المحمية الطبيعية عين جدي واحة صحراوية تعج بالخضرة والحياة

تقع على السواحل الغربية للبحر الميت، طبيعتها خلابة ساحرة، ذات سيمفونيّة من الألوان، فيها تناغم وانسجام بين زرقة البحر الميت والخضرة النباتية الوارفة والألوان البنيّة ما بين الغامقة والفاتحة لتربة وصخور الصحراء. يتجلى فيها سحر الطبيعة بأحيائها ونباتاتها وتكويناتها الجيولوجية ومعالمها الاثرية، حيث استُوطِنَت هذه البقعة منذ أقدم الأزمنة لوجود مقوّمات الاستيطان الأساسيّة من مياه نقيّة جارية على مدار السنة وتربة خصبة صالحة للزراعة، وبسبب جمال طبيعتها على خلفية الصحراء القاحلة فأنها تستقطب السياحة المحليّة والأجنبيّة على مدار العام.

تمتد على مساحة 14،350 دونم، وتتدفق في أرجائها 4 ينابيع رئيسية، تقدر كمية مياهها السنوية بحوالي 230 مليون متر مكعب. مصدر هذه المياه هو تساقط الأمطار على أعالي جبال الخليل فتتغلغل في باطن الأرض وتتدفق من خلال ينابيع هذه المحميّة.

تُعرف سواحل البحر الميت، بما في ذلك منطقة عين جدي، جغرافيًّا على أنها منطقة ظل مطر، ذلك ان الرياح التي تهب من الغرب (من البحر المتوسط) تكون محملة بالرطوبة وعند ارتفاعها تسقط منها الامطار على السفوح الغربية لجبال القدس والخليل، وكلما انحدرت شرقا ازدادت درجة حرارتها وقلت امطارها، وعليه فإن المعدل السنوي للأمطار في منطقة عين جدي هو 60 ملم، ما يعني أنها منطقة صحراوية شديدة الجفاف.

بالإضافة لمياه الينابيع تتدفّق في المحمية في السنوات كثيرة الأمطار فيضانات شتوية، وتكون هذه الفيضانات في وادي عريجة أكثر مما هي عليه في وادي السدر، وذلك لصغر مساحة حوض وادي السدر التي تبلغ 18 كم²، في حين ان حوض وادي عريجة يبلغ 230 كم².

الشلال الكبير في وادي السدر – بعدسة أ. شابيرا

تنوُّع كبير في النباتات والأحياء

ما يميّز هذه المحميّة هو تعدّد نباتاتها واحيائها وذلك بسبب التباين الطبوغرافي، درجات الحرارة المرتفعة، انعدام ظاهرة الصقيع ووفرة المياه وجودتها العالية وجريانها دون توقف على مدار السنة، في وادي السدر/السدير، الواقع شمال المحميّة ووادي عريجة الممتد في أجزائها الجنوبية. 

مع أن مساحة المحميّة صغيرة نسبيًّا، إذا ما قورنت بمحميات صحراوية أُخرى، إلا أنه يوجد فيها حوالي 500 نوع من النباتات، منها ما هو من أصول صحراوية مثل كف مريم، شوك الضب، القرضي وغيرها، هذا بالإضافة الى نباتات اصلها من مناطق يسودها مناخ البحر الأبيض المتوسط، وتمتاز الواحة الصحراوية في عين جدي بوجود ما يقارب 60 نوع من النباتات من أصول استوائية فيها، وتسمى هذه الفئة من النباتات باسم " النباتات السودانية" وأصلها من مناطق السفانا الواقعة في شرق افريفيا.

هنالك اختلاف بين علماء النباتات حول أصول هذه النباتات، فهل هي تعود للعهد الجيولوجي المسمى ميوكين (ميوسين) أي قبل 20 مليون سنة، حين ساد مناخ استوائي في ارجاء بلادنا، وعند تغير المناخ بقيت بعض أنواع النباتات الاستوائية في عين جدي نظراً لأن الظروف المناخية ودرجات الحرارة المرتفعة تناسبها؟ أم انها تعود الى ما قبل 6000 سنة، حين ساد المنطقة مناخٌ أكثر حرارة ورطوبة؟

تعتبر المحميّة الحد الشمالي لانتشار بعض أنواع النباتات من أصول سودانية، كشجرة السمرة acacia tortilis))، والتي تسمى أيضاً " المظلة الشائكة"، لكونها ذات عدة سيقان ومنبسطة من الأعلى بحيث تبدو كالمظلة. وتعتبر هذه الشجرة موئلاً للعديد من الاحياء وكأنها واحة صحراوية صغيرة، ويمتاز عسلها بأنه ذو جودة عالية.

