عن دور النساء في المشاريع البيئية - مشروع "دكان الملابس معادة الاستخدام" كنموذج
الأسباب التي أدت لإقامة مشروع دكان الملابس معادة الاستخدام
التغيير المناخي وتأثيره على الكرة الأرضية أصبح حقيقة واضحة وجليّة يهدد البشرية وكل المخلوقات الحيّة جمعاء والطبيعة التي تحيطنا، وكل ما له علاقة بالبيئة بمعناها الواسع. بتنا نتابع مستجدات الأمور المتعلقة بالبيئة على المستوى العالمي والمحلي ونفتش عن طرق للمساهمة ولو كانت أولية وبسيطة بإبطاء التأثيرات الناجمة عن هذا التغيير.
نحن مجموعة نساء عسفاويات متطوعات تحت اسم "عسفاوية أنا" ونساء قياديات من لجان الحارات التي أخذت على عاتقها تطوير الحارات في عسفيا، التحقنا بدورة استكمال بموضوع البيئة بمرافقة جمعية "مواطنون من أجل البيئة" ومن خلالها انكشفنا لمواضيع بيئية مختلفة وكانت هناك سلسلة محاضرات قيّمة في هذا الموضوع وأهمها في مجالَيْ مكافحة "هدر الطعام و"هدر الملابس " وتأثير الموضة السريعة على أنماط الاستهلاك.
المحاضرة "ضحايا الأزياء" عرضت أمام عدد كبير من المستمعات ولاقت أصداء إيجابية وكان للمحاضرة وقع كبير علي، مما دفعني أن آتي بفكرة إقامة دكان الملابس معادة الاستخدام مستفيدة من الفترة الانتقالية بين المواسم وما ينطوي عليه من عادات تعريب للخزائن المكدسة بالملابس، والتي تجد بعضها الطريق إلى مكبات القمامة.
ضحايا الأزياء
الهدف الأول هو التوعية المجتمعية
كما هو معلوم، القطاع الصناعي والنسيج من أهم الصناعات في العالم ولكنه أكبر القطاعات الملوثة للبيئة؛ فبعض الأبحاث تشير إلى الأخطار الناجمة عنها، ومنها انبعاثات الغازات الناتجة عن إنتاج المنسوجات المختلفة إذا نظرنا من أول نقطة في سلسلة التوريد حيث إنتاج المواد الخام وتصنيعها انتهاء بإيصالها إلى المستهلك، فهي الأكثر استهلاكا و هدرا للطاقة والمياه، ومن ثم التخلص من الملابس بعد استخدامها يُعد مستنزفا لموارد العالم والأكثر تلويثا، أي أكثر من الانبعاثات الناتجة عن الرحلات البحرية والجوية مجتمعة. إن هذا القطاع الصناعي يعد ثاني أكبر مستهلك للمياه، إذ يحتاج إنتاج قطعتين من الملابس القطنية إلى 25،000 لتر من المياه، ( 25 كوب من الماء) ما يعادل كمية الماء التي يشربها الإنسان في عامين ونصف، كما يتم استهلاك خَمسة تريليونات من الماء في صباغة الأقمشة، ويكفي هذا القدر لملء مليوني حوض سباحة أوليمبية.
هوس الاستهلاك
هدف آخر يدعم فكرة إقامة المشروع، هو تغيير أنماط الاستهلاك وليس فقط بما يتعلق بالملابس بل بكل الأغراض التي نقوم بشرائها. تغيير أنماط الاستهلاك وتغيير الأنماط الاجتماعية التي تشجع على الركض وراء الموضة والماركات العالمية، وتعتمد هذه الظاهرة بشكل أساسي على تعزيز النزعة الاستهلاكية وتبدل الرغبات السريع لدى المستهلك، وذلك من خلال توفير بيئة تتجاوب بمرونة مع متطلباته وإمكاناته المالية ومزاجه المتغير، فنرى أن نظرة الشباب أساسًا للملابس اختلفت وباتت تتصدر أساليب التعبير عن الذات والحالة النفسية، حيث أصبحت الثياب رمزا للانتماء للطبقي وتحسيدا لهوية الشخص ومن يريد أن يكون، بل أصبحت تلبي حاجات عاطفية لدى المستهلك وتملأ فراغا لديه. شركات الألبسة استغلت الأمر، وباتت تقصر من عمر استخدام الملابس وصلاحيتها وخفضت من أسعارها ولم تعد تنتج الملابس مرتين في العام كما اعتادت، شتاءً وصيفًا، بل باتت تخلق لكل مناسبة وحدث زيًّا وتصميمًا، طمعًا بالأرباح. وجولة سريعة في مكاتب البريد تشهد على رزم الملابس التي باتت تتوالى من مواقع المبيعات عبر الإنترنت ك"علي اكسبرس" و"ايبي" وغيرهما، وبعدها نراها تصل على شكل نفايات إلى الدول الفقيرة وخاصة في القارة الأفريقية وهنا تكمن مأساة اخرى، بالنظر إلى ما يعيشه الغرب من وفرة وبذخ في المقابل.
