العودة إلى مقاعد الدراسة

في هذه المقالة سوف تجدون مجموعة من النصائح والإرشادات لمساعدة أبنائكم وتهيئتهم للعودة إلى المدارس بطريقة ميسرة، وتوصيات داعمة لمواجهة مفترق طرق قد يكون مليئًا  بالتحديّات من خلال تربيتكم لأولادكم. آمل بأن الإرشادات ستعزز من إدراككم لدوركم المركزي والمميز لنجاح أبنائكم في المراحل المختلفة واجتياز المحطات المتنوعة من حياة أولادكم بسلام ونجاح.

إذ شارفت عطلة الصيف على الانتهاء وحان الوقت للتحضير إلى العودة للمدارس وتهيئة الأبناء لاستقبال العام الدراسي الجديد بفرح وحيوية وحماس، حتماً تشعرون بالانفعال خاصة إذا كان هذا هو ولدكم البكر، من الطبيعي أنكم كأهل تريدون لأولادكم السعادة والأمان، وأن تلبوا كافة احتياجاتهم لضمان نجاحهم، ونحن بالطبع لا نستطيع تقديم الوعود بأنه لن تواجههم صعوبات إلا أننا نذكركم بأن الصعوبات هي جزء من الحياة ونحن ملزمين على مواجهتها، تذكروا دائماً، أنكم لستم وحدكم في هذه المسيرة، لديكم طاقم معلمين/ات متخصصين/ات، مستشارة تربوية وغيرهم ممن سيقدمون لكم يد العون في كل مسألة، فلا تترددوا بالتوجه إليهم، لا تهابوا من طرق بابهم، لأنكم ستحظون باهتمام شخصي وداعم.

بداية روتين جديد والتعود التدريجي على النظام اليومي المدرسي

لا شك أن الأبناء اعتادوا على الإجازة وأجوائها وأيامها، من السهر والنوم لساعاتٍ طويلة، لذلك يجب أن بدء تحضير عودتهم إلى المدارس، وتدريبهم على روتين المدرسة قبل بداية السنة الدراسية بأسبوعين. وبشكلٍ خاص مهم جدًا تنظيم الأسبوع الأخير من العطلة بحيث يكون النظام اليومي فيما يشبه اليوم المدرسيّ، كالنوم في ساعات قبل منتصف الليل، والاستيقاظ في ساعات الصباح ما بعد شروق الشمس والقيام بنشاطات متفّق عليها.

متوقع مواجهة صعوبات في تطبيق ذلك الروتين المدرسيّ، بالتالي من المهمّ التهيئة النفسيّة للأبناء والبناء من خلال إدخال فعاليّات وفقًا لأعمارهم، كما أيضًا تقليص تدريجي لأوقات التسلية والترفيه، النزهات والرحل. هناك ميول لدى قسم كبير من الطلاب لقضاء فترات طويلة أمام الشاشات الذكية والتلفاز خلال العطلة الصيفية وقضاء ساعات طويلة بنزهات ورحل خارج البيت مع الأهل او الأصدقاء، مهم جدا تقليص فترات الترفيه تدريجيا وزيادة الأوقات لفعاليات ناجعة للفترة المدرسية.

التركيز على الايجابيات

العودة للمدرسة بعد الإجازة صعبة على الطفل كما هي صعبة على أي بالغ، لذا حاول عندما تتحدث مع ابنك التركيز على الأمور الايجابية في المدرسة حتى يتحمس لها، التحدث عن الأصدقاء، مدرّسين ومواضيع جديدة ربّما، والنشاطات المدرسية المختلفة والمشوقة. تذكر أن كلّ ابن يملك تجربته الخاصة وقدراته وسرعة نضوجه الخاصة به، من المهم التركيز على تشجيعهِ ورفع المعنويات ورفع ثقته بنفسه وبمقدرته على مواجهة المرحلة الجديدة.

شراء وتنظيم أغراض المدرسة مبكرًا

مهم جدا التسوق والتجهيز للمدرسة مبكراً بمرافقة الأبناء، حولوا عملية شراء الحقيبة واللوازم المدرسية لمتعة عائلية تدخل الفرحة والسرور، تأكد من أن جميع اللوازم المدرسية جاهزة لهم أسبوعين قبل بدء الدراسة، فالتجهيز المبكر يعطيهم انطباع بأهمية الوقت والتخطيط المسبق وأهمية العام الدراسي الجديد. تنظيم وترتيب جميع اللوازم المدرسية مبكرا، وعدم تأجيلها للحظة الأخيرة، فالتأجيل حتما يؤدي إلى ضغط وفوضى. مفضل مشاركة الأولاد بعملية التسوق، وترتيب المكتبة والخزائن. 

