُجهت إليها أصابع الاتهام، وكأنها مطالبة بأن تظل سجينة لدورها كأُم دون أن يكون لها أيّ حقّ في حياة شخصية أو فرصة أخرى للسعادة.

وعِندما يخطئ الأطفال، يُقال: "تربية امرأة" أما إن نجحوا، فالأب يضع رِجلاً على رِجل ويقول بكلّ فخر: "هؤلاء أولادي".

الأُمهات المطلقات لا يحتجن إلى الشفقة أو العبارات الرنانة، بل إلى قوانين عادلة تَحمي حقوقهن وحقوق أطفالهن.

يَحتجن إلى تشريعات تعترف بدورهن المحوري في حياة الأبناء، وتمنحهن صلاحيات كاملة في إدارة شؤونهم دون الحاجة لإذن من رَجِل غائب عن المشهد..

نحن بحاجة إلى قوانين تجعل الأُمهات المطلَّقات يَنَمْنَ دون قلَق، قوانين تمنحهن الأُمان بدلاً من أن تتركهن فريسة للخَوف من الغد. فهل آن الأوان لإصلاح هذا الظلم؟

عزة جبر

حكواتية فلسطينية

رأيك يهمنا