شجرة السمرة – بعدسة راضي عمر

تكثر في هذا الموقع أشجار السدر (Ziziphus spina – Christi)، التي منحت وادي السدر اسمه، وهي أيضاً من أصول سودانية، وهي شجرة شوكية لها أسماء أخرى عديدة ومنها: النبق، الدوم، شوك المسيح والكنار وغيرها من الأسماء. ثمارها حلوة لذيذة الطعم، تستعمل أوراقها في الطب الشعبي مع زيت الزيتون في تحضير معجون لعلاج الجروح الملتهبة.

ورد ذكرها في القران الكريم: " وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة" (سورة الواقعة).

شجرة أخرى سودانية الأصل نشاهدها في المنطقة هي شجرة العشير (Calotropis procera)، متوسطة الارتفاع، دائمة الخضرة، أوراقها لحميّة ذات لون أخضر رمادي، أزهارها بنفسجية اللون، ثمرتها جوفاء وتسمى الخرفع. تحوي بذورها كتلة من الالياف الحريرية، وتستعمل الالياف الموجودة في جذع الشجرة في صنع شباك الصيد والحبال والخيوط.

العشير – بعدسة راضي عمر

تحوي أغصان وأوراق هذه الشجرة سائلًا أبيضَ كالحليب، سامًّا جداً وقد يؤدي الى العمى، فيجب الحذر منه، ومع كونها سامة يستخرج منها مادة طبيّة هي جلوكوسيد العوشارين.

شجرة البان (المورينغا – (Moringa peregrina هي شجرة نادرة بشكل عام في مناطق صحراوية أخرى في البلاد، الا انها منتشرة في محميّة عين جدي، تزهر من اذار – أيار، ثمارها قرون طويلة قد يصل طولها حتى 30 سم، وبذورها تستعمل في صناعة المسابح.

شجرة البان - بعدسة أهاد بنياميني

شجرة الأراك (السواك) (Salvadora persica) شجرة دائمة الخضرة ذات أغصان متهدّلة، أوراقها ذات طعم طيِّب ورائحة زكيّة وهي صالحة للأكل للبشر، وكثيراُ ما نشاهد بعض حيوانات المحميّة العاشبة تقتات بأوراقها. ثمارها حلوة الطعم يأكلها الناس والطيور التي تقوم بنقل بذورها ونشرها في أماكن مختلفة.

شجرة الاراك – بعدسة راضي عمر

يحضَّر منها السواك، الذي يستعمل كفرشاة أسنان، وقد ورد ذكره في عدة أحاديث نبويّة ومنها: "السواك مَطهرَةٌ للفمِ مَرضاةٌ للرَّب"، وورد ذكر السواك في الشعر كثيرا، وفيما يلي مثال على ذلك:

حَظِيْتَ يا عودَ الأراك بثغرِها       أمَا خِفتَ يا عود الأراكِ أراكَ؟

لو كنتَ من أهلِ القتالِ قتلتُكَ        ما فاز مِنّي يا سِواكُ سِواكَ

عالمُ أحياءٍ مميَّز ومنوَّع

المحميّة غنيّة بأنواع الطيور المقيمة التي يمكن مشاهدتها على مدار السنة. حال وصولنا الى مدخل المحميّة نشاهد أنواعًا مختلفة من هذه الطيور مثل زرزور بحر لوط، اسمه العلمي   Onychognathus tristrami واسمه الإنجليزي Tristrams grackle ، وذلك نسبة لباحث الطبيعة الإنجليزي الأصل هنري بايكر تريسترام، وهو طائر ريشه أسود بشكل عام، وتحت جناحيه بقعة برتقاليّة اللون. منتشر على طول السواحل الغربية للبحر الميت وفي مناطق صحراويّة أخرى. 

