ما بعد انتخابات الكنيست ال24- حكومة جديدة بمشاركة عربية غير مسبوقة

كلمة العدد - نيسان 2021

أهلًا ومرحبًا بكم في عدَّدنا الجديد لشهر نيسان\ أبريل 2021 الّذي سَيُخَصَّص لنتائج انتخابات الكنيست الرّابعة والعشرين الّتي انتهت للتو، لكن لا زالت آثارها الدّراماتيكية حاضرة بقوة وانعكاساتها ضبابيّة.

على الرَّغم من كونها جولة رابعة في غضون عامين، يبدو أنَّ انتخابات آذار\ مارس 2021 وما سبقها من حملات محتدمة وما انتهت عليه من نتائج لافتة، كانت مغايرة تمامًا عن الجولات الانتخابية الثّلاث الماضية، ما يستوجب وقفة تحليليّة لفهم مآلاتها وانعكاساتها، لا سيما على الشّارع الفلسطينيّ في الدّاخل الّذي كان له دورًا مفصليًّا في هذه الانتخابات وعلى أكثر من صعيد– بداية بتعاطيه مع الانقسام بين القائمتين العربيتين– المشتركة والموحدة، ثم تهافت الأحزاب الصهيونيّة على تحصيل أكبر عدّد من أصواته وانتهاء بنسبة التّصويت المتدنية لديه قياسًا بالجولات الانتخابيّة السّابقة.

لا شك أنَّ تشكيل القائمة المشتركة عام 2015، الّتي جمعت بإطارها أربعة أحزاب عربيّة هي: الجبهة والتّجمع والعربيّة للتّغيير والموحدة (الحركة الإسلامية– الشق الجنوبي)، ونجحت في أنْ تتحول للقوة البرلمانية الثّالثة في انتخابات آذار\ مارس 2020، تحت شعاري "إرادة شعب" و"إسقاط نتنياهو"، كانت الحدث الأبرز والأكثر تأثيرًا في المشهد السّياسي المحلي قبل عام، علمًا أنها كانت السّبب المركزي في منع نتنياهو من تشكيل حكومة يمينيّة برئاسته، بيد أنها لم تكن كافية لمنعه في البقاء بسدة الحكم في حكومة ثنائيّة عمل جاهدًا لإقامتها.

شكّل نتنياهو حكومة ثنائية بعد أنْ نجح في إقناع غريمه آنذاك رئيس حزب كاحول لافان- بني غانتس، بتشكيل حكومة طوارئ معه بذريعة مواجهة أزمة كورونا المتزامنة وتداعياتها، وتهميش القضايا الخلافية بين الطرفين، الّتي سرعان ما عادت لتطفو على السّطح لتتحول إلى حكومة شلَّل قومية متعدَّدة الأزمات.

غانتس الّذي تجاوب مع مسعى نتنياهو ضاربًا وعوده عرض الحائط بإسقاط نتنياهو بعد أنْ رفض الاستناد على أصوات القائمة المشتركة (الّتي أوصت عليه لرئاسة الحكومة باستثناء التّجمع)، أحدث انشقاقًا في قائمته وأدى إلى تراجع قوته من 33 مقعدًا في الجولة الانتخابية السّابقة إلى تأرجحه عند نسبة الحسم في الجولة الانتخابية الأخيرة، جراء ما اعتبر خطوة استراتيجية خاطئة لمبتدأ في السّياسة!

لا شك في أنَّ هذه الخطوة لمن اعتبر في انتخابات آذار 2020 بديلًا محتملًا لنتياهو– رئيس الحكومة الأطول بقاءً في سدة الحكم بإسرائيل– القت بظلالها على ما يسمى معسكر المركز– يسار وليس أقل أهميّة على دور المشتركة وقدرتها في توظيف ثقلها الانتخابي لإحداث التّغيير في موازين القوى، على الرَّغم من الالتفاف الجماهيري غير المسبوق حولها آنذاك.

انسداد الأفق السّياسي للتغيير واستفحال الأزمات الخانقة داخل المجتمع الفلسطينيّ في الدّاخل وبمقدمتها آفة العنف والجريمة وقضايا الأرض والمسكن، الّتي زادت سوءًا بظلّ حكومات نتنياهو المتعاقبة، كان لها أثرًا كبيرًا في تراجع قوة المشتركة وأثارت الكثير من التّساؤلات حول جدوى العمل البرلماني وافق التّغيير.

انتخابات آذار 2021 أتت بعد سلسلة من الصّراعات الدّاخلية والتّواتر المحتدم بين مركبات المشتركة داخليًا وتحديدًا بين الموحدة والأحزاب الثّلاثة الأخرى، الّتي طفت على السّطح بقوة محدثة الكثير من الارتدادات في شبكات التّواصل الاجتماعي وفي الشّارع العربيّ عمومًا، وتحديدًا بما يتعلق بقضيتين أساسيتين: الأولى، التّباينات العقائدية في مسألة المثليين عقب سلسلة من القوانين الّتي دفعت بها أحزابًا يسارية ودعمتها بعض مركبات المشتركة والثّانية والأهم: اختلاف الرؤى حول سبل حلّ أزمات المجتمع العربيّ الّتي كشفت النّقاب عن هوة سياسيّة كبيرة في توجهات الفريقين– الموحدة الّتي دفعت باتجاه التعاطي مع حكومة اليمين برئاسة نتنياهو تحت مسمى "النّهج الجديد" لإيجاد حلول للأزمات الاجتماعيّة الخانقة، ما اعتبرته باقي مركبات المشتركة "مقايضة" بين الثّوابت الوطنيّة مقابل "امتيازات" تندرج بإطار الحقوق الأساسيّة الّتي لا ينبغي المهادنة عليها، لا سيما في ثمن التّعاون مع حكومة اليمين الأكثر عنصرية في تاريخ إسرائيل.