ترتيب الحقيبة المدرسية بأمان وتنظيم المكتبة البيتية

قسم من الطلاب يضعون الكتب والدفاتر في الحقيبة بشكلٍ عشوائي تجعل حملها صعب، وكذلك إخراج الكتب والدفاتر من الأمور الصعبة بحيث يأخذ وقت أطول خلال الحصص. يتوجب ألا يزيد وزن الحقيبة عن 10% إلى 20% من وزن الطالب. كما يتوجب عليك تعليم ابنك كيفية الالتزام بالجدول المدرسي عند حمل الكتب والتدريب على تبديل اللائحة. 

بالنسبة للمكتبة مفضل إعادة النظر لأماكن وترتيب الكتب والدفاتر والتغيير بحسب الحاجة وبطريقة أسهل من السنة السابقة، وتغليف الكتب والدفاتر بشكلٍ مرتب. لطلاب الصف الأول من المفضل تغليف الدفاتر كل موضوع بلونِ بهدف زيادةِ الترتيب.

تهيئة الأبناء وإعدادهم لنظام الدراسة

 إنشاء نظام روتيني يومي باستخدام عادات ثابتة، أوقات للعب، أوقات للدراسة والنوم والخ... فإن هذه العادات الثابتة تعطيه الثقة والسيطرة لتعزيز تعليمه. أعدّوا مكانا في البيت للدراسة وتحضير المهام البيتية ومن المحبذ مكان هادئ ومريح بدون تلفاز وشاشات وغيره من المغريات ومصادر تشتت التركيز.

 طوروا وعززوا المهارات السلوكية: الانضباط في الوقت وتحضير المهام، القدرة على المثابرة وتحديد الأهداف وتحقيقها.  مارسوا مهمّات تعزز الإصغاء والتركيز مع تجاهل عوائق الانتباه المحيطة به.

دورات خلال السنة الدراسية

هذا هو الوقت الأمثل لمشاركة الأبناء لتقييم الدورات التي شارك بها خلال السنة السابقة، ولاختيار الدورات الأمثل لهذه السنة بشكل مدروس ومتوافق مع دروسه، لتطويره في مجالات معينة، لاكتساب الأصدقاء أو للتسلية والترفيه.

مهم جدًا اختيار الدورات التي تلائم ميول الابن (وليس بالضرورة الأهل)، قدراته وإمكانياته وامكانيات الأهل، بطبيعة الحال مهم الأخذ بعين الاعتبار التكاليف المادية، حرية الاختيار هي للأبناء بالاتفاق مع الأهل، في حال اختيار الدورة بتأثير من الأهل فهذا ممكن أن يسبب عدم الالتزام من الابن ومشاركة من دون رغبة.

أما الأجيال المبكرة من المفضّل اختيار دورات تساهم في تطوير مهارات وقدرات حركية لدى الطفل وخصوصا في جيل مبكر وملائمة لقدراته، مثل باليه، كراتيه، حاسوب كرة قدم.... حتى يصل الطفل لجيل بإمكانه اتخاذ قرارات تناسبه والالتزام بها.

التأكد من سلامة وصحة التغذية

يجب إعداد وجبة صحية للطالب، محاولة التقليل من النشويات والدهون وإعطاء الطالب عصائر طازجة يومياً، والتركيز على الحديد والفيتامينات المختلفة من الفواكه والخضراوات. أما في المدارس التي تعد الوجبة للطالب يمكنك التأكد من سلامة وصحة الغذاء من خلال مراجعة إدارة المدرسة، ولا تنسى أن مسالة تثقيف ابنك صحياً من المهام الأساسية للأسرة.

