انتخابات مصيرية على مين؟ الجريمة المنظمة تعيد ترتيب أولويات النّقب
فعلًا كانت انتخابات حاسمة ومصيريّة لمتابعين القنوات التلفزيونيّة الّتي تبث من المثلث والجليل، كما أنَّ إذاعتيّ الجليل أظهرتا تفانيًا كبيرًا ومهنية عالية في العمل المرافق للحدث الأبرز على صعيد السّاحة المحلية المتداخلة بالمد والجزر على السّاحة السّياسية الإسرائيليّة، وجدل صنع القرار ومن أي طرف تؤكل الكتف وهلم جرا، من تلك المصطلحات الّتي تبتهج لأجلها المسامع حتى وإن جاءت هذه الجولة الانتخابيّة للمرة الرّابعة على التّوالي في غضون عامين. لكن على تواليها شحذت الهمم وخلقت حالة وعي لم يدركها مواليد الثمانينيات، أن يقوم الشّاب أو الشّابة في جيل ال 20 عامًا بإدلاء صوته أربع مرات، هذه حالة لم يعرفها إلّا شباب اسبانيا وإيطاليا وبريطانيا الذين انزلقوا مع بلادهم في مأزقٍ سياسيٍّ مماثل، لكن الأخيرة كانت من أجل هُوية بلادهم مقابل الاتحاد الأوروبي وهي الّتي ساهمت في تأسيس النّظام العالمي مع نهاية الحرب العالميّة الثّانية، ومنذ انفصال لندن عن بروكسل في واقعة بريكست الشّهير إذ تتطلع بريطانيا إلى استحضار مكانتها في نظام دولي أكثر تقلبًا وانقسامًا خصوصًا مع استمرار جائحة كورونا.
معالم الطريق واضحة وإن كانت شائكة ومعقدة، إنها انتخابات مصيريّة ويجب علينا البقاء على أهبة الاستعداد، هذا ما استنتجناه من خلال المتابعة اليوميّة ليلًا نهارًا بدون حضور صوت الجنوب إلى تلك المنصات الإعلاميّة، وأجزم أن تغييب صوتهم لم يحمل أي استفراد بالصوت المقبل من السّاحل المثلث أو الجليل لصالح صوت النقب، لكن بُعد المسافة والسّفر الطّويل وعدم التّسبب بالحرج للضيف القادم من الجنوب كلها تساهم في عصر سكايب، زووم، واتساب، وغوغل في تهميشه كما لو أننا نعيش في واقع مغاير تمامًا عن واقع بئر المكسور، دير حنا أو ترابين الصانع، لكن النيّة سليمة ولا يوجد أي ضغينة لأهل الجنوب بالعكس الحب والتقدير والوفاء فوق أي اعتبار.
هنا تبرز أهمية البنية التّحتية والكوادر الخلاقة الّتي تنحت واقعًا جديدًا بالصخر، خاصة مع توفر الإمكانيات والموارد اللازمة لحدوث ذلك مع حضور دور النوادي والملتقيات الحزبية والحلقات البيتية، فهذه أبجديات السّياسية على صعيديها المحلي والقطري وجميعها معلوم لدى أي منتسب حزبي مهما تقاعس عن خدمة أجندات حزبه الّذي رافقه منذ رياض الأطفال إلى ما بعد تخرجه من الجامعة وانخراطه في سوق العمل، وهي معدومة في النقب. لكنه يتم تذكر النقب في العتب وحتى الغضب على أهالي الجنوب الذين لا يخرجون للتصويت. هل هم فعلًا مغرمون بقرى الصفيح منزوعة الاعتراف ومعدمة الشّروط الأساسيّة للحياة الأساسيّة لما يتوافق مع ظروف العيش السّريع في القرن الحادي والعشرين داخل حدود ""ستارت اب نيشن""؟
فتحت الظّروف وتحديات النّقب الباب على مصراعيه لعصابات الإجرام الّتي لا توفر دم الصّغير قبل الكبير أمام غطرستها التي لم تتوقف عند حدود منطقة السّياج، بل خلقت منطقة سياج تشمل جميع الجماهير العربية، ولا يهم في أي ظرف! عند مدخل المسجد أو مقابل مركز شرطة أو حتى وهو آمن في بيته، قلبت عصابات الدّم الموازين رأسًا على عقب، المجتمع التقليدي، المحافظ، الأبوي، العشائري، لا قبيلة، لا حمولة، ولا كل الاعتبارات الاجتماعية الّتي ساهمت بأن تكون أطراف بداية حلول النزاعات بين أبناء البلد الواحد جميعها قطعت ولا يقف أمام عصابات الدّم لا الاحترام ولا العصبية القبلية ولا شيء، قوتها طاغية والجميع في حالة تجمد وهو وضع لم ندركه إلّا مع مطلع الألفيّة الجديدة الّتي كان من المفروض أن تحمل معها بشائر الخير أو هكذا كنا نظن.