هذه الصّراعات في التوجهات وما تلاها من قرار لتبكير الانتخابات في حكومة مأزومة أصلًا، احتدمت خلال الحملات الانتخابية التي كانت غير مسبوقة في أسلوبها ومفرداتها واتخاذها منحًا شخصيًا مؤذيًا، أفضت إلى تراجع قوة الأحزاب العربيّة بثلث قوتهم الإجمالي من خمسة عشرَ مقعدًا في انتخابات آذار 2020 إلى عشرة مقاعد في انتخابات آذار 2021، بإحراز الموحدة أربعة مقاعد والمشتركة بمركباتها الثلاثة ستة مقاعد فحسب.

لا يختلف اثنان على أنَّ الكثير من العوامل لعبت ولا زالت تلعب دورًا مفصليًا في هذه الانتخابات، من بينها:
* ارتدادات أزمة كورونا.
* غياب المنافسة التّقليدية بين معسكري اليمين والمركز– يسار واستبدالها بمنافسة بين معسكري "أنصار نتنياهو" و"مناهضي نتنياهو" كونها كانت أقرب إلى استفتاء على استدامة حكمه أكثر منها على برامج انتخابية أو رؤى سياسيّة مغايرة.
* الشّرخ بين القائمتين العربيتين الّذي أفضى إلى انخفاض نسبة تصويت العرب في هذه الانتخابات وما تبعها من تراجع بقوة التّمثيل العربيّ في الكنيست.
* ارتفاع رصيد القائمة الموحدة (الحركة الإسلاميّة– الشّق الجنوبي) في الشّارع العربي على حساب المشتركة لأسباب سياسية واجتماعية.
* تهافت الأحزاب الصّهيونية على الصّوت العربي جراء الإحباط الحاصل من الأحزاب العربية من جهة، وشرعنة نتنياهو لاعتماده إياها في معركته الانتخابية الأخيرة وربما المصيرية بعد نفاذ مخزون أصواته في المجتمع اليهودي من جهة أخرى.
* التّمثيل النّسائي العربيّ الّذي تراجع بشكلٍ لافت مع انكماش التّمثيل العربيّ البرلماني، وبالمقابل ارتفاعه في الأحزاب الصّهيونية بعد إدراج مرشحة عربية في كلّ من حزبي ميرتس والعمل.
* معضلة توصية الأحزاب العربية على مرشح لرئاسة الحكومة المقبلة بعد التّجربتين القاسيتين في انتخابات ايلول 2019 وآذار 2020 اللتين لا تزالا حاضرتين في الأذهان.
* وأخيرًا، خيارات الموحدة الّتي تحولت بين ليلة وضحاها إلى "بيضة القبان" بين المعسكرين وتموضعها الاستراتيجي المحتمل في تحديد هُوية رئيس الحكومة القادم، التي لا تزال تشوبها الكثير من العقبات السياسية اولها بدور القيادة الفليسطينية في الداخل لا سيما في هذه المرحلة السياسية المعقدة واخرها برفض أحزاب اليمين من المعسكرين المتنافسين اعتماد أصوات النواب العرب في تشكيل الحكومة المقبلة.

كل هذه العوامل تطرح امكانية خوض جولة انتخابية خامسة في غضون الأشهر القليلة المقبلة، الّتي من شأنها أن تعيد انتاج نفس النتائج من حيث تعادل المعسكرين وانعدام القدرة على الحسم، ما يدفعنا لمجموعة من التّساؤلات، أبرزها تلك المتعلقة بجدوى النظام الانتخابي المعمول به محليًا، أفق الخروج من المأزق السّياسيّ وفرص التّغيير الممكنة.

في هذا العدَّد من "فارءة معاي"، كما عودناكم، سنتناول التّحليلات بأبعادها المختلفة، ووجهات النّظر المتعدَّدة وقضاياها المرتبطة، سعيًا منا لإتاحة نقاش معمق، متعدِّد الأبعاد وشامل قدر الإمكان– علمًا أننا توجهنا لسياسيين، نشطاء ومحلّلين من كافة التّيارات ابتداءً من حَراك المقاطعة مرورًا بمركبات المشتركة الثّلاثة والقائمة الموحدة وانتهاء بأحزاب المركز– يسار، لا سيما الأصوات النّسائية من بينها ولكننا للأسف لم نتلقى تجاوبا متكافئًا منها– كل ذلك بإطار المساهمة في فهم أفضل للصورة المركبة واسقاطاتها على المستقبل السّياسي والاجتماعيّ للفلسطينيين في ال48، خلال المرحلة المقبلة.

نتمنى لكم جولة قيّمة وشائقة.

تابعونا.


تصوير: مكتب الإعلام الحكومي.

(استخدام الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected])