أن تكون وطنيّا و"درزيّا" في إسرائيل!

الحالة العربيّة الفلسطينيّة في إسرائيل وبكل جوانبها هي حالة خاصّة بكل المعايير و-"العربيّة الدرزيّة" أحدُ أوجه هذه الحالة وربّما أعوصُها. الصهيونيّة وقبل النكبة تعاملت مع الفلسطينيين كتجمّع أقليّات عرقية وطائفيّة ومذهبية، ولك في وثائق قسم التوجيه في المنظمة الصهيونية من العام 1920، ووثائق رئيس اللجنة الوطنيّة في المنظمة، الرئيس الثاني لدولة إسرائيل لاحقا، يتسحاك بن تسفي من العام 1930، بيّنات.

بعد قيام إسرائيل رأت مؤسساتها كما نعرف، فيمن بقي من الفلسطينيين بعد النكبة مجموع أقليّات، ومارست عليهم سياسة خاصة من هذا المنطلق إبعادا ل-"شرّ" الاعتراف بهم كأقليّة قوميّة ولكل ما يحمل مثل هذا الاعتراف من التزامات واستحقاقات عليها ولهم.

على هذه الخلفيّة صار "العرب الدروز" في إسرائيل وما زالوا ورغما عنهم حالة خاصة في المشهد "العربي الإسرائيلي" وأولى ضحايا هذا النهج، وإن كان من بين ظهرانيهم من ساهم بذلك عن طيب خاطر. برزوا في المشهد عام 1956 حين رُفع عنهم وعن الشراكسة الإعفاء العام لكل العرب من الخدمة الإجباريّة طبقا لقانون الخدمة الإجباريّة من عام 1951، ليصير شبابهم والشباب الشراكسة ملزمين بالخدمة العسكريّة الإجباريّة بقوّة القانون خلافا لبقيّة الأعراق و"الطوائف" العربية الذي ظلّ الإعفاء، إلا التطوعيّ، سارياً عليهم وحتى أيامنا.

صار العرب الدروز وظلّوا على ضوء ذلك كمجموع، خارج الصيرورة الوطنيّة الفلسطينيّة البقائيّة المتشكلة مع الأيام، وليس فقط من باب سياسة المؤسسة وأزلامها، وإنما من باب نظرة بقيّة أبناء شعبهم المتبقي التي لم تدرك بداية هذا الوضع "غير مُلامَة"، ولاحقا لم تُعِر قياداتها هذا الوضع "الخاصّ" الاهتمام المطلوب و-"مُلامَة"، وعلى الأقل من باب دورها في الحفاظ على الجسم الفلسطينيّ الباقي متكاملا بكل أطيافه وبالصغير عددا وعدة وقبل الكبير.         

العُروبيّون الدروز وبطبيعة الحال رأوا أنفسهم جزءً من الصيرورة الوطنيّة الفلسطينيّة ومن داخلها خاضوا النضال ضدّ المؤسسة، كذلك ضد ما يواجهُه الدروز بشكل خاص وكجزءٍ مما يواجهُه أبناء شعبهم من سياسة عنصريّة. لاحقا وعلى ضوء "الخصوصيّة" السلطويّة في التعامل، رأى هؤلاء ورأت القوى الوطنيّة العربيّة الفاعلة ضرورة في إطلاق أطرٍ خاصّة وطنيّة كجزء من الحركة الوطنيّة للتعامل ومواجهة القضيّة "الخاصّة"؛ التجنيد الإجباري وإسقاطاتها، ك"الشباب الدروز الأحرار" في الستينيّات من القرن الماضي و"لجنة المبادرة الدرزيّة" في السبعينيّات و"ميثاق الأحرار العرب الدروز (المعروفيّون)" في التسعينيّات مولودا من رحم المبادرة، ولاقت هذه الأطر تفهّمًا ودعمًا كبيرين من تيارات الحركة الوطنيّة في مراحل صيرورتها المختلفة، وهذا كان الأمر الطبيعيّ، كون هذه الأطر الخاصّة أولا وقبل كل شيء فصائل من فصائل الحركة الوطنيّة.

الأمر غير الطبيعي هو التوجّه الذي حصل مؤخرا في التعامل مع هذه الأطر، وندّعي أنه حصل على ضوء "الرفاه" الذي حلّ بالحركة الوطنيّة الفلسطينيّة في الداخل في العقود الأخيرة وبعد أن صار العمل الوطنيّ غير مدفوع الثمن؛ لا إقامات جبريّة ولا فصل من العمل ولا...ولا...فكثر بين ظهرانيها "وطنيّو الرفاه" وبتأثير مثل هؤلاء، أولا، حصل التغيير في التوجه لتصير هذه الأطر "حِملا" على الحركة الوطنيّة ويتم التعامل معها ليس كجزءٍ وبما تمثّل من قضايا وإنما بما تمثّل من أعداد تذهب إلى صناديق الاقتراع في الانتخابات البرلمانيّة لهذه الحركة أو تلك، وبالتالي يصير رموزها ليس رموزا وطنيّة فلسطينيّة عليهم ما على هذه الرموز ولهم مثل ما لهذه الرموز واعتمادا على رصيدهم الوطنيّ، وإنما رموزا وطنيّة ولكن "درزيّة" مكانتها في سلّم القيادة، وقد صارت الأحزاب هي رمز حركتنا الوطنيّة وقيادتها، تنبع من قدرة هذه الرموز على تجنيد الأصوات "الدرزيّة"، مرّة تحت شعار تشكيل القيادة لتعكس شكل "الوجه الحقيقي لشرائح شعبنا" ومرّة تحت شعار "قدرتها على وقوتها في منابع الأصوات" وفي حيّزها، وما شابه.

علما أن المؤسسة وأزلامها في "الحيّز الخاص-الدروز" رأوا بهذه الأطر وقياداتها خطرا لم يألُوا جهدا في التضييق عليهم، فالأزلام لم يتركوا وسيلة في التحريض وحتى استعمال العنف، والمؤسسة وعلى سبيل المثال وبعد أن صار الفصل الانتقاميّ من العمل لأسباب "الوطنيّة" محدودا، ما زالت تمارس هذا الإجراء وما زال من نصيب أعضاء الحركات الوطنيّة "الدرزيّة" ومن نصيب أبنائهم رافضي الخدمة الإجباريّة خريجي السجون العسكريّة أو المصحّات "العقليّة". وكلّما نجحت هذه الأطر في تثبيت الهويّة وفي إعادة ما انقطع من أواصر التواصل مع أبناء شعبها وأمتها استشرست المؤسسة بالملاحقة بالاعتقالات والتحقيقات والمحاكمات.    

وعلى ضوء هذا ورغم هذا، هل تستطيع أن تكون وطنيّا و-"درزيّا" في الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة "في إسرائيل" وإن كنت تسخّر جلّ جهدك في إصلاح ما عطب في بعض زوايا البيت الفلسطينيّ (الزاوية الدرزيّة) وحيدا دون ظهير؟!

أن تكون وطنيًّا فلسطينيّاً ولأنك ابن لهذا الشعب وقوميّا أو عروبيّا لأنك ابن لهذه الأمة فهذا واجبك وأنت لستَ بحاجة لإذن من أحد اللهم إلا من انتمائك وليس العرقيّ وإنما الهموميّ وبغض النظر إن كنت ابنا بحكم الولادة لهذه الطائفة أو تلك أو لهذا المذهب أو ذاك أو لهذه الشريحة أو تلك، ولستِ بحاجة لشهادة من أحد وكم بالحري إذا كان هذا الأحد يرى الوطنيّة من باب انتمائك لإطاره الحزبيّ "الإسرائيليّ" تسجيلا وتمويلا وبضمنها راتبه الاحترافيّ، ويرى بإطاره الحزبيّ هذا وكأنه قمّة الوطنيّة والعمل الوطنيّ وكلّ ما عدا ذلك أو خارج ذلك فهو كفر بالوطنيّة.

تستطيع أن تكون وطنيّا فلسطينيّا في إسرائيل ابناً لحركة وطنيّة وليس بالضرورة حزبيّة، ولو كانت موسومة فئويّا أو إقليميّا إن حتّمت ذلك ضرورات موضوعيّة لحمل جزء من الهمّ الوطنيّ تعاني منه شريحة أو منطقة دون غيرهما في البيت الوطنيّ المشترك كما التجنيد الإجباري في سياقنا. تستطيع ذلك وبغض النظر إن رآك "ابن المؤسسة" خطرا أو رآك "ابن الحركة الوطنيّة" حِملا، اللهم فليكفك بعض أبناء الحركة الوطنيّة شرّهم!

همُّك يا "ابن المبادرة" ويا "ابن الميثاق" همّان ولأنك عربي فلسطيني أولا... و"الحامل يْحَطِّطْ حِملُه" ومن الجانبين، وفي يدك كبّ هذا الحمل في المكان المناسب.

ومثلما لم ترضَ أن تكون "درزيا" في المعسكر الأول فلا ترض أن تكون "درزيا" في المعسكر الثاني!


 * هذا المقال مستمد من كتاب "العرب الدروز 48 وحجارة الرحى" للكاتب سعيد نفّاع الذي صدر مؤخّرا.

* كما أن استعمال الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected].

سعيد نفّاع

  • محام وكاتب وسياسي.

  • مواليد الأول من نيسان 1953م في قرية بيت جن في حضن الجرمق أعلى جبال بلادنا، لأب فلسطينيّ، وأمّ سوريّة لجأت إلى فلسطين طفلة بعد أن ارتقى والدها في الثورة العربيّة السوريّة الكبرى عام 1925م.

  • قومي عربي - الأمين العام للحركة الوطنيّة للتواصل في ال-48 (1968-1998م الحزب الشيوعي (عضو هيئة مركزيّة) \ 1998- 2000م حركة الوحدويّين الوطنيّين (مركّز) \ 2000- 2009م التجمّع الوطني الديموقراطي (رئيس المجلس العام وعضو المكتب السياسي).

  • محامٍ خرّيج جامعة تل أبيب 1983م

  • رئيس مجلس محلّي بلدته 93-1992م.

  • نائب برلمان 13-2007، قائمة التجمّع الوطني الديموقراطيّ.

  • الأمين العام ل-"الاتحاد القطري للأدباء الفلسطينيّين- الكرمل" منذ العام 2014م ورئيس تحرير مجلّة الاتحاد "شذى الكرمل".

  • أمين عام "الحركة الوطنيّة للتواصل" والمحرر التنفيذي لفصليّتها "التواصل".

  • الأمين العام للاتّحاد العام للأدباء الفلسطينيّين- الكرمل 48 (الاتّحاد الموحّد من اتّحادي؛ الكرمل وال-48 سابقًا)، منذ الوحدة 09 شباط 2019م

  • أسير سياسيّ محرّر!    

  • مع القلم: 23 مؤلّف في الرواية والقصّة القصيرة والدراسة التاريخيّة والمقالة الفكريّة والتوثيق. أدناه.

سعيد ركاب
الجولان يقلب هذه النظرية السياسية بالنسبة الدروز في إسرائيل . التاريخ الدرزي الاصيل يعود لسلطان باشا الاطرش أعظم قائد عربي في المائة الاخيره
الأربعاء 13 أيلول 2023
رأيك يهمنا