سلوك الإعلام الإسرائيلي في تغطية الحرب
أثناء عودتي الى البيت، في إحدى الليالي الشتوية الماضية، كان الراديو مُشغلًا على الاذاعة العبرية التابعة لهيئة البث الاسرائيلية، غالبًا استمع لنشراتها وبرامجها، المهم، كان الحديث مع مختص بالشؤون الافريقية، وتحدث أن الغالبية العظمى من سكان جنوب أفريقيا يتبعون للطائفة الانجليكانية الأصولية، وأتباع هذه الطائفة خصوصًا بالغرب، يعتبرون من مؤيدي اسرائيل. فسأله المحاور "إذًا كيف لهؤلاء أن ينتخبوا قيادة تقف ضد اسرائيل؟"، فكيف أجابه المختص بالشأن الافريقي برأيكم؟ طبعًا لم يقل له أن هذه الدولة وهذا الشعب ثار على نظام فصل عنصري (أبرتهايد) وبالنسبة له من الطبيعي الوقوف ضد كل نظام أبرتهايد، لم يقل هذا ولا شيء من هذا القبيل حتى. "العينتين" ادعى أن الشعب اختار هذه القيادة لأنه في جنوب أفريقيا ليس كما في الولايات المتحدة، لا يسألون المرشح قبل الانتخابات عن موقفه من اسرائيل، لذلك اختاروا هذه القيادة، وأنه شمالي جنوب أفريقيا هنالك دولة تدعى موزمبيق فيها غالبية مسلمة متطرفة مثل "حـMـاس"ويومًا ما ستفهم جنوب أفريقيا من هم "هؤلاء". هذا كان تحليل المختص بالشأن الأفريقي وسط تصفيق وتأييد من المحاورين طبعًا.
في مقابلة أخرى تحدثوا مع مختص أمريكي عن التأييد الكبير للقضية الفلسطينية في صفوف الشباب الأمريكي، خصوصًا التابع للحزب الديمقراطي وهذا يختلف عن مواقف الجيل الأكبر. فكيف حللوا هذه الظاهرة برأيكم؟ ليس بأن الجيل الشاب يتلقى الأخبار من وسائل التواصل وليس من الاعلام الرسمي مثلًا، ولا لأن الجيل الشاب في أمريكا يعارض سياسات دولته تجاه الشعوب الفقيرة، لا، بل المشكلة برأيهم أن هؤلاء شبان ينقصهم الوعي، وعندما يكبرون سيفهمون الحقيقة ويعودوا لتأييد اسرائيل!
كان الحديث في مقابلة أخرى عن جمهور الفنانة الأمريكية تايلور سويفت وكيف أن معظمه يؤيد القضية الفلسطينية، فقالوا أن السبب هو أن هذا الجمهور عبارة عن مراهقين جاهلين وأن على اسرائيل الوصول الى سويفت نفسها لتعلن موقفها وتؤثر عليهم ليفهموا "الحقيقة"!
تسمعهم يتحدثون ويستغربون من وقوف العالم ضدهم، تسمع تساؤلات مثل "ضدنا نحن؟ نحن نقتل؟ نحن؟ يتهموننا نحن؟"، تتساءل اذا كان هذا مجرد غباء ووقاحة، ثم تتمعن جيدًا وتسمع المزيد من التصريحات، فتفهم أنه قد يكون في الأمر شيء من الغباء لكنه ممزوج بالكثير من العنصرية والفوقية المتجذرة لديهم.
تجند الاعلام الإسرائيلي في صف المؤسسة العسكرية، هو جزء شكل هذه الدولة، ويتكرر في كل عدوان أو كل حدث، باستثناء بعض الحالات القليلة، فالإعلام في إسرائيل هو جزء من المؤسسة وليس منظومة مستقلة، على الأقل في فترات الحروب، والأمر أصبح لا يثير استغراب أحد، ولكن المثير للاستغراب وللتعجب، هو الحالة التي يبدو عليها الإعلاميون والصحافيون في إسرائيل، فالأمر لا يقتصر على نقل الرواية الإسرائيلية والترويج لها، بل بحالة من الغرور والفوقية والعنصرية، تنعكس من خلال حديثهم ونقلهم لهذه الرواية، كيف لصحافي يدعي الإنسانية والمهنية أن يتجاهل موت الآلاف من الأبرياء، من الأطفال، من النساء، أن يتجاهل حتى موت الصحافيين وهم زملاء له في نفس المهنة، أن يردد روايات الجيش وينكر حتى الفيديوهات والصور التي يرونها، واذا كان تلقي الأخبار كان يقتصر على ما يصل من الناطق بلسان الجيش في سنوات ماضية، فإن قنوات التلغرام وتطبيقات ومواقع التواصل، صارت تنقل كل شيء حرفيًا. كيف يقبلون على أنفسهم هذا السقوط الأخلاقي، والفارق كبير بين أن تؤيد دولتك وموقفها وبين أن تتجاهل الحقائق وتتعامل مع قتل المدنيين على أنه لا شيء.
الصحافي عميت سيغال يصف في صفحاته وقنواته القتلى الفلسطينيين بالمخربين، ويفاخر بفيديوهات تفجير البيوت والأحياء، لكن عميت سيغال، صحافي اليمين، ليس وحيدًا في هذا، فمواقفه هذه تشبه مواقف السواد الأعظم من الصحافيين اليهود، مثلًا أفري غيلعاد، يقول بأنه يجب احراق كل الكتب في غزة وطباعة كتب جديدة لأطفال غزة على أهواء إسرائيل، تخيلوا، هذا صحافي، رسالته يجب أن تكون رسالة حرية رأي ومهنية، يقول أمر كهذا، ليس فقط الدعوة لاحتلال شعب آخر والتحكم به، بل حتى بفرض المنهاج التعليمي عليهم. وهذه مجرد نماذج بسيطة عما نراه ونسمعه كل يوم.
قد تنتهي هذه الحرب قريبًا، ستفارقنا، غالبًا لن تكون اسرائيل فيها المنتصرة، ولكن هذه النفسيات وهذه العنجهية وهذه الفوقية في التعامل وهذا الغرور المدموج بالكثير من الغباء، يبدو أنه لن يفارقنا في الوقت القريب.
الصورة للصحفيين بن كاسبيت وعميت سيغال، أخبار القناة 12 الاسرائيلية (صورة ملتقطة عن الشاشة).