قيمة العطاء
تبدل المواسم يحتم علينا إعادة ترتيب خزائن الملابس وهذا المشروع يمنح فرصة العطاء ومنح الملابس غير المستعملة لغيرنا الذين من شأنهم أن يستفيدوا منها، ما يفسر الإقبال الكبير على مشروعنا وكميات الملابس الكبيرة ومن بينها حتى الجديدة التي وصلتنا من أفراد وحتى دكاكين للألبسة التي اضطرت للإغلاق عقب أزمة كورونا.
قيمة توفير النقود
"خلي قرشك الأبيض ليومك الأسود!"
المشروع يعطي فرصة لاقتناء الملابس بأسعار رمزية وزهيدة، مما يساعد على توفير المال وإدارته بصورة حكيمة وهي فرصة كذلك لاختيار الملابس التي تلائمنا بعيدا عن اعتبارات الموضة، بالإضافة إلى كونها حلًّا لأزمة تكديس الملابس التي يعاني منها غالبيتنا.
مواقع التواصل الاجتماعي والحواجز النفسية
مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تتوقف منصاتها عن الترويج لملايين السلع والمنتجات في حين همّها الأول والأخير التسويق وزيادة الأرباح، دون أي اهتمام بالتلوث البيئي الذي ينتج وما يترتب عليه من أضرار. أغلبية المستهلكين يتابعون حملات التنزيلات الهائلة عبر شبكات التواصل الاجتماعي ويقومون باقتناء الملابس وغيرها من الحاجيات وهي أحيانا تسوّق بالضبط مثل حوانيت السلع معادة الاستخدام أو هي أصلا حوانيت يد ثانية، فربما تقبل هذه الأنماط من الصفقات يكون أسهل لأنها مخفية عن عيون المجتمع. حتى الآن لم نستطع أن نتخطى فكرة إعادة ارتداء ثوب كان لغيرنا وما زالت هناك حواجز نفسية أو اجتماعية تمنعنا من القيام بذلك. اعتدنا تقاسم ملابسنا مع الأخوات والجارات والصديقات وأحيانا وهبنا أثوابنا للأحفاد والحفيدات دون تردد وبمحبة بالغة رغم تمسكنا بهذه الملابس، فربما مشروعنا هذا يكون ملهما لمتابعة هذه العادات الاجتماعية الجميلة في الشراء والمقايضة التي اعتدنا عليها في محيطنا القريب.
سيارات معادة الاستخدام وأثاث قديم
نحن جميعا نشتري سيارات يد ثانية ونتباهى بالحديث كم كانت صفقة مربحة وقمنا بتوفير مبلغ وقدره من المال واغتنام فرصة ممتازة، أو نفتش في الأسواق العالمية والمحلية عن أثاث أوروبي قديم نحضره إلى بيوتنا ويكون حديث الصالون في بيوتنا ونعبر بكل شغف وإثارة وفخر عن هذا الأثاث القديم، فلماذا يصعب علينا شراء الملابس من دكان يعرضها باستخدام معاد؟
في العالم الغربي أصبحت ظاهرة الحوانيت يد ثانية شائعة ومقبولة جدا وخاصة تقاسم الملابس التي استعملها مشاهير العالم فيفتخرون باقتنائها ويتبادلون الروايات حولها.
فلسفتي الحياتية
هذا المشروع بالنسبة لي مساهمة بسيطة ووعي كامل لإنقاذ البيئة من تأثيرات إنتاج قطاع الملابس، يكفي أن نعرف عن الكم الهائل من النفايات الصلبة التي يتم إلقاؤها في مدافن النفايات كل عام، ما يسبب أضرارًا بيئية بالغة على الموارد الطبيعية مثل المياه الجوفية والتربة والهواء، وإذا فكرنا للحظة في عملية صناعة الملابس وماذا يحدث بعد التبرع بملابسنا أو رميها، سنجد العديد من الحقائق المخيفة والقبيحة، سواء فيما يتعلق بحقوق العاملين في هذا القطاع، فكلنا نعرف أن القوى العاملة المُستعبَدة في صناعة النسيج هم من النساء والأطفال من دول العالم الثالث الذين يعانون من الفقر المدقع ويتقاضون أجورا زهيدة ويعملون بظروف قاسية هي أقرب لللعبودية. بالنسبة لي، القميص معاد الاستخدام هو بمنزلة قيمة أخلاقية من أجل المحافظة على البيئة أولا ومن ثم تخفيف معاناة القائمين على إنتاجه، هذا القميص يمثل نمط تفكيري الشخصي ورؤيتي للأشياء من حولي؛ من أنا؟ وهل أستطيع أن أساهم في التغيير لصالح الأجيال القادمة؟ وكيف أمارس مسؤوليتي الشخصية تجاه البيئة والمحيط الذي نعيش به وما شكل المستقبل الذي سأخلفه للأجيال اللاحقة؟
كاتبة المقال: امتياز منصور، المبادرة لمشروع "دكان الملابس معادة الاستخدام" في قرية عسفيا وعضوة في حراك "عسفاوية أنا".
امتياز منصور
المبادرة لمشروع "دكان الملابس معادة الاستخدام" في قرية عسفيا وعضوة في حراك "عسفاوية أنا"