حينما تهزم السّجالات السّياسية محاولات الحملات الإبداعية: قراءة في أثر الدعاية الانتخابية الأخيرة
"مستحيل يتفرقوا يا زلمة، ما هم تعلموا الدّرس السّنة الماضية. آخرتهم يكملوا مع بعض، وكل اللّي شايفه هذا فَرد عضلات!". كانت هذه كلمات أحد الأصدقاء في جلسة قُبيل تقديم القوائم النّهائية مطلع شباط/ فبراير. إلّا أنَّ المُتابع لانتخابات الكنيست في نسختها الرابعة والعشرين يعي أنَّ الحملات من قِبل الأحزاب بدأت قبل موعدها بكثير، وكانت تدوم على مدار الأربع وعشرين ساعة وحملت خصائص عديدة لا بدَّ من التوقّف عندها.
لا شك بأنَّ النّتائج النّهائية للانتخابات تؤكد أنّ الوضع السّياسي العام له حصة التأثير الكُبرى على قرارات الناس في التوجّه إلى صناديق الاقتراع من عدمها، إلّا أنّ وظيفة الحملات الانتخابية في مثل هذه الحالات تكون في محاولة الإقناع وبناء مصداقية أكبر للتصويت. وهذا كُله لا بُد من الحديث عنه في إطار انشقاق الصّف العربيّ، محاولات التودّد من قبل الأحزاب الصهيونية، ووجود نقاش سياسي- اجتماعي بين قائمتين عربيتين وليس مجرد صراع على ترتيب مقاعد كما حدث سابقًا.
كان جليًّا التوقّع العام لكون المحصلة النّهائية لعدد المقاعد العربية في نسخة الانتخابات هذه سيكون أقل مما كان عليه، إلّا أنَّ الحملات الدّعائية للأحزاب العربية لم تعمل على سدِّ هذه الفجوة إنما عزّزتها. وهنا لا بُد من التّطرق إلى أنّ أبرز العوامل لوصول نسبة التّصويت في انتخابات 2020 في المجتمع العربي إلى 64.8% كان بناء الأمل والتركيز على المواطن والشعب وليس على الأحزاب ومناكفاتها، فكانت حملة المشتركة ""إرادة شعب"" وفي حين ""إلك صوت"". بينما هذه الحملات ارتكزت على إظهار ميزة كل قائمة عن غريمتها، وهذا كُله في ظلّ غياب حملات ناجعة لرفع نسبة التّصويت بشكل عام في المجتمع العربي كما حصل في السّابق (باستثناء بعض المحاولات المتواضعة).
حملات رفع عتب
في عصر السّرعة الّذي نعيشه واتّساع رقعة المشاركة عبر شبكات التّواصل، أضحى تأثير اقتباس غير موفق لأحد المرشحين أو فيديو أرشيفي متداول، أو تصريح سياسي في حلقة بيتية- أكثر انتشارًا من فيلم قصير بإنتاج باهظ الثّمن والمهنية. لذا كان واضحًا اهتمام مديري الحملات في استراتيجيات الظّهور الإعلامي وعدمه، وشحن الجمهور من خلال الردود غير المباشرة في مواضع عديدة، الأمر الّذي جعل كثيرًا من مركّبات الحملات الإعلانيّة مجرّد ضرورة لا بُد منها ومنفعة تزيد من همة الكوادر في الحقل من خلال استغلال الميزانيات الحزبية.
وفي هذا السّياق يُذكر اعتماد القائمة الموحدة في تصريحاتها على استخدام مُسمى ""الجبهة وحلفائها"" في تصريحاتها وبياناتها، وبهذا محاولة إلى الاستناد للادعاء الأساسيّ لعدم الوحدة العربية وعلاقتها باختلاف التوجهات الاجتماعية والدّينية. بالمقابل الاستغلال الإعلامي من جهة المشتركة بزيادة الظهور (3 مركّبات حزبية)، والرّد السّريع بتحميل الموحدة كُل مسؤولية شق الوِحدة بسبب ""النّهج الجديد"".
التبسيط غلب الإنتاج الإبداعي
وفي ظلّ الإنهاك الطّبيعي للكوادر العاملة والجمهور لانتخابات رابعة خلال سنتين فقط، صعوبة التجديد وكثرة الضغوطات خلف الكواليس، حاولت الطواقم المهنية إخراج حملات تسويقية ترقى للتحدي. في مقارنة بين القائمتين العربيّتين لا بُدّ من الانتباه إلى الفرق الشّاسع بين استراتيجية كلّ من القائمة المشتركة والعربية الموحدة، خرجت ""المشتركة"" إلى الجمهور العربي بعناوين ورسائل عديدة (""على مين؟""، ""خلينا بالمهم"" وغيرها)، تستخدم فيها أفكارًا إبداعية وغير مباشرة- ارتكزت مرة أخرى على دور بنيامين نتنياهو ضد العرب وخططه في الدّمج مع الوجه العنصري لبن غفير. بالمقابل لم تُغيّر الموحدة من أسلوبها البسيط وغير المتكلّف في تذكير الجمهور بشعارها وأحرف بطاقة التصويت لها- دون رسائل إضافية إلّا بعض العناوين الهامشية.
