أين المستشارات للنهوض بمكانة المرأة في السلطات المحلية العربية؟

تعتبر قضايا المرأة والمساواة الجندرية أحد المواضيع الحارقة في المجتمع عامّةً والمجتمع العربي خاصّةً، كونها تحمل في طيّاتها عادات وتقاليد محافظة حول شؤون المرأة ومكانتها. لا تكفّ المنصات الإعلامية والمنابر الاجتماعية عن عرض ومناقشة قضايا المرأة، كيف لا وظاهرة العنف ضد النساء آخذة في الازدياد ولا تفارق العناوين الإخبارية. 

ويأتي السؤال، ماذا تفعل السلطات المحلية العربية لتعزيز مكانة المرأة، لمناهضة ظاهرة العنف ضد النساء، ولمعالجة قضايا النساء على الصعيد المحلي؟ هل تقوم بأبسط واجباتها التي يفرضها عليها القانون كسلطة مسؤولة عن إدارة شؤون مواطنيها وخدمتهم؟ 

قبل أكثر من عشرين سنة، وتحديدًا في العام 2000 تم سن قانون السلطات المحلية (المستشارة للنهوض بمكانة المرأة) (في ما يلي: "القانون" أو "قانون المستشارة") الذّي يلزم كل سلطة محليّة بتعيين مستشارة للنهوض بمكانة المرأة، ولاحقًا في العام 2008 مرّ القانون بتعديلات جوهريّة وواسعة جدًّا ليصبح بصيغته التي نقرأها اليوم. وفق القانون، وظيفة المستشارة هي العمل في نطاق السلطة المحلّيّة، بين سكّانها وعامليها، من أجل تعزيز مكانة المرأة والمساواة بين الجنسين، والقضاء على التمييز ضدّ النساء، ومنع العنف ضدّهن.

حسب القانون، على المستشارة القيام بعدّة أمور من أجل أداء وظيفتها، منها: المشاركة الفاعلة في تحديد سياسات السلطة المحلّيّة، بالتنسيق مع رئيس السلطة المحلّيّة وأعضائها، من أجل تعزيز مجالات عمل الوظيفة واختصاصها، الإشراف على تنفيذ هذه السياسات، وتخصيص الموارد لهذا الشأن؛ دراسة التداعيات المترتّبة على قرارات السلطة المحلّيّة المتعلّقة بمجالات عمل ومهام الوظيفة فيما يخصّ المساواة بين الجنسين، وتقديم وجهات النظر الجندريّة؛ التعاون مع الأفراد والهيئات والمؤسّسات الفاعلة ضمن السلطة المحلّيّة في مجالات مهام الوظيفة؛ تحديد الاحتياجات والمجموعات السكّانيّة ضمن السلطة المحلّيّة في مجالات مهام الوظيفة، من أجل إعداد الخطط والبرامج المناسبة لهم؛ تعزيز الوعي العام في مجالات مهام الوظيفة من خلال التعليم، التوجيه والإرشاد. 

لكي تستطيع المستشارة القيام بوظيفتها، ألزم القانون السلطات المحلية بتخصيص بند في الميزانية السنويّة لتمويل نشاطات المستشارة. 

إضافةً لذلك، يلزم القانون السلطة المحلية بدعوة المستشارة لجميع جلسات هيئة المجلس البلدي ولجميع جلسات لجان المجلس، ويجب أن تعطى لها فرصة التعبير عن موقفها قبل اتخاذ أي قرار يتعلّق بمجال وظيفتها، أو يخص نساء البلدة أو موظفات السلطة المحلية.

كل ما ذكر أعلاه، لا يدلّ إلّا على أهميّة وواجب إشغال وظيفة المستشارة في السلطات المحلية، منحها المساحة والأدوات اللّازمة للعمل، وإشراكها في اتخاذ القرارات في هيئة المجلس البلدي واللّجان المختلفة.   

