نصائح حول التعليم العالي وخيارات شبابنا
"فتاة شابة بعمر الخامسة والعشرين، ستبدأ بالسنة الدراسية القريبة دراسة إخراج وسينما بمعهد جامعي معروف. اختارت الفتاة هذا المجال بعد أن درست ثلاث سنوات في موضوع الهندسة. قالت عندما فهمت أنني لست سعيدة باختياري وإني لن أستطيع أن أعمل بهذا المجال، استمريت سنة كاملة فقط كي لا أخيب أمل أهلي ومحيطي، واحتجت لمرافقة بعلاج نفسي كي أستطيع اتخاذ هذه الخطوة، واختيار الموضوع الأحب على قلبي رغم معارضة والدي ومحيطي.. اما فتاة أخرى، بعد أن أنهت لقب أول بعلم النفس، وسنة أولى باللقب الثاني بعلم النفس العلاجي، اكتشفت انها تريد أن تكون طبيبة، واليوم هي مختصة بطب القلب ولها اسم لامع بالمجال".
من الغرفة العلاجية
لا شك أن شبابنا العربي بالداخل الفلسطيني يعاني من تحديات كبيرة، والتي قد تبدأ عند دخوله المرحلة الثانوية، فحينها قد يبدأ أو يستمر بالتفكير بخطواته القادمة نحو المستقبل، اذ أن هناك من هم مشغولون بمستقبلهم منذ نعومة أظافرهم. طبعا كوننا نتبع لمجموعة الأقلية، يقوم معظم الأهل بحثّ أبنائهم على التفكير بالمستقبل، والتوجّه للتعليم العالي لضمان سبل العيش المحترم بدولة ينقص فيها العديد من الفرص أمام الأقليات. لذلك، نجد أن العديد من الشباب والشابات يعانون من الضغوطات النفسية بالمرحلة الثانوية، وجزء منهم ينشغل بفترة الاعدادية باختيار مجال تخصّص للمرحلة الثانوية، مما يسهل امكانية قبولهم لمجال التخصص بالتعليم الجامعي.
اليوم، نرى أيضا أن عددا ليس بقليل من الطلاب يقبلون لدراسة امتحان "البسيخومتري" الذي يؤهلهم للقبول للكليات والجامعات المختلفة، منذ بدء المرحلة الثانوية، إذ أن هذه المرحلة يبدأ الطالب فيها بالتأرجح ما بين مجالات اهتمامه وما بين توقعات الوالدين والمجتمع، بالذات لدى الطلاب الذين لديهم قدرات تعليمية جيدة وعلامات عالية. اذ يتوقع من هؤلاء الطلاب توجيه اهتمامهم للدراسات العليا للمواضيع المطلوبة وذات القدر المرتفع، كالطب والهندسة، دون الأخذ بعين الاعتبار اهتمامات الطالب وميوله.
في هذه المرحلة قد يعاني معظم الطلاب من نقص بالثقة بالنفس، من صعوبة بأخذ قرار، ومن عدم التيقن بشأن الاختيار المناسب، وكما ذكرت سابقا، قد يحث الوالدين أبنائهم على الدخول للكليات والجامعات بأسرع وقت ممكن، وذلك لعدم تضييع الوقت ولمساعدة ابنائهم بالانخراط بمهمات الحياة والدخول لعالم البالغين. بعد أن يتم اختيار موضوع التعليم، واختيار المعهد العالي وقبول الطالب، يبدأ التحدي الحقيقي.
أول عقبة قد تواجه الطالب العربي هو التعلم باللغة العبرية أو اللغة الاجنبية في حال اختار التعلم بخارج البلاد.
ثانيا، قد يواجه الطالب تحديات بالتأقلم مع المحيط الجديد والواسع، فمعظم طلابنا يأتون من قرى عربية صغيرة، تحكمها عاداتها وتقاليدها المتحفظة نوعا ما، الى مدن كبيرة وجامعات تحوي طلاب من جميع شرائح المجتمع، والذين قد يكون لديهم عادات وتقاليد مختلفة ومنفتحة أكثر. عادة، هذه التحديات قد تسبب زعزعة نفسية ولخبطة كبيرة بالعالم الداخلي لدى الطالب. ذلك بالإضافة الى أن قسم من الطلاب قد يكتشفون أن المجال الذي اختاروه يختلف كليا بالحقيقة عما اعتقدوا انهم اختاروا، ولذلك نرى أن نسبة ليست بقليلة من الطلاب تقوم بتغيير مجال التعليم بالسنة الثانية، وقسم آخر يقوم بدراسة لقب أول اخر بعد انهاء كامل اللقب الأول.
لذلك، نصيحتي لجميع الطلاب المقبلين على التعليم العالي ولوالديهم، التأني والصبر، واعطاء الطلاب الفرصة والوقت لتقرير مجال الاهتمام. بعد اختيار مجال الاهتمام، التوجه لأشخاص قد تخرجوا وسؤالهم عن فرص العمل، وعن مجال العمل، وهل هناك تقارب بين اعتقاد الطالب وبين مجال العمل الحقيقي. كما أنني أنصح الطلاب بالتوجه لأخصائي نفسي مختص بالإرشاد المهني (عالم نفس مهنيّ) بعد اجراء فحوصات معينة بهدف الملائمة بين قدرات الشخص وشخصيته وخياراته المهنية. هدف الفحص والارشاد هو زيادة وعي الشخص لقدراته، مهاراته، صعوباته، وميوله لمجالات العمل المختلفة.
أما إذا كنتم قد بدأتم بالتعليم العالي وتشعرون بالندم، فنصيحتي لكم هي التوقف، واعادة فحص مجالات الاهتمام، والتذكر انه عند بداية مسيرتكم المهنيّة، لن يكون هناك فرق كبيرًا بين بدء العمل بعمر 30 ومن بدأ العمل مبكرا بعمر 25. اتبعوا حدسكم، ولا تحكموا على أنفسكم بالاستمرار لمدى الحياة بمهنة اخترتموها عندما كنتم بعمر الثامنة عشر، إذ أن امكانية تغيير المهنة ومجال العمل واردة في كلّ جيل، حتى بعمر الخمسين. وطبعا إذا كان لديكم تخبطات أخرى والتي قد تواجهكم أثناء مرحلة التعليم، بإمكانكم التوجه لعلاج نفسي بسعر مخفض داخل إطار المعهد الدراسي أو عن طريق صناديق المرضى.