سوقٌ لتجاربَ سياحيَّةٍ مُبتكَرَة

قبل حوالي أربعِ سنوات، وقفتُ أمام مفترقِ طرقٍ مفصليِّ في حياتي، بما يخصُّ تكملةَ مسيرتي المهنيّة. على المحكِّ كان مشروعٌ سياحيٌّ في مدينتي الحبيبةِ النّاصرة، أعرضُ من خلالِهِ فعاليّاتٍ وبرامجَ سياحيةً جديدة، أبادرُ إليها بالاعتمادِ على خبرتي المهنيَّةِ في مجالِ التدريبِ وكتابةِ المُحتوى، فأدمجُ شغفي بعالمِ ريادةِ الأعمالِ والمُبادراتِ. منَ الجانبِ العمليَّ تساءلتُ: ما الذي يمكنُ لي أن أقدِّمَ إضافة لما هو قائم؟ إحدى الأفكار كانت إقامة مشروعٍ مشابهٍ لغرفةِ هُروب أو ""Escape Room كالتي كانت منتشرةً في تلك الفترةِ في مناطق مختلفة في البلاد، ضمن مجموعةٍ من الأفكار. وبالرغمِ من مَيلي الشديدِ لهذهِ الفكرة، إلّا أنّي لم أرَ أُفقًا لنجاحِها ولم أنسجمْ تمامًا مع مَضمونِها، عَلاوَةً على كَونِها غريبةً عن ثقافتِنا، وبالتالي فهيَ لم تخدمْ هدفي. من الجهةِ الأخرى، فتحَتْ أمامي فرصةً للالتحاقِ بمسارٍ مِهَنيٍّ واضحِ الملامِحِ لاجتيازِ دورةَ إرشادٍ سياحيَّ، الأمر الذي لم أنجذِبْ إليهِ لابتعادي عن الفكرةِ، ولرغبتي بإضافةِ أمرٍ جديدٍ غَيْرَ ما يُقدَّمه مرشدو النَّاصرة المميَّزون. 

 بحثتُ عن شرارةٍ تلهمُ مخيَّلتي، فوجدتُها في قصّةِ سوقِ الناصرة التاريخيَّة. هذا السّوق الذي لعبَ دورًا تجاريًّا وثقافيًّا هامًّا حتى أواخرِ تسعينيَّاتِ القرنِ الماضي، بل اعتُبر أجملَ وأبهى رموزِ المدينة، لِمَا اقترنَ به مِن مشاريعَ تجاريةٍ ناجحة، حياةٍ مشتركة، وعلاقاتٍ جميلة بين أهلِ البلدِ ومَن يقصدُهُ من زوَّارٍ من البلداتِ الأُخرى والخارج. تُقْتُ لتلك الفترةِ حينَ كانتِ الحياةُ بسيطةً، قبلَ دخولِ الثَّورةِ التكنولوجية وغزوِ شبكات التواصل الاجتماعي لحَياتنا. وبعد فترةٍ من البحثِ والتفكيرِ اكتمَلَتْ صورةُ المشروع لأُطلقَهُ تحتَ مُسَمّى "My Souk" - سوقٌ بمفهومٍ جديدٍ، يعرضُ تجاربَ سياحيَّةً مُبتكَرَة، يستطيعُ زائروهُ منَ الأزواجِ والعائلاتِ، والمجموعات، من البلادِ والخارجِ، اختيارَ التجربةِ التي يبحثونَ عنها وقد بُنِيَتْ لَهُم بمُلاءَمَةٍ شخصيَّة.