زرزور البحر الميت – بعدسة ح. مويال

هنالك أنواعٌ أخرى متعددة من الطيور مثل الفسفس، عصفور الشمس الفلسطيني، الدوري، القليعي اسود الذنب، الغراب النوحي بني العنق، السماك أبيض الصدر والبلبل وغيرها، وتعج المحمية بأنواع عديدة من الطيور المهاجرة في كل من هجرة الخريف وهجرة الربيع. 

عصفور الشمس الفلسطيني - بعدسة ح. مويال

الغراب النوحي بني العنق – بعدسة ح. مويال

القليعي اسود الذنب – بعدسة ح. مويال

يكثر في المحميّة الطائر المدعو الثرثارة العربية. يعيش في مجموعات. كثير الحركة والصخب. ينشط بعد شروق الشمس وقبيل غروبها.

الثرثارة العربية – بعدسة ح. مويال

الكثير من أحياء المحميّة يصعب مشاهدتها نهارا، ذلك أنها تكون في أوج نشاطها ليلاً، كبعض أنواع القوارض كالنيص والفأر الشوكي وغيرها، الى جانب العديد من الحيوانات المفترسة اللبونة كالضبع المخطط، الذئب والثعلب الشائع. يجدر بالذكر انه قد عاش، في السابق، في هذه المحمية النمر الصحراوي، وهو يمتاز عن نمور أخرى بصغر حجمه، الا انه اختفى من المنطقة في السنوات الأخيرة.

من الزواحف نجد حرذون سيناء وإحدى أخطر أنواع الافاعي السوداء السامة جداً، والتي تنتهي لدغتها بالموت في الكثير من الحالات، وهي الافعى المسماة " الأسود الخبيث" التي تنسب إلى منطقة عين جدي حسب اسمها العلمي (Atractaspis engaddensis).

الأسود الخبيث – بعدسة اهاد بنيامين

أبرز الحيوانات اللبونة العاشبة في المحميّة هو الوعل النوبي ( Capra ibex nubiana). أرجله عضليّة قصيرة قويّة تساعده في تسلق الجبال، حيث يعيش في المنحدرات الجبليّة شديدة الوعورة، ورد ذكره في شعر أميّة ابن ابي الصلت، حين كان على فراش الموت:

كل عيش وان تطاول دهرًا        منتهى أمره الى أن يزولا

ليتني كنت قبل ما بدا لي          في رؤوس الجبال أرعى الوُعولا

أي ان الوعول تعيش في رؤوس الجبال. وَرَدَ ذكر ذلك أيضا في العهد القديم في سفر المزامير (104 – 18):  "الجبال العالية للوعول والصخور ملجأ للوبار".

يختلف الذَّكَر عن الأنثى بقرونه المعقوفة القويّة التي يصل طولها حتى 130 سم، وجسمه الأكبر من جسم الانثى، ورقبته العضلية لتساعده في حمل القرون الثقيلة التي كثيراً ما يستعملها في مقاتلة ذكور أخرى.

أنثى الوعل – بعدسة راضي عمر

كانت أعداد الوعول في الخمسينيَّات والستينيَّات من القرن السابق قليلة، أما في الآونة الأخيرة، ووفقاً لإحصائيات سلطة الطبيعة والحدائق المسؤولة عن المحميَّة، فإن عدَدَها يفوق ال 200 رأس.

نشاط الوعول نهاري ويمكن مشاهدة قطعانها خلال التجوال في أرجاء المحميّة نهاراً.

حيوان آخر نهاري منتشر في المحميّة هو الوبار، وهو حيوان لبون عاشب بحجم الأرنب، يعيش بين الصخور ليلجأ إليها في حالة الخطر، ولديه قدرة هائلة على تسلق الصخور والأشجار، وكثيراً ما يُشاهَد على أشجار السيال وأشجار الأراك ليقتات بأوراقها.

الوبار – بعدسة أهاد بنياميني

في المحميّة مسارات عديدة مؤشرة، منها الطويل الصعب المناسب لمحبي المشي وتسلق الجبال، ومنها ما هو قصير نسبياً ومناسب للعائلات، كالمسار من مدخل وادي السدير الى الشلال الكبير، وفي مدخل المحميّة مسار قصير متاح للمقعدين.