قراءة بأثر رجعيّ في مقدمات ونتائج انتخابات الكنيست ال 24

نذكر جيدًّا أنَّ واحدة من ذُرَى الخلافات الّتي انفجرت داخل القائمة المشتركة، الخلاف حول مسألة حلّ الكنيست ال 23، والقرار بتقديم الانتخابات البرلمانية.

كان موقف القائمة الموحدة مخالفًا للنهج التّقليدي الّذي كان متبعًا في أروقة السّياسة العربيّة، وهو الانحياز التّلقائي لأي مشروع لحلّ الكنيست بغض النّظر عمَّن يقف على رأس الحكومة أو الأسباب الموضوعية وراء القرار.

طرح نواب القائمة العربيّة الموحدة في أكثر من اجتماع للمشتركة وجهة نظر مغايرة لهذا التّقليد المتعارف عليه، وقدمت قراءة موضوعيّة لما يمكن أن يترتب على قرارٍ كهذا من نتائجَ كارثيةٍ بالنسبةِ للمجتمع العربيّ.

مع الأسف! انحازت الأحزاب الثلاثة: الجبهة والتّجمع والتّغيير للتقليد السّائد، بينما سمحت القائمة الموحدة لنفسها أن تخرج بقرار وسطي لم تدعم بناءً عليه مشروع القرار بحلّ الكنيست من جهة، ولم تصوت ضده من جهة ثانية وفضلت الامتناع عن التّصويت، وبهذا مرَّ المشروع بالقراءات الثلاث وانتهى الأمر إلى تحديد انتخابات جديدة جرت بتاريخ 23.3.2021 كما هو معروف.

انكشف غبار المعركة الانتخابية للكنيست ال 24 على نتائج تعتبر (زلزلة) سياسيّة تستحق أن نتوقف عندها مليًا، دفعتني إلى تناولها بأثرٍ رجعي من خلال السّؤال: ماذا حمل لنا إصرار ثلاثيّة المشتركة على التّصويت على حلّ الكنيست؟ هل كان قرارهم صحيحًا سياسيًا وموضوعيًا؟ لو عاد الزّمان بهم إلى الوراء هل كانوا سيتخذون نفس القرار؟

أسئلة اعتقد أنَّ الإجابة الشّجاعة عنها من ثلاثيّة المشتركة يمكن أن تفتح الباب لبناء وحدة في المستقبل على أسسٍ جديدة وقراءة سياسيّة أكثر عمقًا وبراغماتية، وأقوى التصاقًا بحقائقَ الأشياءِ وجوهرها بعيدًا عن ظواهرها وأوسع استجابة لمصالح الشّعب، وابتعادًا عن دغدغة العواطف وشعبوية الخطاب.

للإجابة عن هذه الأسئلة نؤكد على أنَّ القراءة الموضوعية لقرار ثلاثية المشتركة، الانحياز إلى مشروع حلّ الكنيست كان خطأً بلا شك، انطلقت الثًلاثية في دعمه من ""البطن"" لا من ""العقل""، لما ترتب عليه من أضرار سآتي على الإشارة إليها لاحقًا، وهي ذات الأضرار الّتي أشار إلى بعضها نواب ""الموحدة"" في اجتماع المشتركة قبل جلسة الكنيست الحاسمة.

ما هي الأضرار الّتي ترتبت على القرار بحلِّ الكنيست ال 23 وتقديم الانتخابات البرلمانية الّتي جرت بتاريخ 23.3.2021، والّتي توقعها نواب الحركة الإسلاميّة، وتجاهلها نواب ثلاثيّة المشتركة(الجبهة والتّجمع والعربيّة للتغيير)؟

أولًا: أدخل القرار الفاشي (ايتمار بن غفير) إلى الكنيست بعد أن كان منبوذًا حتى من أحزاب اليمين المتطرف، فأعطى القرار بذلك شرعية ""للكهانية"" بشكل لم يتوقعه ربما ""بن غفير"" نفسه، وسمح لها بالدخول للحياة السّياسيّة من الباب الأمامي بعدما لم تنجح في الدّخول سابقًا حتى من الباب الخلفي.

ثانيًا: أقحم القرار المجتمع العربيّ في أزمة سياسيّة وانقسام خطير، عملنا نحن في الحركة الإسلاميّة على تجنبه ما أوتينا إلى ذلك سبيلًا، وأصرت عليه الجبهة والحزب الشّيوعي أساسًا، الأمر الّذي انعكس سلبيًا على نسب التّصويت الّتي انخفضت إلى درجات، تسببت بزلزال سياسيّ لثلاثيّة المشتركة والعمل السّياسي الوحدوي.

ثالثًا: أدى القرار بحلّ الكنيست إلى انخفاض التّمثيل العربيّ في الكنيست من 15 عضوًا في انتخابات 3.2020، إلى عشرة أعضاء على الأكثر في هذه الانتخابات من خلال قائمتين: القائمة العربية الموحدة 4 أعضاء، والمشتركة الثّلاثية (انضم إليها حزب معًا) 6 أعضاء... هذا الواقع الجديد سيضعف حتمًا الأداء البرلمانيّ من حيث حصّص الكتل البرلمانية للحزبين في هيئات الكنيست المختلفة وعلى رأسها حصتها من اللّجان وغيرها، ووحدة العمل السّياسي تجاه الدّاخل والخارج.

