هذا الشهر
الفلسطينيون في "مصائد" الضَمّ والهَدم: "تَضيقُ بنا الأرضُ"
كلمة العدد – تشرين الثاني 2024
يُعدّ فُقدان البيت أو الأرض بالنسبة للفلسطيني فقدانًا لمُرَكِّب أساسي في كيانه وهويّته، وتقويضًا لمستقبله وحرمانًا من أبسط مقومات أمنه واستقراره. هذه هي قصّة الفلسطيني المُمتدة فصولها على مدى أكثر من سبعين عامًا.
كانت البداية بنكبة عام 1948، وأسفَرت عن تهجير قسري لِنحو 750 ألف فلسطيني من قراهم ومدنهم؛ هُدمت خلالها أكثر من 500 قرية، أمّا الفلسطينيون الباقون على أرضهم فوجدوا أنفسهم خاضعين لقوانين عنصرية التفافية صُمّمت بغرض سلبهم ملكيتهم على أراضيهم وتضييق الخناق عليهم، سياسات لم تقتصر في نتائجها الكارثية على حِرمانهم البيت والمأوى، بل تعدّت ذلك لتصل إلى تَبِعات قاسية نجدها في معطيات الفقر والجنوح.
استمرت المأساة عام 1967، وفيه احتلت إسرائيل نحو 70 ألف كم مربع من الأراضي الفلسطينية؛ أي ثلاثة أضعاف ما احتلته عام 1948، وَهجَّرت أكثر من 400 ألف فلسطيني، ثُم تعمّقت مأساة الباقين على أرضهم تحت الاحتلال، إذ تعرّضوا لسياسات التمدد الاستيطاني وممارسات المستوطنين الإجرامية التي لم تتوقف منذ ذلك الحين، بل تفاقمت أمورهم سوءًا مع مرور الوقت لتصل ذروة جديدة، أو ربما حضيضًا آخر، خلال العام الأخير، تطبيقًا لسياسة حكومة إسرائيلية هي الأكثر يمينية وتشددًا على الإطلاق.
وصلت التراجيديا الفلسطينية ذروة جديدة في الحرب الوحشية على غزة التي اندلعت قبل أكثر من عام ولا تزال مستمرة حتى للحظة؛ حرب أسفرت عن مقتل أكثر من ثلاثة وأربعين ألف إنسان، وإصابة أكثر من مئة ألف، غالبيتهم من النساء والأطفال، وهَجّرت داخليًا أكثر من مليون ونصف من منازلهم التي لم تعد صالحة للحياة، وهجّرت عشرات الآلاف إلى مصير مجهول خارج القطاع، وسط دعوات أوساط يمينية متطرفة ترعاها الحكومة للاستيطان في غزة من جديد.
إذًا هي نكبة الفلسطينيين المستمرة، ومأساة الإنسان الأقسى في العصر الحديث. مأساة تحدث على مرأى ومسمع العالم الصامت الذي يكيل بمكياله العقيم، ولا يحرّك ساكنًا لوضع حدّ لنكبة شعب كان لقادته دورٌ مفصلي في حدوثها، ومشهديتها واستمراريتها.
الهدف النكبوي واحد وإن اختلفت تجلّياته ووتيرته حسب الزمان والمكان، فبين ضمّ وقَضم وهدم، وتهجير صامتٍ وآخر صائِت، تُفرض المعادلة الجائرة على أهل البلاد الأصليين في الضفة وغزة والداخل والقدس: أرض أقلّ للعرب، إذ يتم تركيزهم ( في النقب مثلًا) في ما يشبه المحميات، وعلى مسافة غير بعيدة تُجترح آليات التوسّع والنهب معبرّة عن نفسها على شكل مَزارع شاسعة المساحة لأفراد، وبؤر استيطانية رعوية تحاصر القرى في الضفة الغربية وتغلق أفقها.
ندعوكم في هذه النشرة لجولة بين ثنايا المحطات المفصلية في مجال الأرض والحيّز والمسكن بتشكيلاتها الراهنة لفهم الواقع، بخصوصية مكوّناته وشموليّة خلفياته وتفاعلاته وتداعياته، لاستحضار ما كان واستشراف ما قد يكون.