"مستلقٍ أنا على ظهري، في سريري المزين المزكرش"

مستلقٍ أنا على ظهري، في سريري المزين المزكرش.

انتظروني بلهفة شديدة، ولدت بعد حمل مرغوب فيه من ذي شهرين.

أنقّل نظري بين أغراض الغرفة، التي يصعب عليّ رؤية تفاصيلها.

أشعر بالخوف.

أحتاج إلى سماع صوت أمي ودقات قلبها، الأصوات التي اعتدت على سماعها وأنا في رحم أمي، أصوات تطمئن قلبي وتذكّرني بفترة سابقة آمنة ودافئة.

هل أبكي!

وما الفائدة؟ لن يُسمع صوت بكائي.

فها هي أمي تجلس في كرسيها المفضل، أو مستلقية على سريرها، على الكنبة، بثيابها المهملة

غارقه بمشاعر الحزن والفراغ، لا قوة لها ولا قدرة لتحرك ساكنًا.

لا رغبة لها في العيش. أتفكر بإنهاء حياتها وحياتي لتنجو من جحيم مشاعرها. ترعبني هذه الفكرة.

 عندما تطعمني، عندما تزيل عني حفاظي الرطب والوسخ، أو عند محاولتها تخفيف أوجاعي، وحدتي، خوفي وحاجتي إليها، فهي تقوم بكل ذلك بميكانيكية.

ميكانيكية: خالية من المحبة والتلهف.

لا أشعر بمحبتها لي، فرحتها بي وانفعالها من حركاتي، أصواتي وكل تطور صغير.

تجلس شائحة بوجهها عني، لا تنظر إليّ، لا تبتسم لي أو تضحك معي، لا تقلد أًصواتي التي أصدرها ولا تنفعل من حركاتي التي أعملها، علماً أن كل هذا يتطلب جهداً مني ووظيفة تطورية قد تتأخر إن لم تجد انفعالاً وتشجيعاً.

تارة أحاول ان أشعر باهتمامها ببكائي بكاءً عالي الصوت وقوّي النبرة، وتارة أستلقي على سريري أو كرسيي، أشيح بنظراتي عن أمي وأنقلها بين الأغراض في الغرفة. 

يا له من عالم مخيف، لا أمان فيه.

لا أشعر بالأمان. احتياجاتي لا تُلبّى وأنا الذي لا حول له ولا قوة.

وإحتياجاتي لا تعني فقط مأكلي، مشربي وملبسي. تعني، كذلك، الانفعال مني والتلهف عليّ، شعوري بمحبة من يرعاني وأهميتي عنده.

وجود ي في الحياة يعتمد على من يرعاني. فأنا كليّ التعلق به. وكما أسلفت، فأكلي وشربي، لبسي ونظافتي وحتى أحاسيسي، تعتمد عليه وعلى الطريقة والتوقيت في تلبية احتياجاتي.

سيرافقني هذا الشعور، شعوري بعدم الأمان... أن العالم مكان لا يطيب العيش فيه.

 سيرافقني كل أيام حياتي إحساس بالانطواء.

سيرافقني كل أيام حياتي تقدير متدنٍّ لذاتي. فمن ولدتني تتفادى النظر إلي، الابتهاج بي والتمتع معي.

حول سنتي الأولى لن أشعر بالأمان ولن أستكشف العالم من حولي وأحقق مهمتي التطورية. فأنا مشغول بخوفي وشعوري بعدم الأمان.

أما في سنوات الروضة وسنوات المدرسة الابتدائية فسأواجه صعوبة في التأقلم مع أبناء جيلي، وسأكون انطوائياً، لا أحسن بناء علاقات إجتماعية.

وفي سن المراهقة سأكون مُعرّضاً أكثر للاكتئاب ولمحاولات الانتحار.

وحتى في سن البلوغ، من المرجح أن ترافقني تداعيات سنتي الأولى في ظل اكتئاب أمي وتؤثر على استمراري ونجاحي في الدراسة، في العمل، في العلاقة الزوجيَة وعلاقاتي مع من حولي.

أما أنا، كاتبة هذه السطور، فقد تعمدت تسليط الضوء على الطفل وتداعيات اكتئاب أمه عليه وعلى نفسيَته لكل عمره.

فمن أجل الطفل، تحتاج الأم الوالدة إلى كثير من التعاطف، التفهم، الرعاية والمساعدة لتخطي هذه الأزمة.

فلا تتركونهن لوحدهم.

شادن يعقوب عبود

عاملة اجتماعية ومعالجة عاطفية

גאדה עבוד
موضوع رائع وبغاية الاهميه طبعا ومشكوره عزيزتي . لما الام وهي صغيره يجوز كانت مكان الطفل ومرت بنفس الشعور لذلك ومع الاسف ينقص توعية بمجتمعاتنا . عزيزي الطفل اسفين لانه كلنا نقرر عنك قدومك لعالم مرعب
الجمعة 2 حزيران 2023
رأيك يهمنا