مزيان وتعريفات الفرح
لطالما كنت معجبة بالفن الإسلامي الذي انعكس في العمارة والرسم، وفي أيام دراستي لمجال الهندسة اكتشفت أمرا مذهلا، وحتَّة أكون صادقةً، إنَّ حاجتي الى التركيز هي التي قادتني لهذا الاكتشاف، الأمر بدأ بخربشات، وإن صح الوصف خربشات منتظمة، تشبه الفنون الاسلامية ولا تلتزم بقواعدها، أشكال وخطوط ملأت أطراف صفحات كتبي اكتشفت فيما بعد أنها تساعدني على التركيز، في حينه لم أدرك ان هذه "الخربشات" ستشكل نمطا وأسلوبا سيغدو ما يعرف بلغة الفنون والموضة "ستايل" خاص بمزيان، تطور هذا الخط وحافظ على هوية مزيان في كل إصدار لمجموعة جديدة، في بادئ الأمر تطور الموضوع ليغدو منتجا اقتصر على "coasters"، بعدها تطور ليغدو زينة تدعى "مزيان" وهي المرأة الجميلة بلهجة أهل المغرب العربي.
في شتاء العام 2015 كنت أقف وراء أول طاولة مبيعات تحمل اسم مزيان في شارع يافا تحديدا في مقهى المحطة، أتاح لي مشروعي الصغير أن أتعرف على مزيانات كثر من شتى القرى والبلدات العربية في بلادنا، اتسعت رقعة المبيعات أكثر، واستوجب الأمر بتشجيع من الأصدقاء وحتى الزبائن توجيه النظر إلى العالم الواسع، فافتتحت المتجر الإلكتروني الخاص بي في موقع etsy، وأذكر جيدا أن الطلبية الأولى كانت من نصيب نيوزلندا لينتشر بعدها إلى أكثر من 40 دولة حول العالم من كندا وحتى كوريا الجنوبية، إضافة إلى ما يزيد عن 125 مدينة أمريكية.
الانتشار السريع لمزيان قاد لمفاجآت غير متوقعة على الأقل بهذه السرعة لبريدي الإلكتروني، أذكر جيدا ذلك اليوم الذي تلقيت فيه رسالة تحمل عرضا للمشاركة في المعرض الدولي للمجوهرات "سييراد" الذي يقام سنويا في أمستردام، المشاركة في معرض في المتحف البريطاني في لندن وفي عدد من العواصم الأوروبية أيضا، وكان الانضمام إلى دكان الاكسسوارات التابعة لمسارح "برودواي" في نيويورك حدثا فارقا بالنسبة لمسيرتنا أنا ومزيان التي لم تخلُ من التحديات، رغم أنني أرويها الآن بسلاسة من شأنها أن تُشعر القارئ أن الطريق كانت وردية! لم تكن كذلك كما أنها لم تكن قاتمة!، فالتحديات بداخلنا كنساء عربيات نمارس الرقابة على أنفسنا أكثر من ميلنا لخلق واقع يشبهنا. ففي بادئ الأمر أيقنت أنه عليَّ التنقل بسلاسة بين قبعة الفنانة وقبعة المرأة صاحبة المصلحة التي عليها أن تفكر باستمراريتها وتوسعها بالتوازي مع التفكير الإبداعي، وهذه نقطة نتوقف عندها في الكثير من الأحيان ظنا منا أن التركيز على الفن أسمى من تسويقه!
التحدي الأكبر الذي خاضه مزيان بالفعل إلى جانب كافة المصالح الفنية وغير الفنية كان الكورونا، القدرة الشرائية لدى الناس تراجعت لتقتصر بأحسن الأحوال على الأساسيات، وفي ظل وضع كهذا عزف الناس عن شراء الكماليات خاصة مع جلوسهم في البيت! في أحسن الأحوال يرتدون ما يملكون من قطع مزيان في اجتماع زوم!
نتعامل نحن الفلسطينيين مع الفن بكثير من النوستالجيا وكأننا نعيش حالةً من الحنين للفن الذي كان قبل نكبتنا لأننا نحنُّ فعليا لحياتنا قبلها، لكن هذا لا يمنع برأيي من إنتاج فن جديد خارج حدود الموروث الفني إن صح الوصف المتمثل بالتطريز، بالخارطة وبحنظلة، هي رموز تميزنا وتروي قصتنا، لكن قصتنا لم تنتهِ وطالما الإنسان موجود بإمكانه بل من واجبه أن يصنع فنا يتأثر ويؤثر ويعبر عن فكره، وباعتقادي كل الفنون التي تنتج اليوم هي إثبات على استمراريتنا، ومزيان في مواسمه المختلفة عبر من خلال الحلي عن الموسيقى والرقص والأزهار وعن عمارتنا التي تميز مدن الساحل وعن تضاريس بلادنا وجمالها. لذلك لطالما اعتبرت أن مزيان إلى جانب العديد من الأعمال الفنية المعاصرة فنا فلسطينيا حديثا.
ما يفرحني صراحة، أن الناس تميز مزيان، باتت تعرف النمط جيدا، أذكر مرة في البدايات قالت لي إحدى زبوناتي وهي تختار لنفسها عقدا وحلقا من أحد المعارض، أنه خلال اختيارها للقطع تتخيل ما تملك من قطع ملابس وتحاول ملاءمتها مع حلي مزيان، مؤخرا وصلني من إحدى زبوناتي أنها تلقت هدية عقد من مزيان وأنها ستشتري له فستانا خاصا. باختصار هذا أحد تعريفات الفرح!
حنان مصالحة
مهندسة معمارية وصاحبة مشروع "مزيان - Mizyan"، حلي وإكسسوارات مستوحاة من العمارة الإسلامية. دمجت بين الهندسة والرسم واستثمرت موهبتها في مشروع یعكس فن المشربيات وهو عنصر معماري یتمثل بالنقش والزخرفة