وحينما كان يبدو للبعض أنَّ حملة المشتركة أبرزت رئيس الحكومة بحملة سلبية أكثر من دورها، استبدلت اللافتات بصور المرشحين الستة عشر(!) الأوائل كصور صغيرة كالتي نحملها في جوازات السّفر- تفسيرها الوحيد تدخل السياسييّن حتى بالتّصاميم وليس الاعتماد على الرّأي المهني، أما الموحدة- الحزب الوحيد في إسرائيل الّذي خاض سلسلة الانتخابات الحالية بثلاث تركيبات ومسميات مختلفة- لم يعتمد على الجانب البصري إلّا في بعض المناطق المحلية من خلال إبراز وجوه مرشّح أو اثنين من البلد ذاته- وهُنا يظهر استمرار الاعتماد على التّبسيط دون محاولة للتذاكي- وهنا يختلف تقييمها بين شُح الرّسائل واللعب على المضمون.
الأحزاب الصهيونية تخاطب بلهجتنا
ولا بُدّ التطرّق إلى التغيّر الجلي في هذه الجولة من الإعلانات الانتخابية المُوجّهة للمجتمع العربيّ من الأحزاب الصهيونية. فالبارز من خلالها حملة نتانياهو الّذي استعان بالمفاهيم المجتمعية لتحويل حملة حزبه إلى الشخصنة، من الليكود إلى ""أبو يائير"" باعتماد استخدام اللافتات الّتي أثارت موجات نشر مُكمّلة حتى حين انزالها أو المطالبة بعدم التعامل معها، كذلك كانت المحاولة من ""ييش عاتيد"" بإخراج حملة مخصّصة للمجتمع العربيّ تتحدث عن ""الشّراكة""، في حين حملات الجولة السّابقة كانت تحريضية بمن ينفي ""المشتركة"" أكثر.
الأحزاب الّتي تحمل التّمثيل العربيّ كانت متفاوتة، بين حزب العمل الّذي غاب كليًّا عن الصّوت العربي وأخفى مرشحته العربية، وبين حزب ميرتس الّذي اعتمد طاقمًا عربيًا بعيدًا عن التّرجمات، وحاول الوصول إلى الجمهور العربي من خلال شعار ""ميرتس قدها""، سرعان ما اندمج مع الاستراتيجية العامة للحزب بالاستجداء لإنقاذ سقوطه في اللحظات الأخيرة.
على وين الكامبين مودينا؟
الحملات الانتخابية في نسختها الأخيرة تحمل الكثير من العِبر، يطول الحديث عنها وتضيق المساحة. والعديد مما وجب التوقّف عنده كقِلة التّجديد في جانب الدّيجيتال وفاعلية الحملات عبر شبكات التّواصل خاصة في عام الكورونا (محاولات مميزة لاستغلال المجموعات من قبل الموحدة)، ونشاط الأحزاب المتكرّر في النشرات المطبوعة وقلة نجاعتها والفاعليّة التّسويقية خلال يوم الانتخابات (شعار عملي من قبل المشتركة ""القوة بإيدينا"")، وغيرها من الخطوات الهامة في استراتيجيات الأحزاب.
إلى أنّ النقطة الأهم بنظري أنَّ هذه الحملات بنجاحاتها وإخفاقاتها- لم تساهم في رأبَ الصّدعَ المجتمعي النّاجم عن التغيّرات السّياسية وأثر المناكفات على واقع الناس وهمتهم اليومية. فاللافتات في الشّوارع ستتبدّل، والمنشورات عبر فيسبوك وتيك توك ستنتقل إلى الأرشيف، وكذلك بلايز الأحزاب ستذهب إلى سلة الغسيل- أما الاستقطاب المجتمعي وحتى النّزاعات العائلية والقبلية الّتي عزّزتها هذه الجولة- فهي باقية بطريقة أو بأخرى. فلربما حان الوقت بأن تبدأ حملة مصالحة لهذه القوائم مع الجمهور العربيّ وبناء الأمل من جديد، وهذا أثمن من تعزيز الخوف والأحقاد، فهل من ""كامبين"" تكملة؟