بدائل - همسة لزميلتي المعلمة وزميلي المعلم

في بدايةِ الأمر، أثناء حضوركم أمام الطلبة، في الصفّ وتبدأ الحصّة، فمن بين منظومة التربية والتعليم الهرمية الضخمة، أنتَ وحدك مع الطلبة والأكثر صلةً، أنت الأكثر قرباً منهم، أنت صاحب الفرصة الأكبر للتأثير العميق. صحيح أنّك لست وحدك في دائرة اهتمامات الطلبة، ولن تكون في أولويّات الطالب، إذ أمامك منافسين جذّابين لعوالم الطالب يشدون انتباههِ واهتمامهِ ألا وهم "الأصدقاء" والشاشات.

المحيط الاجتماعيّ تزداد فيه الصعوبات والتحديّات أمام الطلبة والمؤسسة التربويّة عمومًا؛ قتل متزايد، تردّي الاقتصاد، انهيار التماسك العائلي، خصوصيات وعهود تنتهك، عنصرية، محتويات اعلامية هابطة، مناهج دراسية منفصلة عن الواقع ومتطلّبات الحياة. ثمّ أن غياب دور الأهل في حياةِ العديد من الطلاب هو المهمّة الصعبة، تقديس الشاشات لدى غالبية الطلبة، وغير ذلك. رغمًا عن ذلك أثبتت الكثير من التجارب أنه في حالة وجود بدائل ملائمة ومستمرّة تعزز الشعور بالأمان عند الطلبة، وتخلق بدورها قيمةً وانتماء وثقةً. تقع على مسؤوليّة المؤسسات خلق بدائل دائمة وواسعة ويتطلّب الكثير من العمل الجادّ والموارد، ولكن هنالك بدائل يستطيع كل معلم ومعلمة تحقيقها لإحداث تطوير وتغيير لدى الطلبة في مستويات قدرتهم كجزء أساسيّ في مؤسسة التربية والتعليم.

أودّ أن أشارككم في مجموعةٍ من الأفكار التي اعتدتُ على تمريرها أثناء تدريبات عديدة للمعلمين وطلبة التربية والتعليم:

  • أولًا، لا شيء أقوى من الإيمان: الإيمان أقوى ما يمكن أن يصلح الإنسان والمجتمع، فما أجمل أن تذكر آية أو حديث تشجع بها على سلوك أو تردع سوء، أو تذكر حدث أو قصة ندمجها بشكل مباشر أو غير مباشر أثناء التدريس.

  • ثانيًا، أعمل\ي ما باستطاعتك: المهمّ أنك تبذل جهدك، تُحّضر تتهيأ وتوسع آفاقك، لتجد أفضل الطرق للتأثير على الطالب، فلا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها.

  • ثالثًا، مسؤوليتك السيرورة وليس النتيجة: عليك الاهتمام بالطريق والطريقة، فالبعض سيصلُ إلى نهايةِ الطريق وآخرون ينهون المسار في منتصف الطريق، وهكذا. ليست مهمّتك إيصالهم إلى خطّ النهاية، بل إعداد مسار وطريق ليسيروا عليهِ جميعًا. 

  • رابعًا، أنت مصمّم\ة تعليمك: ركّز على تصميم سيرورة الدرس والموضوع، فالمحتويات متوفرة وبكثرة، لكن انتقاءها وتذويتها في عالم الطالب هي المهمّة الحقيقية في التعليم.

  • خامسًا، إزرع\ي بذور متنوعة: بعض البذور ستجد لها أرض خصبة في نفوس بعض الطلاب وستنمو معهم، علمهم العناية بها. أما ثمارها فليست بمسؤوليتك. مثالًا على ذلك المعاملة اللطيفة، الإصغاء العميق، الاحتواء وغضّ الطرف عن بعض الصغائر مهمة لخلقِ أجواء آمنة ومحفزة، وبالتوازي لا بدّ من توضيح الحدود والحزم في الالتزام بها، لنربي على الحرية بمسؤولية. والأهم من زرع قيمة العدل بينَ الطلبة خلال العلامات والاختبارات والمشاركة في البرامج والفعاليّات.

  • سادسًا، تعلم\ي كل يوم شيئًا جديدًا: العلم والمعرفة لا نهاية لها، والتغيرات تزداد بسرعةٍ كبيرة، لتبقى معلمًا متجددًا بعلمهِ وقدراته. تعلّم من موقعٍ موثوق، فيديو يوتيوب مُثري، قراءة كتاب، بودكاست ثقافي، محاضرة مفيدة، دورات متنوعة، والقائمة طويلة. كل ذلك يثري عالمك فتثري عوالم الطلبة. 

