مدانون بالإرهاب حتى تثبت "براءتنا"

دفعت، أحداث السابع من تشرين أول، بالأجهزة الأمنية الإسرائيلية الى صياغة طوق استخباراتي مستعجل يهدف الى "مواجهة" بل قمع الجبهة الرابعة "المتوقعة مسبقًا"، ألا وهي الجماهير العربية الفلسطينية في إسرائيل.

وقد تشكل هذا الطوق من نداءات استنفار خارجة عن العادة الأمنية الإسرائيلية المعلنة، فقد دعت الأجهزة الأمنية كلَّ من الجامعات ومؤسسات التعليم، وإدارات ودوائر العمل الحكومي والخاصّ، والجمهور الواسع من المجتمع اليهودي الإسرائيلي الى اتخاذ خطوات عملية لمراقبة وملاحقة المواطن العربي الفلسطيني في إسرائيل أينما تواجد أو تفاعل، بالممارسة والتعبير وعبر كل الوسائل المتاحة.

ورفع هذا الطوق شعارًا، لم يعد هناك أي حاجة لإخفائه، وهو أننا مدانون بالإرهاب حتى تثبت "براءتنا"، وبالفعل شنّ هذا الطوق الأمني سلسلة من الملاحقات والاعتداءات بحق كل "مشتبه به". والاشتباه بفعل الأحداث قد تحول من خطوة قانونية الى مزاج إسرائيلي عام يرى بالآخر داعما للإرهاب عن سبق إصرار بدون أي حاجة لبرهان أو دليل قاطع يمكن اعتباره مادة قانونية معترف بها في القضاء الدولي، بل تحوّل هذا الطوق الى شبكة ضخمة معتمدة في الأساس على الجيل الشاب من المجتمع اليهودي الإسرائيلي الذي أخذ على عاتقه مشروع "العين المراقبة" ليحقق بذلك سرديّة "الأخ الأكبر" الموجود في صفحاتنا الشخصية، مكاتبنا، هواتفنا، وفي عقولنا تقريبا.

ورصدت الجهات القانونية الفاعلة مع غرفة الطوارئ المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية أكثر من 200 حالة اعتقال في البلدات العربية خلال الشهر الماضي، من بينها أكثر من 105 حالات ملاحقة للطلاب والطالبات الجامعيين شملت إبعاد أكثر من 35 طالبًا وطالبة عن الدراسة الجامعية لتبيّن محصلة هذه الممارسات القمعية حقيقة السلطات الإسرائيلية التي تتعامل مع المواطنين العرب، كما خلصت لجنة "أور" إثر هبة القدس والاقصى عام 2000، كأنهم عدو. ترافقت هذه الحملة الفاشية والواسعة مع عدة انتهاكات صارخة بحق الملاحقين، وفقا لمتابعتنا، سأحاول إبراز أهمها فيما يلي:

  • حوّلت، هذه الحملة العنصرية، عمال وطلاب يهود (الشباب خصوصا) الى عملاء استخبارات مُكلّفين، بشكل غير رسمي، بتعقّب ورصد زملائهم العرب في العمل والدراسة. وبرز ذلك من خلال نشر ملفات وقوائم متعددة أنتجها طلاب وعمال يهود يلخصون بها منشورات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ويزعمون أنها تدين الطلاب والعمال العرب بالتحريض ودعم "الإرهاب"، وقد عممت مثل هذه القوائم العنصرية في عدة مجموعات علنية لطلاب الجامعات والكليات ومؤسسات العمل، وشكلت هذه الملاحقات غير الرسمية هجوما مسعورا على عدد كبير من الطلاب والعمال العرب وعرضتهم على العلن، والى يومنا هذا، لخطر الاعتداء والتحريض والهجوم من قبل آلاف المتطرفين والعنصريين، وجعلهم بنك أهداف مباشر لكل من سوّلت إليه نفسه بإقامة محاكم ميدانية بدون علاقة للمسارين القضائي والقانوني.