للأسف، رغم مرور أكثر من عقدين من الزّمن على سنّ قانون المستشارة، إلّا أن السلطات المحلية العربية لم تذوّت بعد أهمية هذه الوظيفة التي شرّعت في قانون خاصّ وعينيّ، معتقدةً لربما أن القانون جاءَ كمجرّد توصية، رغم الحاجة الماسّة لتفعيل "منظومة" المستشارة في كل بلدة من البلدات العربيّة نتيجة الواقع الصعب الذي تعيشه المرأة في المجتمع العربي. هل يعقل أن المعطيات القاسية حول ارتفاع معدّل قتل النساء في الدولة في العام 2022 لم تثر أيّة اهتمام لدى السلطات للبدء بأخذ الخطوات الجديّة لمحاربة هذه الظاهرة؟!     

وفق المعلومات الأوّلية الموجودة بين أيدينا، من بين 85 سلطة محليّة عربيّة هناك فقط حوالي 8 سلطات تشغل وظيفة المستشارة للنهوض بمكانة المرأة بشكل قانوني (من دون التطرق لمنحها الميزانية ومركزها في السلطة). من هنا فالغالبية الساحقة من السلطات العربية تلغي بذلك إمكانية القيام بوظائف المستشارة التي حددها القانون وإمكانية العمل على رفع مكانة المرأة في البلدة. 

بالتطّرق لصلاحيات السلطة المركزية، يذكر أنه بموجب قانون المستشارة فإن المسؤول عن تطبيق هذا القانون هو وزير الداخليّة. من ضمن صلاحياته، يمنحه القانون صلاحيّة تعيين مستشارة للنهوض بمكانة المرأة في السلطات التي لم تعيّن مستشارة. للأسف، هناك استهتار مشابه للواقع الموجود في السلطات المحلية من قبل وزير الداخليّة، حيث لم نشهد منذ سن القانون خطوات جديّة من قبل وزير الداخلية تدلّ على تفعيل صلاحيته لتعيين مستشارات في السلطات التي لم تقم بواجبها. 

مؤخرًا انطلق مشروع مشترك بين جمعية "محامون من أجل إدارة سليمة" وجمعية "إيتاخ معكِ - حقوقيات من أجل العدالة الاجتماعيّة" هدفه إحداث نقلة نوعيّة في عمل ودور السلطات المحلية العربية على تعزيز حقوق النساء والمساواة الجندرية، وذلك من خلال تعيين مستشارات للنهوض بمكانة المرأة بموجب القانون، منحهن الصلاحيات والحيز المطلوب لنشاطهن وبناء مجموعة وإطار مهني يتضمّن المعرفة والأدوات اللازمة لرفع مستوى عمل المستشارات والارتقاء بمهامهن الوظيفية وفقًا للقانون ولمعايير الإدارة السليمة. 

وجود مستشارة للنهوض بمكانة المرأة في السلطة المحلية بشكل قانوني، تقوم بوظيفتها المحدّدة في القانون بالاستناد على الميزانيات التي تم تخصيصها من قبل السلطة المحليّة لتمويل نشاطاتها، يشكل دورًا مركزيًا ومهمًّا في تعزيز مكانة النساء والمساواة الجندرية والاهتمام بقضايا المرأة.

كما ذكر أعلاه، ضمن وظيفتها تعمل المستشارة في نطاق السلطة المحلّيّة لمنع العنف ضد النساء. إذًا، وبالذّات في هذا الوقت وبالتّزامن مع حلول شهر آذار، شهر المرأة، كيف تساهم السلطة المحليّة التي لم تعيّن مستشارة للنهوض بمكانة المرأة لمناهضة ظاهرة العنف المستشرية ضد النساء، وهي لم تقم بإشغال المنصب المسؤول عن معالجة هذه الظاهرة؟ حان الوقت أن تضع السلطة المحلية على سلّم أولوياتها الاهتمام بقضايا المرأة ومناهضة ظاهرة العنف ضد النساء، والخطوة الأولى هي تعيين مستشارة لتشغل المنصب كما يملي القانون. 

مع الأسف، استهتار السلطات في إشغال وظيفة المستشارة ضاربةً بعرض الحائط التعليمات القانونيّة المختلفة هو خلل إضافي في إدارة السلطات المحلية، يمسّ بحقوق النساء وبأسس الإدارة السليمة ومبدأ احترام القانون. 

ريماز خطيب

محامية وعضو الطاقم القانوني لجمعية "محامون من أجل إدارة سليمة"

شاركونا رأيكن.م