السياحة العلاجيّة- رحلة استشفاء ام مصيّدة للمستغلين؟
منذ اللحظة الأولى التي بدأت البحث فيها عن بلدان تشتهر بالسياحة العلاجيّة والطبيّة، عبر شبكة الإنترنت بدأتْ تلاحقني الإعلانات ذات الصلة عبر فيسبوك وإنستجرام، المنصوصة بلغة عربيّة وملفتة لتجذب الباحث عنها، واللافت أن كلها كان يخُص العلاج في تركيا، رغم أن البحث كان عامًا، وهذا يدل على أن تركيا هي من بين الدول المتصدرة في البحث والعلاج.
تعتمد السياحة العلاجيّة على تقديم الخدمات السياحيّة والعلاجيّة والطبيّة في أماكن متخصصة تشمل منتجعات، مصحات ومستشفيات خاصة، التي تتلاءم مع الوضع الصحي للمريض أو الزبون- يتعلق بنوع العلاج.
لماذا تتصدر تركيا قائمة الدول التي تقدم السياحة العلاجيّة، وهل هي مكان آمن للعلاج؟ ما بين حسنات العلاج فيها وسيئاته التقينا في "فارءه معي" مع المحاميّة ميساء خضيري- مصالحة، المختصة بقضايا عدة منها الإهمال الطبي وتحصيل الحقوق الطبية من مؤسسة التأمين الوطني، والتي كان لها أيضًا تجربة علاجيّة في تركيا مع أخيها محمد خضيري، بسبب حاجته لزرع كلى.
رحلة البحث عن علاج...
بدأت رحلة البحث وراء العلاج في تركيا لدى المحاميّة ميساء خضيري، في محاولة منها للوصول إلى متبرع لزرع كلى لأخيها محمد الذي يعاني منذ طفولته من مرض السُكري، وأثر مع الوقت على أعضاء جسمه ومن بينها الكلى، حيث يحتاج إلى علاج غسيل للكلى بين 3-4 مرات في الأسبوع. وبحثًا عن طريقة للتخفيف من وضعه، بدأوا بالتفكير بالتبرع بكلية له من خلال مستشفيات البلاد، وكانت هي من المرشحين، لكن لأن مرض السُكري وراثي في العائلة ومن الممكن أن يتسبب لها في المستقبل بالخطر على حياتها لم يتم ذلك، وبدأت رحلة البحث عن متبرعين بواسطة الفيسبوك، عبر صفحات يصرح خلالها متصفحين عن رغبتهم بالتبرع بكلية أو جزء من الكبد، لكنها أدركت سريعًا أن الأشخاص الذين تواصلت معهم لديهم ضائقة مالية ومعنيين بالبيع وليس بالتبرع، إلى أن تواصلت مع أحد الأشخاص وهو سوري الأصل يعيش في تركيا، ونجح في اقناعها برغبته بالتبرع بكليته وعلى هذا الأساس سافرت برفقة أخيها إلى تركيا لملاقاته لتكتشف عند وصولها أنه ينوي بيع كليته وليس التبرع بها، من أجل مغادرة تركيا والاستقرار هو وعائلته في أوروبا، ولم تتم العملية لهذه الأسباب وعادا إلى البلاد.
وحول العلاج في تركيا، قالت خضيري: " العلاج في تركيا من أعلى المستويات، من حيث العلم، المعدات والتقنيات العلاجية، النظافة وخصوصيّة المريض، سرعة إجراء الفحوصات وتلقي النتيجة، مما يسهل على المريض ويخفف عنه ".
بالنسبة لعلاج غسيل الكلى، على سبيل المثال، أشارت أنه كان مريحًا جدًا والمستشفيات مزودة بأدوات متطورة وهي مريحة للمريض أكثر مقارنة مع العلاج في البلاد.
وهذا أيضًا يشمل العلاجات التجميلية التي هي على مستوى عال جدًا، وأسعارها مقبولة مقارنة مع الأسعار في بلادنا، مثل زرع الشعر، القشور الخزفية للأسنان، حقن نضارة الوجه، والبوتكس، شد البطن والأرداف وغيرها ".
لا تثقوا بمواقع التواصل الاجتماعي...
وردًا على سؤالنا حول إذا كان العلاج في تركيا آمنًا قالت: " بعد تجربة البحث عن العلاج في تركيا أنصح، أن يتم الأمر عبر شركات تركية رسميّة وليس عبر مواقع التواصل الاجتماعي لأنها مضللة.
وتابعت: " للتأكد من المؤسسة المعالجة، يجب عدم الانجرار خلف من يتحدث اللغة العربيّة، من المهم الاستعانة بمترجم بسبب إشكالية اللغة وبهدف المساعدة والمرافقة في البحث عن المؤسسات التركية أو الاجنبية الموثوقة ".
وشددت: " نصيحتي هي الابتعاد عن السماسرة السوريين والعراقيين المتواجدين في تركيا، لأنهم على الأغلب غير صادقين، ويحاولون بسبب تمكنهم من اللغة التركية جذب الناس واستغلالهم ".
العلاج في تركيا بين السيئات والحسنات...
الحسنات: مستوى العلاج عال، نظافة، خصوصيّة المريض في الغرفة التي تحتوي على سرير أو اثنين، وطبعًا أقل تكلفة.
