إنَّ مشروع "هي تغامر"  "she hikes" هو مبادرة شخصية تسعى لتحقيق مبادرات نسائيّة اجتماعيّة؛ لقد كبُرتُ في بيتٍ بعيدٍ عن الطبيعة والمغامرات، ومع الوقت، فهمْتُ معنى هذا الجانب في حياتي، فتوّلد لديّ عطشٌ إلى الحياة الموجودة في الطبيعة. بعد إنهائي اللّقب الأوّل، بدأتُ اكتشف طبيعة العالم حولي، في خارج البلاد وداخلها، وقد وقعت في حبّه. لم اكتشف حبّي للطبيعة فقط، بل اكتشفت كيف تغيّرتُ كشخصٍ، شخصيّتي تبلورَت وجسدي صارَ أقوى بكثير.

لكنَّ، البداية كانت مختلفة، حيث بدأت بمسارات مع مجموعات منسَّقة حتّى أكون في أُطرٍ مضمونة، رغمَ وجود سلبيّات عديدة لهذه الأطر منها التكلفة الأسبوعيّة الباهظة، الالتزام بمجموعات كبيرة وتقدّم المجموعة في المشي. عندما قرَّرت الخروج إلى الطبيعة معَ أَصدقاء، كان التجوال صعبا، ولإيجاد معلومات مدوّنة كنت أَبحثُ في اللغة العبريّة، لعدم توفّر مدوّنة واضحة في اللغة العربيّة. لذلك، قرَّرت ببدء تعلّم الملاحة، بناء مسارات على الخرائط وكيفيّة تدوين تفاصيل المسار بشكل صائب. هذا كلّه ساعدني في التّطوّر في بناء "مسارات استكشافيّة"؛ هذه المسارات تحمل تحديًا أَكبر، أماكن غير مكتشفة أو مدوَّنة من قبل، مسارات بلا اسم. هذا النوع من المسارات كان الأكثر تميُّزًا وتأثيرًا في مسيرتي الشخصيّة. هناك تحديّات مختلفة خضتها خلال الأعوام الأربع الأخيرة، فطبيعة مسارات البلاد غريبة رغم صغرها إلّا أنَّها متنوّعة، فشمال البلاد يختلف تمامًا عن جنوبها، حتّى في معدّات المسارات. لقد تجوّلت في أكثر من 150 مسارًا في البلاد، كذلك خُضت مساراتٍ متعددة الأيّام مع تخييم، تضمّ 3- 4 أيام، منها مسارَين خارج البلاد. التّجربة الأولى في الجبال خارج البلاد، كانت في مسار دام لأربعةِ أَيّام في أَيسلندا، وهو المسار الذي تركَ في مسيرتي أثرًا كبيرًا. بالمقابل، مع كلّ هذه التجارب، أُدرك تمامًا أنّه ما زال ينتظرني الكثير من المغامرات، وأَنّني في بداية المسيرة فقط.

مع الوقت تمرّست في مهارات المشي، فزادت قدرة تحمّلي للصّعوبات، فبدأت أخوض مسارات بشكل مكثَّف، وجدْتُ أنَّ أصدقائي في المسارات بغالبهن من الرجال لا النساء.  عندها، فهمت طريقة التفكير المترسِّخة في عقولنا؛ والّتي قمتُ، أنا شخصيًّا بمواجهتها، والوقوف أمام كلّ ما ترسّخ في أذهان من حولي، حتّى ولو كان أقرب الناس إليّ. من جهة، الطريقة التي نتربّى فيها تُذَوِّت فينا، نحنُ النساء، فكرة البقاء في البيت أكثر؛ فَـ "البنت ممنوع تطلع لحالها" أو "ما بتقدر" أو "ما بتدبِّر حالها" وغيرها من العبارات كما "الوعر مش للبنات" أو جملة "رح يصير معك اشي ويحكوا علينا الناس". من جهة أخرى، حسب رأيي الشخصيّ، تهمّش قدرات النساء بوضع خانة اهتماماتهنّ فقط ضمنَ لوائح المكياج، الأظافر، الملابس، والموضة وتبعاتها. مع الوقت، غُيّبت المرأة من المشهد الّذي أقترحه، أنا، عبر مدوّنتي "هي تُغامر"، فالمرأة لم تُخلقْ لتكون وراء المرآة أو وراء مجلى الصحون، تحديد اهتماماتنا مهمّة نحنُ النساء، كجزءٍ مؤثّر في المجتمع. 

