تحديات الوالدية في العائلة أحادية الوالد\ة

عند الحديث عن العائلة ذات المعيل الوحيد فإننا نعني عائلة أحادية الوالد في المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل بعد وفاة أحد الوالدين أو انفصال وطلاق الوالدين. فعندما تتعرض الحياة الزوجية إلى التفكك بغياب أحد الزوجين عن الأسـرة والأبناء لسـبب مـا، سـواء كـان الطـلاق أو المـوت، يشعر الأولاد بـالقلق وعـدم الاستقرار وعـدم الثقـة بـالنفس، وذلك لأهمية الأسرة في التنشئة السليمة للطفل لحفظ توازنه النفسي، الوجداني والاجتماعي وإكسابه الأساليب السلوكية التي تساهم في بنائه كإنسان ليتمكن من الانخراط والتوافق مع مجتمعه.  وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الأبحاث تؤكد أن غياب الأب/ الأم يؤدي إلى فقدان الضبط الأسري - الحرمان العاطفي يؤثر في نموه وثقافته وشخصيته، كما يؤدي هذا الحرمان إلى ظهور الاضطرابات السلوكية والجنوح، وضعف الثقة بالنفس وتراجع الالتزام بالنظام وقلة الانتباه والتركيز وضعف التحصيل الدراسي (هشام الطالب، 2019).

وهنا أود التطرق إلى تجربة الوالدية لدى الأمهات الأرامل والمطلقات، بناءً على شهادات ولقاءات ميدانية. ففي كل لقاء معهن أظهرن مشاعر الألم والمرارة من التحديات التي تواجههن وأجمعن على أن الوالدية ليست أمرًا ماديًا ملموسًا، بل هي نهج تعامل يعتمد على الاهتمام، التفاهم، التوجيه، الاحتواء، المسؤولية، الأمان، الرعاية، الاستقرار، الحب والسلام الداخلي. 

وحول التحديات التي تواجههن خلال تربية الأولاد أشرن إلى ثلاثة جوانب أساسية:

  • اجتماعيًا: فالمجتمع ينظر إلى المرأة الأرملة كامرأة مسكينة ضعيفة، ساقها قدرها لأن تربي أولادها وتواجه الحياة دون وجود السند، الزوج (فهذا قضاؤه وقدره)، وحفاظًا عليها وعلى أولادها وجب على عائلة الزوج الحفاظ عليها وعلى سمعتها، وبالأخص خوفًا من دخول رجل أخر إلى حياتها. فتجدهم يراقبون تصرفاتها ويتدخلون في شؤونها وشؤون أطفالها (ميلر طال، 2017). أما في حالة الأم المطلقة، فما زال المجتمع يراها المرأة المتمردة التي لم تقدم ما يجب للحفاظ على النسيج الأسري ولذا، فإنها وأطفالها معرضون للرقابة من قبل الجميع وتصرفاتها هي وأولادها تكون عرضة للانتقادات الدائمة إذا لم تكن وفقًا للمعايير المتوقعة في المجتمع.

  • الجانب الاقتصادي: إذا كانت الأم عاملة ومتعلمة، أرملة أم مطلقة، فهذا يساعدها على تعزيز الحصانة النفسية والاجتماعية لها ولأطفالها. في حالات كثيرة وفي ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة لدينا، نجد أن الأمهات المعيلات الوحيدات اللواتي لا يعملن يعتشن على مخصصات التأمين الوطني ويحتجن دائمًا إلى المساعدة المادية من قبل العائلة الموسعة، فنجدهن يستعن بها لإتمام التزاماتهن تجاه أطفالهن. يشار هنا إلى أنه في حالة المرأة العاملة التي كانت تعمل هي وزوجها يدًا بيد لإعالة العائلة والعيش بشكل مريح مع تلبية احتياجات الأولاد وأصبحت اليوم المعيلة الوحيدة، فإن الواقع الجديد يحتم عليها - بالإضافة إلى مسؤولية رعاية الأولاد والاهتمام بهم وبواجباتهم المنزلية - العمل خارج المنزل، ما يعني 3 ورديات للأم المعيلة الوحيدة، الأمر الذي يضطرها إلى طلب الدعم من الأهل في رعاية أطفالها، وهو ما يضطرها في أحيان كثيرة إلى قبول تدخل العائلة في تربية أولادها. 

ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الكثير من الأمهات المستقلات لا يقبلن بتدخل الأهل في تربية أولادهن لأنهن يعتبرنه شأنًا خاصًا بهن. فهن من يسعين إلى القيام بدورهن الوالدي وفقًا للمعايير الاجتماعية، بما فيها تعزيز الثقة بالنفس، الاستقرار، الفردانية والاعتماد على الذات دون اللجوء إلى الأخرين، إلى جانب مسؤولية التدريس واكساب الأبناء السلوكيات الاجتماعية التربوية؛ فاذا أخفقن في أي من هذه المجالات سرعان ما ستتغير النظرة إليهن من أمهات مضحيات تعملن ليل نهار لتوفير كل متطلبات أولادهن إلى أمهات مهملات!

  • الجانب النفسي: في حالات الغياب الكلي للوالد عن العائلة (أي في حالة الوفاة)، فالأمر خارج عن الإرادة والسيطرة. وعلى الأم أن تقوم بـدور الأمومـة الـذى يشـمل رعايـة الطفـل بالحنـان والعاطفـة ومـن جهــة أخـرى يجـب عليهــا أن تعوض غياب الأب وأن تعمل لأن يتقبل الأولاد غياب الوالد بشكل طبيعي وخاصة أنهم يتواجدون كل الأوقات معها، وعليها أيضا أن تعمل خارج المنزل للإعالة. أما في حالات الغياب الجزئي للأب، كالطلاق، وهذا يعد مشكلة حقيقية في القيام بالأدوار الوالدية، فالحضانة عادة ما تكون للأم أو الأب أو مشتركة لكليهما، مما يعني أن عدم الاتفاق بينهما حول نمط التربية سيخلق بلبلة لدى الأولاد. كما أن الازدواجية في حياة الأولاد – كوجود بيتين- لدى الأب في عطلة نهاية الأسبوع أو خلال نصف الأسبوع، وباقي الأيام لدى الأم، الأمر الذي يؤثر سلبًا على الأولاد بسبب حالة عدم الاستقرار عمومًا وفي مقدمتها ما يتعلق بأنماط التربية المختلفة. ففي كثير من الأحيان التي لا يتم فيها الاتفاق بين الوالدين حول آليه التربية، نجد أن الأولاد يميلون إلى إتباع نوع من المناورة مع الأهل للحصول على امتيازات أكثر من كل طرف وهذا يؤدي في بعص الحالات إلى حالة من الضياع والبلبلة في القيم المكتسبة من كل من الوالدين. في المقابل، في حالات التوافق بين الوالدين، نجد أن الاضطرابات النفسية والاجتماعية لدى الأولاد تكون أقل بكثير.

وهنا لا يمكن إغفال حقيقة أننا نتحدث عن العائلة العربية التي تتميز باهتمام الافراد ببعضهم ومعها تدخلهم في قرارات بعضهم التربوية والسلوكية. لذا، فإن أولاد المطلقين والمطلقات يعانون من كثرة الشخصيات التي تتدخل في تربيتهم (كالأعمام والأخوال العمات والخالات والأجداد والجدات) ويحاول كل منهم الإرشاد والتوجيه، بل أحيانا يصل الأمر إلى فرض التعليمات وإبداء المواقف حول أنماط التعامل التي ينبغي اتباعها معهم.

لا شك أن كل هذه الجوانب المذكورة أعلاه تؤثر على تربية الأولاد، فكمية الدعم والمحبة والرعاية التي يحتاج إليها الطفل للحفاظ على توازنه النفسي والاجتماعي كبيرة جدًا.

إليكم بعض ما قدمته الأمهات من توصيات استنادًا إلى تجاربهن الشخصية للتخفيف من الأضرار على الأطفال:

  • ضرورة الاستقلالية في المسكن وإدارة شؤونهن العائلية

  • ضرورة الحفاظ على التواصل والدعم العائلي 

  • ضرورة الحفاظ على دخل ثابت يوفر حياة كريمة لهن ولأطفالهن

  • ضرورة الاستعانة بالمختصين والمهنيين للتوجيه التربوي بحسب الحاجة

ميسون ريا

مديرة مركز جماهيري وناشطة نسوية وباحثة في الأحوال الشخصية في المجتمع الفلسطيني في الداخل وطالبة دكتوراة في جامعة بن غوريون - سنة أخيرة

ياسمين ابو ريا
مقالة مهنية، تطرح وتعكس تداعيات وتأثير الطلاق، الانفصال بشكل واضح ومفيد. لا شك أن تجربتك الشخصية وخبرتك المهنية أضافت عمق ومصداقية للطرح.
الجمعة 2 حزيران 2023
رأيك يهمنا