تتحول الانتخابات المحلية إلى عرس ديمقراطي حقيقي، حيث تستغرق أقل مدة انتظار حتى الوصول إلى الصندوق ما لا يقل عن ساعة كاملة، بينما في الانتخابات التشريعيّة للكنيست خلال 10 دقائق تقترع وتكون عدت للبيت. السّبب أنَّ للناخب ما يخشى خسارته في المجلس المحلي أو البلدية، لكن ماذا يمكن لشاب من وادي النعم خسارته حتى وإن لم يدلي بصوته؟ تمكنت عصابات الدّم من التغلغل إلى اللّغة وخلق المفردات الجديدة التي لم ندرك خطورتها من قبل، اذهب أينما تلمس التّغيير. التوجه للأحزاب الصّهيونية كانت منذ المشاركة العربيّة الأولى في خمسينيات القرن الماضي لكنها كانت لغة العبد الذّليل أمام سيده، هل نحن فعلًا أذلاء؟
يقتصر النّقاش الّذي يحمل البعد البدوي على مسألة تعدّد الزّوجات ورحم المرأة البدويّة، والتّهويل بالولادة الفلكية في الجنوب، إذ تصور المرأة البدوية أنَّ ""لديها احتياطيات كبيرة من المياه الثقيلة التي يمكن استخدامها لإنتاج البلوتونيوم المستعمل في صنع الأسلحة الذّرية""، على الرغم من أنَّ عدد أهالي النقب ربع مليون نسمة، وهو نفس عدد الأطفال الذين يلقون باللوم على ""موشيه ليئون"" رئيس بلدية القدس في عدم منحهم المزيد من الميزانيات لتركيب الألعاب داخل تجمعاتهم الاستيطانية الجديدة في القدس الشّرقية.
وكما أنَّ المرأة البدوية ليست بحاجة الوكالة الدّولية للطاقة الذّرية لفحص خصوبتها من خلال ملاحقة رحمها، فإنه ليس علينا إغفال نشاط حنان الصّانع، وأمل أبو التوم، وعطا أبو مديغم، والبروفيسور عليان الهزيل، والدكتور علي الهزيل، وجمعة الزبارقة ويوسف العطاونة الذين لا يتم تذكرهم إلّا في مواسم الانتخابات. تداخل المجتمع العربي إن لم يحصل اليوم فمتى يجب حدوثه؟ على أي حال الحرب الأهلية الّتي تقودها عصابات الإجرام لا تنتظر طويلًا وربما ستؤتي أكلها مع تواصل عدم تعويل الجماهير العربيّة من النقب مرورًا بالساحل والمثلث، ووصولًا إلى الجليل على الأحزاب وليس على لجنة المتابعة العليا ولجنتها المنبثقة لمتابعة قضايا عرب النقب في قضاياها، بل على نفس العصابات الّتي تقتلها في وضح النهار أمام تهافت أعضاء الكنيست العرب على منبر البرلمان بمجمع بن غوريون في القدس.
مع تواصل حالة انعدام الأمن الشّخصي لا يمكن للناخب الّذي فقد صفة المواطن في حالة الانتخابات المتكررة إلّا التشبث بوظيفته الّتي يمكن أن يفقدها بأيِّ لحظة بسبب انعدام الأمن العام، عصابات الإجرام ستوفر له هذه الوظيفة وبمدخولات خياليّة لا يحلم بتحصيلها في وظيفته ""العادية""، هل أهم انجازاتنا تحصيل 20 مليار شيكل من أصل أكثر من 140 مليار شيكل حصيلة ضرائب الجماهير العربيّة السنوية من أجل التنزه في المدن اليهودية والحسرة في عيون أطفال العرب الذين يريدون متنزهات جميلة كالتي عند جيرانهم؟ وعد نفتالي بنيت رئيس حزب ""البيت اليهودي"" اليميني المتزمت عند استلامه نتائج العينات الأولية بمحاربة عصابات البدو التي تعتاش على الاتاوات والخاوة وتقض مضجع التجار في الجنوب، هذا يعني أن زيادة مراكز الشّرطة تأتي من أجل توفير الأمن للمواطن اليهودي، لكن ماذا عن توفير أبسط مقومات الأمن العام في بلاد الهايتك للعربي الّذي يدفع مليارات أخرى لصالح عصابات الإجرام؟
لقد تعوَّد العربيّ على الجريمة مع ما يعيشه من اقتتال داخلي في صورة مصغرة لحرب أهلية عربية- عربية لكنه لم يتعوَّد على الذّل رغم بركة الدّم التي لا تتوقف منذ 20 عاما، وعلى الرّغم من أنه لم يحصل حزب الليكود الحاكم بزعامة بنيامين نتنياهو الذي يلاحقه القضاء بثلاث قضايا فساد على 61 مقعدًا مع حلفائه من اليمين من أجل تشكيل حكومته السّادسة، فإنَّ الفرق للمواطن العربي جدًّا واضح بين الإرهاق الانتخابي وبين المراهقة الانتخابيّة.
استعمال الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected]."
كايد أبو الطيف
مزارع ثقافة في حقل إنتاج المعرفة (باحث في مجال الدراسات الثقافية) ومبادر منصة هٌنا الجنوب