محطات في تاريخ النقب .. ساحة المواجهة الساخنة
نبذة تاريخية
وفقا للإحصائِّيات التي جرت في عهد الانتداب البريطاني عام 1931 بلَغ تعداد المواطنين العرب-البدو في النقب 65 الف نسمة، وقد قدَّرت لجنة فلسطين للأراضي عام 1920 الأراضي المفتلحة في قضاء بئر-السبع بما لا يقل عن ثلاثة مليون سبعمائة وخمسين ألف دونم وذلك عدا أراضي الرعاية.
وتُبيِّن صِور لسلاح الجو البريطاني في عام 1945 أن جميع مناطق السكن في قضاء بئر-السبع مفتلحة بالكامل، وهذا يَدْحض خرافة إسرائيل أن النقب صحراء بالكامل وان أهلها رُحَّل.
احتفَظ أهالي بئر-السبع بملكيتهم لأراضيهم حسب قانون العرف والعادة لعدة قرون، حيث فلحوها وعاشوا عليها. كما أَكدَّ وزير المستعمرات البريطاني ونستون تشرتشل عند زيارته للقدس عام 1921، وبحضور أوّل مندوب سامي بريطاني وهو هربرت صموئيل، أَكدَّ باسم الحكومة البريطانيّة حقّ الأهالي في ملكيتهم لأرضهم حسب قانون العُرف والعادة (وعْد تشرتشل للبدو) وصَدَرت بذلك بيانات رسميّة وحكوميّة.
تمّ احتلال بئر-السبع من قِبل الجيش الإسرائيلي في الفترة ألواقعة بين أكتوبر 1948 وحتّى ديسمبر 1948، وتمّ ترحيل 90% من سكّان النّقب خارج حدود الدّولة، حيث أصبحوا لاجئين، وهُجِّروا للأردن وقطاع غزَّة، حيث بلَغ عدَد اللاجئين من قضاء النقب وفقًا لإحصاء جرى عام 1998هو 555,813 نسمة، ومن تبقّى في قضاء النقب بَعد حملة التهجير ونسبتهم 10% وتعدادهم لا يتجاوز عشرة آلاف نسمة (وفقًا للإحصاء من عام 1998 ويبلغ تعدادهم اليوم ثلاثمائة وخمسين ألف نسمة) فقد تمّ تهجيرهم وتركيزهم في منطقة جغرافية محدودة محاذية للحدود الأردنيّة – الإسرائيليّة آنذاك وتسمّى ""منطقة السياج""، الممتدّة شرقي شارع بئر السبع - الخليل، بمحاذاة الخط الأخضر حتى تل عراد ومن هناك حتى ديمونا – رخمه – بئر السبع.
في منطقة السياج يتواجد سكّان ألمنطقه الأصليين ومهجَّري الداخل الّذين تمّ تهجيرهم من قراهم وأراضيهم إلى هذه المنطقة.
المخططات الحالية
بَعد أن فشلت مخطَّطات الحكومة لترحيل العرب وتركيزهم ودفعهم للتنازل عن أراضيهم، جاءت المخطّطات الاخيرة بتاريخ 28-10-2007 ، متمثّلة بلجنه القاضي المتقاعد جولدبرع (فيما يلي ""لجنة جولدبرغ "") وبَعد أن أنهت عملها وقدَّمت توصياتها بتاريخ11-11-2008 ، ولأنّ التوصيات لم تَرق للحكومة رغم أنها لم تلبِّ الحد الأدنى من مطالب عرب النقب، أقامت الحكومة الإسرائيليّة لجنة جديدة لبحث توصيات لجنة جولدبرج، تحت شعار أن هدف اللجنة الجديدة وضع آليات لتنفيذ توصيات لجنة جولدبرغ. لكن الجديد في هذه اللجنة أنه بدلا من القاضي الذي ترأس لجنة جولدبرغ فإنّ رئيس اللجنة الجديدة هو أيهود برا فير ( فيما يلي ""لجنة برا فير "") وهو عضو في مجلس الأمن القومي ومدير قسم التّخطيط الاستراتيجي في مكتب رئيس الحكومة، وبعكس لجنة جولدبرغ الّذي كان في عضويتها اثنين من المجتمع العربي من بين ثمانية أعضاء اللجنة، فان لجنة برا فير لم يكن في عضويتها أي ممثل عن أصحاب القضية التي يبحثونها ويقررون مصيرها، كما وبعكس لجنة جولدبرغ فإنّ لجنة برا فير لم تلتقِ ولم تستمع إلى أيّ من المواطنين العرب في النّقب.
لجنة برافير أُقيمت بتاريخ 18.1.2009 وأَنهت عملها وقدَّمت توصياتها للحكومة بتاريخ 3.5.2011 وبدلا من تحويل التّوصيات للمواطنين العرب لمناقشتها ووضْع تحفّظاتهم، تمّ تحويل التّوصيات الى رئيس مجلس الأمن القوميّ الجنرال يعقوب عميدرور لمناقشتها، وهو معروف بتوجّهاته اليمينيّة والمتطرّفة جدًا، كما إنّ هذا يؤكِّد كَيْف تتعاطى الحكومة مع القضيّة وكأنَّها قضيّة أَمنيّة وخطر قوميّ وبعقلية مواجهة العدو!!!!
