الإعلام وتعزيز قيم المواطنة

يلعب الإعلام دورًا بالغًا في عملية بناء مواطن واعٍ لما يحدث حوله وإكسابه القدرة على التحليل من أجل اتخاذ قرارات تخص قضايا معينة. ومن أبرز الأدوار التي لعبها ويلعبها الإعلام في تجسيد مفهوم المواطنة وتعزيز قيمها من خلال الحملات الإعلامية، باعتبارها من أهم الوسائل المستخدمة في توجيه الرأي العام نحو قضية معينة والتأثير فيه بصورة سريعة وفاعلة، يمكن استخدام هذه الوسيلة بصورة إيجابية في تعزيز قيم المواطنة في المجتمع، أو يمكن في بعض الأحيان استخدامها بصورة سلبية لزعزعة هذه القيم وتفتيت الهوية الوطنية وتعزيز قيم التحرر والانفلات من أي قيد يرتبط بالوطن وترابه..

يتمثل الدور الذي تلعبه وسائل الإعلام في تعزيز قيم المواطنة في:

أولاً: تنمية الوعي بالثقافة السياسية

والمقصود به توعية وسائل الإعلام للجماهير بطبيعة الأنظمة السائدة والأيدولوجيات المعينة للفكر السياسي القائم في البلدان، بنظام المعتقدات والرموز الوطنية والاجتماعية والقيم التي تشكل بيئة العمل السياسي في المجتمع، بالدستور والقانون من خلال المضامين المقدمة في الوسائل الإعلامية والعمل على دفع المواطن من أجل المشاركة في الحياة السياسية.

ثانيًا: تعزيز المشاركة الاجتماعية

من بين ما تقوم به وسائل الإعلام هو تحفيز المواطنين على الاندماج في الحياة الاجتماعية وتفعيل "الشعور الجمعي" لديهم والاحساس بالمسؤولية وإن لكل فرد واجبات عقائدية وعائلية واجتماعية ووطنية وقانونية يتوجب عليه القيام بها من أجل الحصول على حقوقه. وقد تكون المشاركة رسمية أو غير رسمية والمشاركة بشكل عام تساعد في تطوير شخصية المواطن والنهوض بالوطن؛ ذلك أنها تشعره بأن له دورًا فعالًا في المجتمع وأن الجميع متساوون أمام القانون.

ثالثًا: تحقيق التكامل الشامل

عملية الانسجام والتجانس داخل كل من الكيان السياسي والاجتماعي والثقافي وغرس الشعور بالولاء والانتماء للمجتمع وذلك من خلال توحيد الإرادة الفردية والإرادة الجمعية كلها لصالح المواطن والوطن.

رابعًا: التثقيف والتوعية

وذلك من خلال الترويج لكل أشكال الحرية، وخاصة حرية الرأي والتعبير التي تسمح بزيادة الوعي والاطلاع على ثقافات الآخر وتزويد المواطن بكل ما هو جديد في مختلف المجالات وتعميقه من خلال التحليل والنقد.[1]

تنمية الوعي بالمواطنة:

تأتي أهمية وسائل الإعلام في تنمية الوعي بالمواطنة من أهمية الاعلام في مجال السياسة بصفة عامة والذي يطلق عليه "الإعلام السياسي" الذي برزت أهميته في العصر الحالي بشكل كبير، إذ بات ضرورة من ضرورات الحياة المعاصرة. فالإعلام السياسي يعتبر سلطة قادرة على التأثير والتغيير، لذا فهو يمارس دورًا مميزًا وفعالًا في التوعية السياسية للمجتمع، من خلال وسائله المختلفة من صحف وإذاعة وتلفزيون ووسائل إلكترونية جدية أخرى، فيقوم بتنمية الوعي السياسي والاجتماعي وتدعيم القيم والمشاركة السياسية وتوعية الناس بما يدور حولهم من أحداث ومواقف، سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي؛ ويساعد في إحداث تغيير جذري في حياة المجتمع ويتميز بقدرة فائقة في عملية التنشئة السياسية وتكوين ثقافة سياسية، ثم في حصول المشاركة بالتالي، وخاصة عندما يكون الإعلام منظمًا ويسير وفق سياسة إعلامية محكمة.

وتبرز أهمية وسائل الإعلام في تنمية الوعي بالمواطنة خلال أوقات الحرب والسلم والانتخابات والحملات السياسية في المجتمعات المتقدمة إذ تقوم بدور رئيسي في تقديم المعلومات والحقائق إلى الجمهور، إضافة إلى نقل مشكلات وطموحات الجماهير وتصوراتهم إلى النخب السياسية. تشير معظم الدراسات إلى أن وسائل الإعلام ترتبط بصفة عامة ببرامج وخطط التنمية التي يشهدها المجتمع، فهي بمثابة انعكاس لآليات التفاعل الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لمؤسسات المجتمع في علاقتها.[2]

الإعلام المحلي وتكريس قيم المواطنة:

تعتبر وسائل الاعلام عموما والإعلام المحلي خصوصا من أهم أدوات ترسيخ المواطنة حيث يسهم الإعلام المحلي في بناء المجتمع من خلال الارتقاء بالرؤى والتصورات التي تساعد الأفراد على أن يصبحوا قيمة مضافة في عملية التنمية المحلية والوطنية. ويمثل الإعلام المحلي وسيلة مهمة للتعبير عن آراء المواطن ومشكلاته وعرض قضاياه، بل إن وسائل الإعلام الحديثة في ضوء تدفق المعلومات قد أصبحت من أبرز الأدوات لتبادل الثقافات والخبرات بين مواطني مختلف الدول في شتى بقاع الأرض.