  • سابعًا، صمّم\ي درسك كدرس حياة متقن: بغض النظر إن كان درس في اللغة أو مسألة رياضية أو ظاهرة طبيعية، كلّها علوم مترابطة، ويمكن ربطها مع حياتنا - حاضرنا، ماضينا أو مستقبلنا. القليل من التفكير الابداعي ستجد آلاف الطرق في كيفية تحويل المنهاج الرسمي إلى منهاج ذو معنى لحياة الطالب، صممه بإتقان وجودة. ثمّ أن الطلبة يحبّون التفاعل والمشاركة، صمّم درسك مسبقًا بطريقة ينشط بها الطالب ويتفاعل مع المحتوى، مع الزملاء، مع التكنولوجيا أو بدونها، بل ليتفاعل الطالب مع نفسه ومع أفكاره، كي يتغلّب على قوّة الشاشات، مع كل أهمية التكنولوجيا في التعليم والحياة، فمن الضروريّ أن تكون ساعات بلا شاشات، لتتحرر عقولهم وتخرج ما في أعماقها. ثمّ فلتكن بعض الاختبارات هي مشاريع جماعيّة، مما يساهم الإبداع والتفاعل.

  • ثامنًا، اقلب\ي المفهوم ليصبح الموضوع هو الوسيلة، وتطوير القدرات هو الهدف؛ لتكن المهارة اللغوية وسيلة لتطوير طرق التواصل والتعبير، ولتكن المسائل العلمية وسيلة لتطوير التفكير التحليلي وايجاد حلول، ولتكن القراءة وسيلة لغرس القيم والتفكير ناقد. ليكن في كلّ درس هدف في تطوير مهارة، أو تذويت قيمة جنبًا إلى جنب مع الأهداف التعليمية للموضوع المحدّد. ثمّ عليكَ في التركيز على الموضوع ولا يوجد حاجة لكثرة المعلومات، فبدلًا من قطعةِ قراءة في اليوم لتكن أسبوعيّة، ولكن مع تحليل عميق، كتابة آراء، نقاشات، بناء عروض، إنتاج بديل، وهذا يساهم في توسيع آفاق الطالب.

  • تاسعًا، تنمية القدرات والقيم: تطوير القدرات يلازمها العناية في القيم، المعرفة، الوعي، المهارة، والسلوك لتكون القدرة شاملة تنبع من داخل الإنسان وتنعكس في سلوكهِ بشكلٍ طبيعي. على سبيل المثال قم في تخطيط نشاطات بالتعاون مع مؤسسات، شخصيّات، الأشجار والطبيعة ومع كل ما يتواجد في الحي والبلدة. إذ أن خطىً صغيرة هي تعكس قيمًا عند الطلبة مثلًا إرجاع الكرسي مكانه، جمع القمامة، مساعدة طالب مريض. الأنظار موجهة الى أفعالك قبل أقوالك، فانتبه كيف تتعامل مع المواقف، الطلبة أذكياء ويقرؤون ما وراء الكلمات.

  • عاشرًا استثمر\ي التكنولوجيا لمساعدتك: لا شيء يمكن أن يستبدل المعلم، لكن هناك الكثير من التكنولوجيا التي يمكن أن تستبدل بعض المهام التي تقوم بها، استثمر التكنولوجيا لتزويدك بالمعلومات، لتصمّم لك بعض الفيديوهات، تحفظ لك سيرورة التعلم للطلبة، تعطيك أفكار لتصميم درسك وتحضير نشاطات التعلّم، كن مدركًا أن التكنولوجيا لن تستطيع استبدالك إلا أنها أداةً مساعدة. وظف الذكاء الاصطناعي لتطوير الذكاء الطبيعي: حول النشاطات التعليمية الى متناغمة مع التطورات، فالهدف ليس أن يُسلم الطالب موضوع انشاء أو حل لمسألة رياضيات، إنما الهدف أن يدرب الطالب فكرة فعليّا، أن يمر بتجارب ويتعمق بها ويستنتج، أن يصبر وأن يجد حلول لمشاكله. فبدلا من أن يسلم الطالب موضوع إنشاء كتبه من خلال "تشات جي بي تي"، ليكتب في الصف ويتحاور مع زملائه ويستثمر الذكاء الاصطناعي ليجد له الأخطاء الإملائية والنحوية، ليأخذ أفكارًا من الذكاء الاصطناعي ويقيمها، وغيرها الكثير من الإمكانيات.

لا بد من إعادة الروح إلى مهنة المعلم، ليعد مرشدًا في مسارات الحياة المختلفة، متمكنًا ومتقنًا لمهنتهِ، وأن يكون صاحب رؤية ملتزم بمسؤوليّتهِ في تطوير قدراته وقدرات الطلبة.

أرجو لكِ زميلتي المعلمة، زميلي المعلم، عاما دراسيا ناجحًا، والنجاح بمفهومي هو أن تعمل كل ما بوسعك لتطوير نفسك، ومن هم تحت مسؤوليتك، ومحيطك، بنفسٍ مؤمنة ومطمئنة.

د. أسماء نادر غنايم

محاضرة وباحثة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومؤسسة ومديرة في مركز InnDigital - للتطوير التكنولوجي في المجتمع والتربية. [email protected]

 

 

رأيك يهمنا