رِوايَة القِصَص الّتي حاوَلوا مَحوَها: لِماذا أَنشَأْنا "Watermelon+"؟

في خِضَمّ الإِبادة الجَماعيّة، يُمكن أن يَكون الصَمت شكلًا مِن أَشكال العُنف. على مَدار العام الماضي، وبينما كان العالَم يُشاهد قصف غزة وقَمع الأصوات الفلسطينية حول العالَم، اتّضحت تمامًا حَقيقة مُؤلمة: هناك مُحاولة منسَّقة ليس فقط لتدمير الأرواح، بل لمَحو القِصَص.
مِنَ الحَظر الخفيّ لمنشورات على وسائل التواصل، إلى استهداف الصحافيين لمجرّد نَقلهم الحقيقةَ، إلى أفلام تُكافح لإيجاد منصّة تُعرض فيها. نحن نعيش لَحظة تُمَدَّد فيها عملية مَحو الوجود الفلسطيني إلى ما هو أَبعد مِن الجَسَد.إنها تتسرّب إلى المَجال الثقافي؛ إلى الذاكرة، والهوية، والأرشيف. وقد أُنشئ (Watermelon Pictures) كَرَدّ مباشر على ذلك.
ليست منصّة (Watermelon+) مجرّد خِدمة بَثّ أفلام. إنها فِعل استعادَة. إنها رَفض. إنها بَيت رقميّ للقِصص التي تَرفض أن تَصمت. أُطلقت بواسطة (Watermelon Pictures)، شركة توزيع تركّز على السينما الفلسطينية والمهمّشة، لتكون مساحة للأفلام التي طالما عاشت على الهامش؛ إما خضعت للرقابة، أو تم تهميشها، أو لم تتلق أيّ دعم.
بدأنا بسؤال بسيط لكنّه ملحّ: كيف سيبدو الأَمر لو لم يَكن على صنّاع الأفلام الفلسطينيين طَلَب الإذن؟ لو لم يكن عليهم التّنازل عن صوتهم مِن أجل الوصول إلى الأسواق؟ أو تلطيف مواقفهم السياسية إرضاءً للجهات المنظِّمة؟ ماذا لو كانت قصصنا-الصادقة، الفوضوية، الجميلة-لها بيتها الخاص؟
حتى اسم المنصّة "Watermelon+" (البطيخ+) هو إشارة للمقاومة الإبداعية. خلال فترات القمع، عندما كان العلم الفلسطيني محظورًا، استخدم الفنّانون البطّيخ -بألوانه الأحمر، والأسود، والأبيض، والأخضر- كأداة رمزية وهوية وطنية بديلة. تُواصل منصّتنا هذا النّهج: فَرِحة، متمرّدة، ولا يُمكن تجاهُلَها.
شاهَدنا في أعقاب السابع من أكتوبر والهُجوم المدمّر على غزة كيف خَذَلت المنصّات الكبرى ووسائل الإعلام السائدة الأصوات الفلسطينية مرّة بعد مرّة، حتى بينما كان الأطفال يُدفنون تحت الأنقاض، وتُمحى عائلات بأكملها من الوجود، ويُقتل الصحافيون بأعداد غير مَسبوقة، لم تتجاوز السرديّة السائدة في الغرب تحويل حُزننا إلى أرقام مُزعجة أو قضايا سياسيّة مُحرجة. لكنّنا نعرف أن قصّة واحدة أكثر تأثيرًا مِن ألف رقم. قصة واحدة يُمكن أن تَهدم سرديّة كاملة.
من خلال (Watermelon+)، لا نَحفَظ الأَفلام فحسب، بل نَحفظ تاريخنا وثقافتنا. منذ إطلاقها، تُعدّ المَنَصة الأرشيف الأشمل للسينما الفلسطينية حتى اليوم. لكنّها ليست للفلسطينيين فقط. بل لكلّ مَن شَعَر يومًا بأنه أُسيء تَمثيله، أو تم تجاهل صوته، أو حُذف مِن المشهد. خلال العام المُقبل، سنعرض أفلامًا مِن السودان، وباكستان، وحركة "حياة السّود مُهمّة". عَدَسَتنا محدَّدة، لكنّ تضامننا واسع.
يُحبّ الفلسطينيون إطعام الناس، لذا ندعوكم إلى مائدتنا-وسنُطعِمُكم قِصَصنا.
نَحن نُحب المقولة: "حاولوا أَن يَدفِنونا، لكنّهم لم يَعلموا أَنّنا بذور"، الأفلام على Watermelon+) ) هي تلك البُذور، تَنمو بحرّية وتحدٍ حتى في أكثر البيئات عداءً. من واجبنا أن ننشرها-لنُعيد إنسانيتنا، ونُذكّر، ونُقاوم.
هذه ليست مجرّد منصّة. إِنّها تدخّل ثقافي. أرشيف مُضاد في زَمَن المَحو. في وقت تُبرمج فيه الخوارزميات لإخفائنا، وتَخشى فيه المؤسسات مَنحَنا مساحة، بَنَينا بيتَنا بأيدينا (Watermelon+). هو المكان الذي نحفظ فيه ذاكِرَتنا ونتخيّل فيه مستقبَلَنا.
![]() |
---|
وفيما يُشيح الآخرون بوجوههم، نَحن نُشغّل الكاميرا. نَحن نَنقل الحَرَكة إلى شاشة السينما، ونَدعو العالَم ليُشاهد، ويَشعر، ويتحرّك.
في وقت يُدمَّر فيه الكثير، مَنَصّتنا هي فِعل بناء. فِعل أَرشَفَة. فعل تأَكيد على أنّنا موجودون، كُنّا دائمًا موجودين، وسنستمر في سَرد قصصنا- ليس كضحايا، بل كشهود. كفنانين. كبشر.
نَحن فَقَط في البداية.

حمزة علي
المؤسّس الشّريك، ل "Watermelon Pictures".