كُل حَرَكة إِلها أَثَر

بكل حَرَكة، بكل فِكرة، بكل حُضور…
في حَرَكة بِتأَثر.
بتفكّر إِنها ما بِتأَثر؟
شو مَع أَثَر الفَراشة؟
كل إشي ممكن.
في وقت الحرب، وَسَط الفوضى والتشويش، بِصير السُؤال: شو الّلي بقدر أَعمله؟ شو اللي بإيدي؟
في ناس بتفكّر إنه الحَرَكة، أو حتى فِكرة صغيرة، ما إِلها مَعنى قُدّام الوحشية اللي عَم نشوفها. بس الجواب مِش هيك.
في كلّ جسم، في كلّ إنسان، فيه نَزعة داخلية للبحث عَن الحقيقة، للبحث عن أَثَرنا.
أنا مُدرِّب حَرَكة، بَس قبل ما أكون هيك، أنا إنسان عَم بجرّب أفهَم حالي، أفهَم جِسمي، وأفهَم العالَم مِن خلاله.
جِسِمنا مكوّن مِن حَواس. وحَواسنا، مع تفكيرنا، هن الأَدوات اللّي عِنّا لَنِفهم الواقع.
لما ديكارت قال “أنا أفكر إذًا أنا موجود”، هو عبّر عن لحظة وَعي: إنه وجودنا مَربوط بقدرتنا على إدراك، على تَفكير، على حضور.
بَس شو لو زِدنا على هاي الجملة: “أنا أتحرّك إذًا أنا أُؤثّر”؟
شو لو كانت الحَرَكة، مِش بَس دليل على الحَياة، بل كمان أَداة للتغيير؟
شو لو كلّ خطوة، كلّ نَفَس، كلّ رَقصة، كلّ لمسة أَرض — هي نوع مِن المقاومة؟
مِن التّذكير إنه إحنا مِش آلات، مِش ضحايا، مِش متفرجين؟
أَنا مِش رَح أجي أقولكم إنه ٨٠٪ مِن الناس بِعانوا مِن آلام ظهر، أو إنه أغلب البشر عَم بفقدوا مرونِتهم مع الوَقت، أو إنه الجلوس الطَويل صار وباء عالمي.
هاي الإحصائيات معروفة… وانحَكَت كثير.
بسّ اللي ما بيِنقال كفاية، هو إنه الحَرَكة ما بتهمّك إلك بَس.
بتهِم الناس اللّي حواليك كَمان.
لما تتحرّك — لما تِرجع لنفسك، لجسمك، لصوتك الدّاخلي — بتْكون عَم تفتح باب لَغيرك يتحرّك كَمان.
بتْكون مِثال حيّ إنه في خَيار تاني غير الجُمود.
الحَرب بتكسّر النظام، بتكسّر الإيقاع، بِتحاول تجمّدنا.
بَس الجَسد بيِعرف كيف يرجّع نفسه.
بكلّ حَرَكة، حتى لو بَسيطة، الجسم بقول: "أَنا بعِدني هون".
بكلّ فكرة بتُخطر ببالنا، إحنا بنقول: "في مَعنى، في شُعور، في أَثَر".
لَمّا بَرقص — أو لَمّا بَشوف حدا يتحرّك بعفوية، بحضور، بتعبير — بحسّ إنّه في شيء أعمق عَم بيصير.
مِش مجرّد تمرين. مِش نشاط جسدي.
هو عودة للجذر، للطفل اللي جوّاتنا.
هو تَذكير إنه الحياة مِش بَس نجاة… الحياة إلها إيقاع، وعُمق، وأَمل.
هل التّفكير يَختلف عن الكلام؟
يمكن… بَس الجَسد بفكّر بلُغته الخاصة.
واللغة هاي أحيانًا بتكون أصدَق مِن الحَكي.
إحنا عايشين اليوم بواقع قاسي.
بَس إذا سَأَلنا حالنا: كيف مْنِقدَر نكمّل؟ كيف مْنِقدَر نحافظ على الأمل؟
الجواب أحيانًا ما بيكون بخطاب سياسي أو بخطّة عمل.
الجواب مُمكن يكون بجُملة بسيطة…
أو بحَرَكة جسدية صادقة، بترجّعنا إلنا.
فكلّ حركة بِتْأثر. كلّ فكرة بتزرع بِذرة. وكلّ حضور… هو فعل حُب ومقاومة.
حتى لو كان أَثَرها مِثل جَناح فَراشة.
كلّ شيء مُمكن.
ومن هون، بدّي أشارككم بقصة من قَلْب الواقع.
صَفاء، شابة مِن غزة، فَقدت والدها في الحَرب. سكّرت نادي الرياضة الخاص فيها، وتواصلت مَعي في شهر آب 2024 وقالتلي: "بدّي أتحرّك، بأيّ طريقة. ممكن تساعدني".
ضمّيناها لبرنامجنا الكامل، مجانًا، ومن أوّل يوم صارت تعيد الدّرس الأول أكتر مِن عشر مرّات. مِش لأنّه ما فهمته — بالعَكس، لأنها حسّت كلّ حَرَكة.
بعدين… صارَت تعطيه لغيرها. ناس حواليها بلّشوا يتحرّكوا معها. بلّشوا يحسّوا بأجسادهم مِن أوّل وجديد.
والتّغذية الراجعة منهم كانت مؤثرة جدًا — ناس بتِحكي عن لحظات هدوء، عن دموع نازلة، عن استرجاع عَلاقة مع الجسد.
صفاء بعدها كمَّلت. صارَت تعمل التّمارين بمخيمات للأولاد والكبار على حدّ سواء وتحوّل برنامجنا البَسيط لأداة مجتمعية.
وإحنا، بكلّ تواضُع، فَخورين إنا كنّا جزء مِن هاي الرحلة.
لأنه أحيانًا، اللي بنِعمله بْيَبْدو صغير… بس مْنِعرف — وشُفْنا — قدّيش تأثيره ممكن يكون كبير.