رابعًا: لم يغيّر القرار شيئًا في الخريطة السّياسيّة الإسرائيلية الّتي ظلت السّيطرة فيها لليمين سواء في الائتلاف الحكومي أو المعارضة، الأمر الّذي لا يبشر إلّا بواحدة من اثنتين: الأولى، أن ينجح نتنياهو في إقامة حكومة يمينيّة- فاشية صرفة بدل حكومة الرّأسين السّابقة الّتي كانت فيها من العوامل والفرامل ما كان في صالح المجتمع العربيّ ولو بشكلٍ محدود، وكذا في صالح القضيّة الفلسطينيّة (رفض حزب كحول لافان/ غانتس عملية ضم الأغوار حسب صفقة القرن)... الثانية: العودة إلى انتخابات خامسة الّتي لا يمكن التنبؤ بنتائجها إذا ظلت أوضاع الأحزاب على النحو الحالي خصوصًا وإنَّ الخلافات بدأت تعصف بثلاثيّة المشتركة على ضوء النتائج (3 الجبهة، 2 العربية للتغيير، 1 التّجمع الوطني).

خامسًا: تسبب قرار تقديم الانتخابات في تأخير المصادقة على عددٍ من المشروعات الّتي سعت المشتركة إلى فرضها على حكومة الرّأسين مستغلة التّناقضات الّتي فيها، والّتي كانت على وشك المصادقة عليها في الحكومة، من أهمها: 1. خطة مكافحة العنف 2. الاعتراف بعدد من القرى غير المعترف بها 3. إزالة العوائق أمام انطلاق مشروع التّنظيم والبناء ووقف الهدم في المجتمع العربي 4. المصادقة على خطة تطوير شاملة للمجتمع العربي تعالج نسب الفقر والبطالة، الخ.

سادسًا: سيتسبب القرار ونتائجه بتراجع قدرة وتأثير المجتمع العربي من حيث تعامله مع الحكومة من خلال جسم سياسي واحد، والتّعاطي مع الدّول والمؤسسات في العالم كقوة واحدة تمثل مجتمع متماسكًا لا فتات مجتمع، وهي أمور ستؤثر سلبيًا على قدرة مجتمعنا وممثليه على الإنجاز.

لو سألنا نواب ثلاثيّة المشتركة اليوم عن رأيهم فيما تقدم، وإنْ كانوا ندموا على قرارهم السّابق بحلّ الكنيست على ضوء النّتائج الّتي ذكرت، فماذا سيكون جوابهم يا ترى؟

اعتقد أنهم إن حكّموا العقل والموضوعيّة بعيدًا عن ""العناد"" و ""العزة بالإثم"" و ""الاستكبار""، سيكون جوابهم الاتفاق الكامل مع هذه القراءة، وهو جواب إن جاء على هذا الوجه سيساهم نفسيًا وموضوعيًا حتمًا في بناء مستقبل يعيد الأمل إلى العمل السّياسي من جديد، كما وسيعيد ثقة النّاخب في ممثليه مرة أخرى، وربما وحدة عربيّة شاملة على أسس جديدة.

أما إن جاء جوابهم رافضّا لهذه القراءة استجابة لعنادٍ أو استكبار، فاعتقد أنَّ أوضاع ثلاثيّة المشتركة ستؤول إلى مزيد من التأزم والوحدة العربيّة إلى مزيد من الشرذمة، والتّأثير العربيّ إلى مزيد من الضعف... سيكون لكلّ ذلك أثره السّلبي جدًّا على مستقبل المجتمع العربيّ في إسرائيل برمته، مما سيزيد نسب الإحباط والعزوف، وهو أمر لا يمكن لعاقل القبول به.

لم أتطرق إلى أثر القرار بتقديم الانتخابات على مجمل القضيّة الفلسطينيّة وفرص انطلاق عملية من أي نوع يمكن أن تعيد الحياة إلى ملفٍ يعاني من الموت السّريري، لسبب بسيط... إنَّ أية حكومة سابقة أو لاحقة لن يكون في أولياتها قضيّة فلسطين ولا القضيّة الفلسطينيّة، اّلتي لا منقذ لها بعد الله إلّا الوحدة الوطنيّة الفلسطينيّة الفوريّة، وعملية تحرّر شاملة لأمة العرب من بعض أنظمتها المستبدة والمهرولة في اتجاه إسرائيل، الأمر الّذي يمكن أنْ يفتح بابًا للأمل في تحرك جدّي يوقف إسرائيل عند حدها، وينقذ فلسطين من الاحتلال الصّهيوني الغاشم.

إبراهيم عبدالله صرصور

الرئيس السابق للحركة الإسلامية - الشق الجنوبي، في الداخل الفلسطيني

شاركونا رأيكن.م