السيئات: صعوبة التواصل كونه لا يوجد من يتحدث اللغة الإنجليزية في المستشفيات، الأطباء يتحدثون اللغة التركية وصعب على المريض التفاهم معهم، مهم مرافقة مترجم.
والتأمين الصحي في البلاد لدينا لا يغطي أي حدث ممكن أن يقع خلال العلاج في تركيا وهذه مخاطرة.
وفي نهاية اللقاء قالت: " من خبرتي في مجال الأمراض وحقوق المريض، تعتبر بلادنا من الدول المتقدمة طبيًا، لكن صعوبة العلاج تكمن بسبب قوائم الانتظار الطويلة، مع ذلك أنصح بالعلاج فيها، ففي حال حدثت أي مضاعفات خلال العملية، بالإمكان الوصول إلى الملف الطبي للمريض.
ونصيحة أخرى، من المهم أن يتم العلاج خارج البلاد بواسطة وكيل سياحة علاجية موثوق منه، حتى تكون تجربة آمنة ".
وكلاء السياحة الطريق الآمن للسياحة العلاجيّة...
وبدوره قال المحاضر في مجال السياحة منير ديراوي- وصاحب مكتب سيفواي للسياحة والسفر: " من واجبات وكيل السفر، تقديم الخدمات السياحيّة لكل أنواع السياحة المتوفرة، سواء الخارجي أو الداخلي، قسم من السياحة الخارجي هو فرع السياحة العلاجيّة التي في السابق كانت بوصلتها رومانيا، التي كانت تقدم علاجات لأوجاع الظهر، المفاصل وعلاجات معينة لجهاز الأمعاء في مناطق عدة متخصصة في رومانيا، بجانب توفر المياه المعدنيّة في الدولة التي تستخدم في العلاج وهذا أيضًا ما يميز العلاج في دول أوروبا الشرقيّة المعروفة بالمياه المعدنيّة العلاجيّة، وميزة مهمة أن تكلفة العلاج فيها منخفض جدًا، ومع الوقت تطورت خدمة العلاجات التي تمنح للزبائن، والتي كانت وجهتها دول في أوروبا الغربيّة، والتي أعتبرها استجماما أكثر من سياحة علاجيّة ".
وتابع: " حتى قبل 4 سنوات الأخيرة، تطورت طريقة السياحة العلاجيّة، والتي أصبحت عبارة عن إجراء عمليات طبيّة دقيقة، والتي كانت وجهتها ألمانيا، بينما يتم إجراء عمليات متعلقة بالنظر في روسيا، وكان العلاج يكون بتوصيّة من أشخاص مروا بتجربة العلاج، أو عن طريق خريجين من تلك البلدان، لكن في الآونة الأخيرة ومع تطور وتقدم الطب في البلاد، بدأت تقل السيّاحة العلاجيّة في تلك الدول، في الوقت الذي بدأنا نلاحظ السفر إلى تركيا من أجل إجراء عمليات والتي هي بالأساس بدأت بعمليات زراعة الشعر ".
علميات بربع التكلفة... ورزم مغريّة للزبائن تشمل علاجا وإقامة.
وحول الإقبال لتلقي العلاجات في تركيا قال ديراوي: " الأمر يعود لأسباب عدة، أهمها أن تكلفة العمليات تصل إلى ربع التكلفة لدينا، ومع الإقبال الشديد على هذه العلاجات، أصبحت هذه المؤسسات العلاجيّة هي من توفر الرزم السياحية للزبائن التي تشمل الفندق والعلاج، وهذا كنوع من التسويق لهذه الخدمة العلاجيّة التي توسعت مع الوقت، وبدأت تشمل بالإضافة إلى زراعة الشعر عمليات تجميلية مثل شفط الدهون، عمليات تجميليّة في الوجه منها الأنف، وعمليات النفخ ".
وتابع: " مع هذا، سمعنا عن مشاكل كثيرة واجهت المتعالجين في تركيا، بسبب العلاجات غير المكتملة التي أدت إلى التهابات أو تشوهات في الأماكن التي تمت معالجتها، والتي تستدعي لعلاج مصحح لها ".
الحذر من الغش والخداع...
وفي نهاية اللقاء، قال ديراوي: " يجب التنويه إلى حالات غش وخداع التي يمكن أن يتعرض لها الزبائن، وذلك بسبب لجوئهم إلى جهات غير معروفة ورسميّة، ليكتشفوا لاحقًا أنها عيادات مؤقتة، وفي الغالب أنهم تعرضوا إلى سرقة أعضاء (الكلى أو جزء من الكبد) أثناء وجودهم تحت التخدير، واختفاء الوسيط أو السمسار بعد الانتهاء من العملية.
ومن المشاكل التي تواجه المتعالجين، عقد اتفاقية العلاج الموقع عليه مع الجهة المعالجة، حيث تكون التفاصيل والبنود المالية غير واضحة بشكل تام للزبون الذي يوقع على مبلغ معين " متفق عليه "، لكن بعد العلاج، يتضح أن ثمة بنود مالية غير واضحة للمتعالج في العقد، ويكتشفها لاحقًا، والتي دون دفعها يتم احتجازه إلى حين تدبير الأموال ودفعها ".
تقرير: للصحافيّة نرمين عبد موعد.