لِنَزْرَع بِذرَة الأَمَل في أَطفالِنا.. رَغمَ كلّ ما يَحدُث

مُنذ دَقّت الحَرب طُبولها، استفاقت أسئلةٌ وتساؤلاتٌ كثيرة لدى أَبنائي، ازدادت معها مَشاعر الخوف والحيرة، وتَكَرّر سؤالُهم حول- "كيف يُمكن أن نعيش في ظلّ هذه الظروف؟".

سؤال مُركّب يَحمل في طيّاته كثيرًا مِن التّحدّيات، سؤال يَحمل معه قَلَق الطّفولة وخوفها، الطّفولة التي وَجَدت نفسها في قَلْب الأزمات؛ بين الاحتلال والحُروب، والعنف والجريمة، والتّمييز والعنصريّة، وانعدام الاستقرار وفقدان الشعور بالأمان.

مَع كلّ سؤال مِن أَطفالي، يَكبُر شُعور المسؤولية في داخلي اتجاه الإِجابات التي سأقدّمها، والحِماية التي سأُوفّرها، والدعم الذي سأَمنحه، والأمل الذي سأزرعه في قلوبهم في ظلّ الواقع القائم.

الأَمَل!!

"أَيّ أَمَل"؟ هل لا يزال لدينا متَّسَع له؟ هل هو حقيقة يمكن لَمْسها أم مجرّد وَهْم نتمسّك به كي لا نغرق تمامًا في بحر الألم؟

حين أنظر في عيون أطفالي وأَرى فيها الأسئلة التي لا أَملك إجابات لها، أشعُر بثقَل العالم كلّه على كتفيّ. فأيّ أَمَل يُمكنني أن أُعطيه لهم وأنا نفسي أَبحثُ عنه؟ لكنّني، رغم كلّ شيء، أعود لأتمسّك به، ليس لأنني لا أرى الواقع، بل لأنني أَرفُض أن يكون الألم هو النّهاية الوحيدة لحكايتنا.

ليس الأَمل رفاهيةً، وليس إنكارًا للوَجَع، بل هو فِعل مقاومة، هو أن نقول لأنفسنا ولأطفالنا وللعالَم أَجمَع: "نحنُ هنا باقون على العَهد".

اختَرت أن أُخبِر أبنائي عن الأَمل والألم معًا، ليعيشوا أيّامهم مُطمئنين لِصِدق والديهم بتمرير الرّسالة وتَجديد العَهد على الدّفاع عن حقوقهم والعَمَل من أجْل حياة يستحقونها، حياة تَليق ببراءَتهم وأحلامهم.

رغم صُعوبة هذا التّحدّي في حَياتنا كأَهل في مُواجَهَة جميع هذه التّناقُضات وإيصالها لِطِفل صَغير يَحلُم بأَلعابه، وشاب يَتوق للقاء أَصدقائه ويَطمح لتحقيق أَحلامه والسّفر نَحو مستقبَل جميل، سأَزرَع الأَمل.

سَأَزرعه في قلوب أبنائي وسَأخبِرهم بأنهم سيكبُرون كما كَبُرنا، لكّن مع قوّة أكثر، لأنّهم وُلدوا في بقعة أرض لا تَعرف سوى الصمود.

يكبُر أطفالي وجميع الأطفال في بلادي، على اختلاف الظروف حسب المناطق، بِشَكل مختلِف عن أقرانهم في أماكن أخرى من العالَم. هنا، يعيش أطفالنا طفولتهم وعيونهم ترى كلّ ما يحدث، وقُلوبهم تدقّ بقوّة من صوت الانفجارات وإطلاق النار، ومَشاعرهم جيّاشة خوفًا من فقدان عزيز أو قريب.  يَكبُرون قَبل الميعاد.

سَأزرع الأَمل في نفوسهم، فالأَمل في حياة الأطفال هو شُعلة نور يَحمِلونها ويسيرون بها.

كما سأَزرع الأَمل في قلوب جميع الأهالي الذين أصادِفهم في حياتي وفي عملي، سأذكّرهم أننا نعيش في بيئة مليئة بالتحدّيات المزدوجة والأحمال الثّقيلة، فنحن بَشَر ولدينا مشاعر، ونَشعر بالتّعب والخذلان، ولدينا مخاوف عدة ونحمل في قلوبنا ألمًا كبيرًا، وفي الوقت نفسه، علينا واجبٌ اتجاه أبنائنا لِنَكون مصدَر الدعم والقوة وبناء حصانتهم النفسية والعاطفية في الصغر وتعزيزهم في الكِبَر ليصبحوا شبابًا حالمين وسائرين في طريقهم نحو تحدّي كلّ هذه الظروف وتخطّيها.