  • وشملت، هذه الحملة كذلك، عمليات تشهير بالمعتقلين على يد أجهزة الشرطة والشاباك، وجاء ذلك من خلال استخدام صورهم أثناء اعتقالهم أو داخل مراكز الشرطة. وهدف هذا السلوك الى إهانتهم واخافة الجمهور العام عبر إبراز تقييدهم بالأيدي وأحيانا بالأقدام، وتكميم أفواههم وأحيانا عيونهم، وتصويرهم مع العلم الإسرائيلي بعد الاعتقال وغيرها من ممارسات التخويف العلنية.

  • كما شهدت، هذه الحملة، عدة شهادات حول اعتداءات جسدية ولفظية ضد المعتقلين، أثناء عمليات الاعتقال وخلال التحقيقات وفي السجون، وأشارت الشهادات إلى أنّ معظم الاعتقالات التي أجريت في الأسبوعين الأولين قد شملت اعتداءات مباشرة ومنها الضرب بالعصي وأطراف الأسلحة وتقييد المعتقل بأصفاد بلاستيكية، والهجوم اللفظي بالذم والاهانة والصراخ وغيرها من الممارسات غير القانونية.

  • والحقيقة أن الشعور العام، هو أن التحقيقات والمحاكم التي تمت في ظل هذه الحملة، حملت صبغة سياسية واضحة حيث انها قامت او تبنت تأويل كل قول، أو اقتباس، أو صورة أو مقطع فيديو منشور أو متداول وكأنه فعل غير قانوني متعمد، لدرجة النبش بما وراء السطور في الآيات القرآنية والقصائد والصور والتعليقات التي لا تملك أي معنى، غير قانوني، في شكلها الواضح غير القابل للتأويل.

  • وذكرت في بعض الشهادات، بأنّ الشرطة قد استخدمت وسائل تهديد متنوعة ما بين الضغط الاقتصادي، والإبعاد عن التعليم والعمل وغيرها من الممارسات غير القانونية تجاه معتقلين لم تثبت إدانتهم بعد. وقد استهدفت السلطات في الأسبوع الأول عددا كبيرا من النشطاء والمؤثرين العرب الفاعلين عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ومنهم فنانين وإعلاميين وغيرهم. ويبدو أن هذه الملاحقات سعت الى محاصرة الرأي العام الفلسطيني في البلاد عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لا سيما من خلال تلك القنوات التي تحظى بأعداد كبيرة من المتابعين لمنعها من نشر أي محتوى مناهض للحرب أو متضامن مع غزة وفلسطين، حتى لو بالجانب الإنساني.

  • يشار الى أن هذه الحملة ترافقت مع حملة أخرى إعلامية رسمية وغير رسمية، عبر الإعلام التقليدي وشبكات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية، سعيا لمحاكمة علنية ومسبقة ضد كل المعتقلين بغض النظر عن التهم المنسوبة إليهم. بل وقامت بعض وسائل الإعلام الرسمية في إسرائيل بإتاحة المجال في حواراتها اليومية لانتقاد القضاة الذين قرروا الإفراج عن بعض المعتقلين العرب لعدم وجود أدلة تدينهم.. وكأننا مدانين بالإرهاب حتى تثبت "براءتنا"!

في الختام، لا بد من الإشارة الى أنّ غرفة الطوارئ المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا، ومختلف الدوائر الحزبية وغيرها من المجتمع المدني قد شكلوا طوقا واقيا أوليا لجماهيرنا يجب تدعيمه وتطويره وتعزيز عمله ضمن جهود محاصرة الممارسات الفاشية تجاه مجتمعنا الفلسطيني في البلاد، وصد الملاحقات السياسية والاعتداءات على حرية التعبير والحق بالتظاهر والتعليم والعمل وغيرها من الحقوق الأساسية التي ينبغي أن تكون مكفولة لكل إنسان في دولة تدعي الديمقراطية بشكل تلقائي، كم بالحري في فترات الأزمات. 


الصورة: لسيرين جبارين من أحداث أيار 2021.

شادي نصار

سكرتير عام الشبيبة الشيوعية وعضو في الهيئة المشتركة للكتل الطلابية في غرفة الطوارئ المنبثقة عن لجنة المتابعة العليا

شاركونا رأيكن.م