بعد إدخال التعديلات ""الامنيّة"" للجنرال عميدرور تمّ تحويل التوصيات إلى الوزراء، حيث تمّ إدخال تعديلات في البند رقم 10 للقرار الحكوميّ، والذي وبشكل يجعل من الخطّة بدلًا من حل عادل لقضية عادلة إلى تصفية نهائيّة وبإمكاننا أن نطلق على القرار الحكومي الصادر بتاريخ 11.9.2011 انّ الحل النهائي لعرب النقب وتاريخ إصداره اليوم الأسود، وانّ هذا القرار رقم 3707 يهدِّد بنكبة جديدة لعرب النقب.
لقد تم إفشال هذا المخطط بالنضال الميداني الذي قادته لجنة التوجيه العليا لعرب النقب والتي كنت مع الأخ المرحوم سعيد الخرومي من المبادرين والمؤسسين لها والتي حظيت بدعم لجنة المتابعة العليا في اجتماع خاص للمجلس المركزي بتاريخ 18.9.2011 في مدينة رهط.
قضيّة القرى غير المعترف بها
حتّى شهر أيار 1996 كانت الخطّة الحكوميّة مبنيّة على أساس تركيز العرب في النّقب في سبعة تجمّعات سكنيّة مقابل عشرات التجمّعات اليهوديّة منها 113 تجمعًا يهوديًا يَبلُغ تعداد سكانها مجتمعة 34 ألف نسمة بعضها يبلغ تعداد الأفراد في بعض القرى أو المستوطنات اليهودية 50 نسمة مقابل 100000 نسمة عربية يقطنون في 45 قرية غير معترف بها .
في عام 1996 في عهد حكومة رابين التي اعتمدت على دعم الحزب الديمقراطي العربي (عبد الوهاب دراوشة وطلب الصانع ) أقرّت الحكومة الاعتراف تسعة وهي: بير هدّاج، ابو قرينات-أم متنان، قَصر السّر (الهواشلة)، ام بطين، ترابين-الصّانع، السيِّد، الأطرش (مولداه)، كُحلة، دريجات وقريتين تمّ الاعتراف بهما لاحقًا وهما قيد التّخطيط والإقرار وهما أبو-تْلول والفُرعة.
سياسة التهجير والتطهير العرقي
النقب يشكل 60% من مساحة دولة إسرائيل، يقطن النقب 8% من سكان دولة إسرائيل وتسعى الحكومات الإسرائيلية لتركيز عرب النقب أصحاب الوطن الأصلانيين الذين يشكلون 35% على أقل من 3% من أراضي النقب ونتيجة للمعركة على الأرض يتم حرمان قرى بأكملها من الاعتراف وبالتالي من الخدمات الأساسية مثل الشوارع ، الماء ، الكهرباء ، المؤسسات التربوية واستخدم قانون التخطيط والبناء ليس للتخطيط والبناء وإنما للتهجير والتطهير والعرقي وخلال عام 2022 تم هدم أكثر من 2000 بيت عربي في النقب وهذا يقول كل شيء .
على سبيل المثال مجلس إقليمي بني شمعون عدد سكانه 12 ألف نسمة موزعين على 13 تجمع سكاني يهودي منطقة نفوه 400 ألف دونم وفي المقابل مدينة رهط عدد سكانها 71 ألف نسمة ومنطقة نفوذها 42 ألف دونم.
المستوى الثقافي
في النقب هنالك ارتفاع ملحوظ في نسبة الأكاديميين في مختلف المجالات بما في ذلك الطب حيث عدد الأطباء العرب من النقب أكثر من 600 طبيب وطبيبة وأكثر من 450 محامي ومحاضرين في الجامعات وقضاة في المحاكم وهذا مجتمع شاب أكثر من 70% هم تحت جيل 35 عام
الوعي السياسي
حتى عام 1988 كان النقب واقع تحت تأثير الأحزاب الصهيونية وذلك بسبب البعد الجغرافي عن الجليل والمثلث مركز الوعي السياسي والمد الوطني وكانت الأغلبية أكثر من 90% تقوم بالتصويت لحزب العمل إلا أن التغيير حدث مع إقامة الحزب الديمقراطي العربي عام 1988 حيث حصد 50% من أصوات العرب في النقب واليوم الأغلبية الساحقة 85% تدعم الأحزاب العربية
النقب ساحة المواجهة الساخنة وهو مستهدف على مستوى الأرض من خلال مشاريع التهجير والتطهير العرقي وهدم البيوت وعلى مستوى الإنسان والهوية الوطنية من خلال مشاريع البدونة وسياسة فرق تسد وعلى خلفية استمرار السياسة العنصرية من جهة وازدياد الوعي الوطني والثقافي أتوقع أن يوم الأرض القادم والمواجهة القادمة بين الجماهير العربية والمؤسسة السلطوية ستكون في النقب.
تصوير: وليد العبره.
المحامي طلب الصانع
محامي وعضو كنيست سابق ورئيس الحزب الديمقراطي العربي ومؤسس "لجنة التوجيه العليا لعرب النقب"