سَأُخبِرُهم أنّ المسؤولية تزداد، لكنّها لا تَعني أن ننسى أنفسنا. من حقّنا أن نَشعر بالتّعب وألا نُخفي ضعفَنا، أن نتوقّف لحظةً لنلتقط أنفاسنا، أن نَجِد مساحة لأنفسنا وَسَط كلّ هذا الضغط ونُعلِن حاجتنا للراحة، لأننا إن لم نعتنِ بأنفسنا، كيف سنعتَني بهم؟

 سأعلّم نفسي والأهالي من حولي، أن المسؤوليّة لا تَعني أن نَحمل العالَم كلّه على أكتافنا، بل أن نعرف كيف نعيش كلّ يوم بيومه، كيف نَجِد لَحَظات سلام وسط الضجيج، كيف نمسك بأيدي أطفالنا ونمضي بهم إلى الغَد، بخطوات ثابتة، حتى لو كانت مُثقَلَة بالألم. يَكبُر شعور المسؤولية، نَعَم، لكنّه يكبُر معنا، ومع وعينا بأنّنا لَسنا وحدنا في هذا الطريق.

سأُكمل بِزَرع الأَمل، وقد لا يكون الأَمل وعدًا بغدٍ خالٍ من العنف والاحتلال، لكنّه أمل في التفاصيل الصغيرة التي تُبقينا صامدين.

قد يكون الأَمل:

  • في ضِحكة طِفل يلعب رغم صَوت القَنابل.

  • في أمٍ تزرع شَتلة خضار في حديقة بيتها لتقطف ثمارها.

  • في جَدّةٍ تَحكي لأحفادها قصّة من ماضيها وتَربِطها بالحاضر.

  • في طالب يَدرُس تحت ضوء الشّموع لأنّ الكهرباء مقطوعة، لكنّه لا يستسلم للظلام.

  • في شابةٍ تتحضّر لدخول الجامعة لتحقيق حلمها.

  • في طفل قتلوا والده واختار السّير بطريق السلام والمحبة.

الأَمل في أنّنا ما زلنا هنا، نَعيش ونُحاول، نحلم ونرفض الاستسلام رغم تتابع الخَيبات والألم المستمر. قد لا نرى التغيير الذي نريده بأعيننا، لكن يكفي أن نكون جزءًا من طريق يقود إليه.

من أجل أن نبقى حاملين شعلة الأَمَل لنا ولأطفالنا وللأجيال القادمة، علينا تبنّي خطوات بسيطة، نُمارسها بانتظام قَدر المستطاع:

1.    خلق مساحة آمنة داخل المَنزل لنا ولأولادنا - حيث يمكننا أن نُكمل ممارسة حياتنا اليوميّة والتّركيز على ما يُمكننا التحكّم به رغم كلّ ما يحدث.

2.    مشارَكة مَشاعرنا - نتحدّث لُغة المشاعر والتّعبير عنها والحَديث بها، لأن الصّمت قد يكون أكثر خطرًا من الكَلام.

3.    الاهتمام بصحّتنا النفسيّة والجسدية والعناية بها- حتى لو كانت الظروف صعبة، فإن تخصيص وقت للرعاية الذاتيّة ضروري للحفاظ على التوازن.

4.    غَرس القِيم الإيجابية لدى أبنائنا- نُخبرهم عن أبطال حقيقيّين، عن أشخاص مرّوا بظروف مشابهة وحقّقوا أحلامهم رغم التحدّيات، ونُعزّز فيهم الفخر والانتماء والقدرة على التأثير، حتى بأفعال صغيرة.

5.    تقديم إجابات صادقة ومليئة بالأمل- نَصِف الواقع ونَحكي الحقيقة بما يتلاءم مع جيل الطّفل، ونذكرهم دائمًا بأن الظروف يُمكن أن تتغيّر.

قد لا أَملِك كلّ الإجابات لأسئلة أبنائي، لكنّني أعلَم أنني سأقف بجانبهم وهم يكبُرون. سأكون دِرْعَهم في الأوقات الصّعبة، وصَوتهم حين يحتاجون إلى الدّعم، ونورهم حين تُظلم الدّنيا من حولهم.

 وهكذا سيفعل جميع الأهالي في وطني.

رباب قربي

مرشدة أهال متخصصة في مجال الوالدية، العائلة والجنسانية ومديرة مركز "محطات"

رأيك يهمنا