هكذا، وُلدت فكرة "هي تغامر" عام 2020 – المشروع الذي يهدف إلى تدوين عربيّ لخرائط ومعلومات عن مسارات عديدة، في البلاد وخارجها. وذلك، لنسهّل ونوضّح الطريق لكثيرٍ منَ النّساء، ليخضْنَ تجارب مشابهه، فيها مغامرات محفوفة بالمخاطر تؤكّد قوّتهن. فيتعرّفن على عالم المسارات اللا محدود. ليس التدوين محصورًا في صورة حلوة، أو فيديو قصير معبّر عبرَ منصّة الإنستغرام فقط، إنّما يكمن في موقع إلكترونيّ يدوّن حقيقة المسارات في الطبيعة وكلّ المعلومات الّتي أقوم بتوفيرها بطريقة هيّنة وذات مرجعيّّة.

تساعدنا المنصّة "هي تغامر" على تغيير الأفكار المسبَقة عن النساء، وكيفيّة رؤيتنا لدورنا كنساء في المجتمع من خلال مشاركة قصص نساء في الطبيعة وعرض التحديّات التي يمررْن بها بطريقة تفيد الآخرين. وجود صورة مختلفة لنساء في أجيال متباينة، وتغيير المعايير الّتي رسمها أمامنا المجتمع أهداف تريد المنصّة تحقيقها. فضلا عن غايتنا في بناء مجتمعٍ نسائيّ يُشجّع على الاستكشاف، لنوفّر للنّساء كلّ الأَدوات اللازمة لخوض مغامرة جديدة.

تحتاج المسارات لتخطيط وفهم المنطقة، هناك مسارات صعبة أكثر، أو تتطلّب سيارتين لأَنّها مسارات خطّيّة. في البلاد مثلا، هناك مسارات تطلُب ملاءمة مسبَقة مع الجيش لدخولها. هذه المعلومات مهمّة قبل البدء بالمغامرة.

تدوين مسارات خارج البلاد ترك تأثيرًا كبيرًا لدى متابِعات الصفحة، منها المسار الذي خضته كتجربة أولى لوحدي في جبال القوقاز في السنة الماضية. شاركت تفاصيل السفر والنوم في الجبال، لأَنّه مختلفٌ تماما عن جبال البلاد، فوجدْت كثيرا من النساء تشاركْن رغبتهنَّ في خوض تجربة مشابهة لتأثيرها الإيجابيّ على حياتهنّ. 

أفضل وسيلة لنشر المعرفة والمرجعية الصحيحة هي تدوين كل المسارات في الصفحة والموقع، يحتوي التدوين على تفاصيل مثل نقطة البداية، النهاية، حدة الطلوع ودرجة الصعوبة. أُضيف معلومات عامّة عن الموقع، ورأيي الخاصّ بالمسار. يمكنكم زيارة موقعنا هنا

يتطلب هذا العمل وقتًا ومجهودًا شخصيًّا، الصعوبة التي واجهتني، عدم وجود وقت كافٍ لحياتي المهنيّة مع كتابة وتدوين كلّ المسارات على الموقع وصفحة الإنستغرام. الصعوبة الأساسيّة تكمن في عدم وجود أشخاص تتطوّع لتطوير الصفحة. عدم وجود تمويل مادّيّ للعمل يصعّب بناء طاقم عمل جيّد، حتّى اليوم، يتابع المشروع العمل بكل الظروف، لأنّه ذو هدف سامٍ، إذ نطمح بمساعدة نساء كثيرات بالوصول إلى أعلى القمم. العمل صعب، ولكنّنا قويّات كفاية للقيام به.

تابعوا الصفحة على الانستغرام والموقع تحت اسم "she hikes  هي تغامر" ، شاركْنَ مساراتكنّ والتحديات التي تواجهكنّ. وإذا كان هناك من يحبّ المساهمة معنويا أو في تمويل العمل لتكوين طاقم عمل، الباب مفتوح دائما لأشخاص جديّين وذوي التزامٍ. 

حنان تناصرة

حاصلة على لقب أول في الهندسة المعمارية، باحثة في مجال الهندسة المعمارية المبرمجة ومؤسسة مشروع "هي تغامر"

شاركونا رأيكن.م