أشرَكتُ بفكرَتي هذه أحد أصدقائي المقرَّبين، وإذ به يأتيني بأولى عُملائي، عائلةٍ المانيَّةٍ كانت قد استضافَتهُ في الماضي. طلب الصديقُ أن أخطّطَ لتلكَ العائلة برنامجًا سياحيًّا وأن أرافقها في جولةٍ في أنحاء الناصرة. لا أخفي شعوري بالغبطةِ حينها، وكأني طفلٌ صغيرٌ حصل على هديَّة كان ينتظرها زمنًا طويلاً. وبعد جَمْعِ كافةِ المعلومات، بدأتُ أخطّطُ المسار: الأماكن التي سنزورُها، الأشخاص الذين سنلتقيهِم... أعددتُ خطَّةً تتجاوبُ معَ حبِّهم لعالمِ الطَّبخ ومأكولاتِنا العربيّةِ تَتَضَمَّنُ مشاركتَهُم الفعليَّةَ في إعدادِ وتقديمِ المأكولات. جمعتُهم بِمُبادِرَةٍ نصراويَّةٍ مُلهَمَةٍ أشركَتهم بتجربتها لإقامة فندق في البلدة القديمة... كانت التجربةُ ناجحةً للغاية ولا تزالُ تعابيرُ وجوهِهِم الراضيَة وابتساماتُهم العريضةُ محفورةً في ذاكرتي حتّى اليوم. حُلَّ اللُّغزُ بِانجاز هذه المَهَمَّةِ واتَّضحتْ ملامحُ مشروعي الذي طال انتظارُه. وهكذا، توالتِ المجموعاتُ ومعها التجاربُ المثيرةُ التي تبعثُ على الفرحَ والرّضا.. كنتُ للحظاتٍ أنسى أنَّ هذا هو عملي وأشعرُ أنني مشاركٌ فعّال، أعيشُ التجاربَ الخاصَّةَ والاستثنائيَّةَ مع كل مجموعة وكلِّ فرد. بكلمات أخرى، تمكَّنتُ من أن أعيشَ ما تخيلتُه، وإذ بحلمي يتحقق من خلال هذا المشروع المميَّز.

 وبأثر رجعي يمكنُ لي أن أجملَ التجربةَ بأمورٍ ثلاثة: 

الأوَّل، رغم اختلاف هويّاتِ وخلفيَّات زائيريَّ "My Souk" هنالك عاملٌ قوي يجمعهم، وهو البحثُ عن تجربةٍ استثنائيَّةٍ وغيرِ مألوفةٍ تتجاوبُ وموضوعاتِ اهتماماتهم المشتركة. أما الأمر الثاني، فهو الانكشافُ على رغبةِ أبناءِ مجتمعي، من الناصرة والبلدات العربية الأخرى، في التعرّف على البلدِ من منظورٍ أخرَ وفي أجواءٍ مُغايرة لِما عهِدوا من قبل. وأخيرًا ، وربما الأهمّ بالنسبة لي، كان التعاونُ الجميلُ بيني وبين أهالي المدينةِ من أصحابِ المصالحِ التجاريَّةِ والقائمينَ على المؤسَّساتِ الدينيَّةِ وغيرِها من المؤسَّسات، باهتمامٍ ودعمٍ منقطِعَي النَّظير.

سعيًا لاستمرارِ وتطوير المشروع، أقومُ هذه الأيَّام بالتخطيطِ لثمانيةِ مساراتٍ تجمعُ زبدة ما أُنجز في الأعوامِ الأخيرةِ لأعلنَ عنها في إطار حملةٍ إعلامية. هذا إلى جانب طموحي في نسخِ التجربةِ وملاءَمتِها لمدنٍ وقرىً مميَّزة أخرى في المستقبلِ غَيرِ البعيد.  

في الختام، ما تعلّمتُه من هذهِ التجربةِ بكلِّ محطاتها الفارقةِ ومراحلِها المتعدِّدَة، هوَ أنَّ إطلاقَ أيَّ مشروعٍ مهنيٍّ ناجحٍ ليس بالأمرِ السَّهل، ولكنْ، عندَ التشبُّثِ بشغفِكَ وما يدفعُكَ من الدّاخل، لا بدَّ لك من تحقيقِ مُرادِك!

عصام نصر الله

مبادر في مجال المشاريع السياحيَّة المبتكرة

غسان ابو نصار
مبدع ويعطيك الف عافيه على كلشي بتعملوا 🌷🌷
السبت 1 تموز 2023
سريده منصور
عصام ملهم جدا وبالفعل تجربه my souk تدل على انتماء محب البلد وتميزا في المهنيه والعطاء والابتكار الى الامام عزيزي
السبت 1 تموز 2023
راني
شو المشروع/ البرنامج ؟ حدا فهم ؟
الأحد 9 تموز 2023
شاركونا رأيكن.م