والإعلام سلاح ذو حدين، لذا يجب أن يوجه في الوجهة الصحيحة ليلعب دورًا إيجابيًا في غرس قيم المجتمع وتوطيد العلاقة بين المواطنين والوطن، وفي خدمة القضايا الإنسانية ذات الاهتمام العالمي والإقليمي والمحلي، كالدفاع عن حقوق الإنسان والتنمية والبيئة.

إشراك المواطن في تسيير الشأن العام المحلي وإعلامه بكل الإجراءات المتخذة عبر وسائل الاعلام المحلية يمكن أن يساهم في تحقيق:

  • الحوكمة المحلية:

المقصود بالحوكمة المحلية هو التسيير الجيد والعقلاني للشأن العام. ولا يتحقق ذلك إلا بإشراك جميع أطياف وفعاليات المجتمع المحلي من مواطنين وأعيان وقيادات محلية ومنظمات المجتمع المحلي في إدارة شؤون البلاد بما يحقق رضى المسؤولين والمواطنين. وفي هذا الصدد يلعب الإعلام المحلي دورًا مهمًا في إتاحة الفرصة للمواطنين ليكونوا على دراية مستمرة بما يحدث في قريتهم أو مدينتهم أو محيطهم الاجتماعي، مما يعطيهم الفرصة للإدلاء بآرائهم وطرح مشاكلهم وانشغالاتهم ونقلها إلى المسؤولين المحليين لإدراجها ضمن أولوياتهم.

  • المشاركة في صنع القرارات المحلية وترشيدها:

لتحسين صنع القرارات المحلية يتوجب تحقيق رضى غالبية أفراد المجتمع المحلي من خلال إشراك المواطنين فيها. وحتى يشارك المواطنون في القرارات التي تهمهم على المستوى المحلي ينبغي أن يكون تقاسم للمعلومات بين المسؤولين والمواطنين. وتعتبر الإذاعات ووسائل الاعلام عامة الوسيلة المثلى التي يحصل المواطنون من خلالها على المعلومات الخاصة بشؤونهم المحلية وأهمية وضرورة توظيف هذه المعلومات في المشاركة في صنع القرارات الرشيدة التي تتخذها المجالس المحلية بالتشاور والمشاركة مع أفراد المجتمع المحلي. إذا كانت المشاركة هي الركيزة الأساسية للمواطنة، فإن فلسفة الاتصال بطبيعتها تشاركية.

  • الشفافية:

تعد الشفافية آلية مهمة من آليات الحكم المحلي وسلاحًا فعالًا في أيدي المواطنين والفاعلين في المجتمع المدني من أجل مكافحة الفساد الذي ينتعش في البيئات الضبابية والمظلمة وغير الشفافة، حيث أن نشر المعلومات بشفافية يجعل المواطنين على قدم المساواة في الاستفادة من فرص التنمية والحصول على حقوقهم بناء على مبدأ الاستحقاق، وهذا يساهم في تقليل المحسوبية وتعزيز روح الشفافية والنزاهة ما يرفع من قيمة روح الانتماء والولاء لدى المواطنين.

  • تعريف المواطنين بحقوقهم وواجباتهم:

يساهم الإعلام المحلي في تعريف المواطنين بحقوقهم التي يضمنها لهم الدستور والقانون، ويعطيهم الحق في التمتع بها وفهم وإدراك الواجبات والمسؤوليات التي تقع على عاتقهم تجاه موطنهم. وتكثر الأمثلة هنا، مثل: التوعية بالانتخابات ومشاركة الشباب من خلال برامج متنوعة سياسية واجتماعية وثقافية موجهة في الإعلام المحلي للشباب.

  • تحقيق المساواة بين أفراد المجتمع:

الحديث عن المواطنة بدون تكريس لمبدأ المساواة يبقى مجرد شعار أجوف. فإذا لم يلمس المواطن المساواة بينه وبين الآخرين في الحقوق والواجبات فإن ذلك من شأنه أن يولد شعورًا بالظلم. وإذا استمر هذا الشعور لديه وترسخ في أعماقه فسيجد نفسه مضطرًا إلى البحث عن مكان آخر يجد فيه إنسانيته وكرامته التي يتساوى فيها مع غيره من المواطنين.

عدم تحقيق العدالة والمساواة للشباب من شأنه أن يُضعف قيم المواطنة لديهم. وهذا ما يجب أن تركز عليه برامج الإعلام الموجه للشباب، والتي تحاول أن تساهم في تثبيت جذور الشباب في وطنهم.

  • غرس قيمة حب الوطن في نفوس الأجيال الناشئة:

تعتبر وسائل الاعلام إحدى المؤسسات المجتمعية الفعالة التي تشارك مع غيرها في عملية غرس حب الوطن والانتماء؛ وهي هي الأهداف ذاتها للبرامج الإعلامية التي تركز على الأجيال الناشئة.[3]


[1] دور وسائل الاعلام في تعزيز قيم المواطنة، ياسين بوبشيش، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية العدد التاسع

[2] دور الاعلام الجديد في تعزيز قيم المواطنة: خالد منصر، مجلة كلية الفنون والإعلام، العدد الأول، نوفمبر 2015

[3] الإعلام المحلي ودوره في ترسيخ قيم المواطنة: د.قواسم بن عيسى، المجلة الجزائرية لبحوث الإعلام والرأي العام المجلد 2 ديسمبر 2019

مصدر الصورة المرفقة للمقال.

هداية صالح شمعون

كاتبة وإعلامية فلسطينية من قطاع غزة

شاركونا رأيكن.م