الإصغاء للأبناء وتشجيعهم على الحوار 

الإصغاء والانتباه لما يقوله الأبناء وحتى الإصغاء لما لا يقولونه من خلال لغة الجسد والمشاعر، مهم جداً توطيد العلاقة بين الوالدين من جهة والأبناء والبنات من جهةٍ أخرى، وجعلهم يتحدثون معهم بحرية حول ما جرى في يومهم الدراسي، وحتى استشارتهم في أمور المنزل والمدرسة، تشجيعهم على الحوار من خلال بثّ المحبة والاحترام والتقبل، واستعمال أسئلة مفتوحة مثلا: "كيف كان نهارك اليوم، بحب أسمع أكثر، مع مين لعبت وإذا بتحب تحكيلي شو صار معك؟"... (التقليل من الأسئلة المغلقة التي تحد الحوار وجوابها نعم أو لا). أحيانا يتردّد أو يمتنع الأبناء من مشاركة الأهل بما حدث معهم لأسباب عديدة، منها مزاج الطفل وطباعه، عدم الوثوق من ردة فعل الأهل أو أنهم لم يعتادوا على لغة الحوار داخل المنزل او لأن طريقة توجه الأهل. للأبناء مثل الضابط مما يزيد البعد بينهما… لذلك أنصح بالتقرّب واحتواء الطفل وتشجيعه على المشاركة واعطاءه الأمان ليتسنى متابعة كلّ ما يحدث مع الطفل. هنالك أطفال لغة جسدهم تكشف شعورهم وعلى الأهل ان يكونوا متيقظين لذلك، "مجسّات داخل التغطية طيلة الوقت".

التعرف على أصدقاء الأبناء

من المهم التأكد من أن أصدقاء أبنائك على خلق وأدب، وتعليم أبنائك كيف يختارون الصديق المناسب. للأصدقاء التأثير الإيجابي أو السلبي على الأبناء لذا يجب متابعة الموضوع. بعض الأبناء يعانون من الوحدة او الحرمان الاجتماعي مهم جدًا الانتباه لما يحدث مع الأبناء ومتابعة الموضوع وتقديم الدعم والتعزيز لهم والاستعانة بالمختصين المهنيين داخل المدرسة إذا لزم الأمر.

استعداد الأبناء لليوم الدراسي

النوم المبكر لابنك هي عادة مهمة للمحافظة على صحة الجسد وزيادة التركيز سواء كان في الأيام الدراسية أو عطلة نهاية الأسبوع، كذلك مهم تناول وجبة الإفطار، فهي وجبة أساسية للأسرة، وبأن ملابس المدرسة ونوع زوادة المدرسة تجهز قبل النوم بالاتفاق مع ابنك مع الحرص على الطعام الصحي، حاول تنمية عادة الاستعداد بشكل مبكر ليومه الدراسي وتشجيعه على الاستقلالية من جيل مبكر.

مخاوف من بداية السنة الدراسية

هنالك أطفال فرحتهم بالعودة الى المدرسة تملأ الدنيا وما فيها، وهناك من يهابون العودة إلى المدرسة ويتملكهم الخوف والرفض، أِما بسبب عدم جاهزيتهم النفسية لأسباب تتعلق بشخصهم وبتجربتهم الأسرية، أو بسبب تجارب تعليمية أو اجتماعية فاشلة ومحبطة، وقد تواجههم صعوبات في تكوين علاقات اجتماعية وعدم قدرتهم على التواصل مع الآخرين. وربّما مرّ البعض في تجارب سابقة محبطة وعدم إيجاد شخصية تربوية داعمة، ومثلًا حينما ينتقل البعض إلى مدارس جديدة لأسباب انتقال الأهل إلى بلدةٍ أخرى وهكذا، قد تواجههم صعوبة في التأقلم. مهم جدًا المحافظة على الهدوء كأهل، إظهار التعاطف مع أطفالهم، التفهّم والاحتواء لمشاعرهم، الإصغاء لهم ولمخاوفهم وتقبلها، ومحاولين الاستفسار عن أسباب خوفهم ورفضهم للمدرسة، لأن عدم تفهمهم ومساعدتهم سيؤدي حتما إلى صعوبات تأقلم ومشاكل سلوكية أو نفسية متعددة مثل سلوكيات عنيفة، الحساسية الزائدة والبكاء، التبوّل لا-إرادي أو التأتأة، الغضب أو الانطواء وغيرها من الصعوبات النفسية والسلوكية. مهم تفهمهم محاولين التخفيف من قلقهم ومخاوفهم، من المفضّل مرافقة الطفل في اليوم الأول والتعرف على معلمته، كما من المهم التوجه لاستشارة المربية او المستشارة التربوية في حال وجود صعوبة.

آمل للجميع سنة دراسية موفقة مكللة بالتوفيق والنجاح. كلّ عام والجميع بألف خير وسعادة.

د. سهراب مصري

محاضرة أكاديمية وباحثة في مجال الاستشارة التربوية، معالجة زوجية أسرية ومعالجة سلوكية معرفية

شاركونا رأيكن.م