ماذا لو لم يدخل أي حزب عربي للكنيست؟

من خلال النقاشات مع الناس في هذه الفترة، هناك من يستخف من فكرة عدم عبور أي حزب عربي لنسبة الحسم وهو سيناريو متوقع، ويقول بما معناه "ما الذي يفعله أعضاء الكنيست العرب لنا أصلًا".

ربما يكون عدم دخول الأحزاب العربية للكنيست، بسبب قرار وحدوي مسبق من قبل لجنة المتابعة للمقاطعة بسبب من آلت إليه إسرائيل من عنصرية، أو بسبب قانون عنصري معين، ربما يكون عدم الدخول لهذه الأسباب، مقبولًا أو حتى مطلوبًا، ولكن ألّا تدخل الأحزاب للكنيست لأن المجتمع العربي لم يخرج للتصويت، هذا سيناريو سيء وخطير وقد يصل إلى درجة الفضيحة.

لو أردنا التحدث عن نشاط أعضاء الكنيست واقتراحات القوانين التي يقدمونها والقضايا التي يتابعوها والاستجوابات وغيرها حول العنف والمساواة والطلاب وغيرها، بالإمكان الدخول لموقع الكنيست وايجادها، وطبعًا هنالك تفاوت بينهم.

ولكن الأمر لا يتعلق بهذا فحسب- أين يكمن الخطر في عدم عبور الأحزاب العربية؟ في هذه الانتخابات أو في انتخابات قادمة؟ (قد تكون قريبة)

  1. أولًا، منذ 4 سنوات، هذه الانتخابات هي الخامسة، وقد نجد نفسنا أمام انتخابات سادسة، ويفشل اليمين المتطرف كل مرة بتشكيل حكومة، فقط بسبب وجود الاحزاب العربية، إذا سقطت هذه الأحزاب الآن ستتوزع مقاعدها على المعسكرات الأخرى وغالبيتها ستكون لليمين، لمعسكر نتنياهو، وسيشكل حكومة ثابتة لسنوات. ما الخطر فيها؟ هذه المرة مثلًا بن غفير سيكون مع 13 مقعدًا على الأقل، ونتنياهو ملزم بأن يرضيه، لأنه يريد تشكيل حكومة بأسرع وقت لينجو من المحاكمة، طيب ما الذي يرضي بن غفير وحزبه؟ يطالب بوزارتي الأمن الداخلي والقضاء، وربما التعليم والداخلية أيضًا.. كيف سيؤثر هذا على حياتنا؟ بتعليمات للشرطة بقتل كل مشتبه عربي مثلًا كما حصل مع الشاب من الناصرة قبل أيلم؟ كل شبابنا سيصبحون مشاريع قتلى (بحجة مكافحة العنف).. بمنع التحدث بالعربية في اماكن معينة (بحجة قانون القومية).. بتغيير المنهاج الدراسي وتحويله الى منهاج غسيل دماغ صهيوني خالص.. وبأمور كثيرة أخرى سيأتون بها واحدًا تلو الآخر كي لا نشعر بها كضربة واحدة ولا تكون لنا فرصة للاحتجاج. طبعا ناهيك عن مخططاتهم في القدس والاقصى وفي الضفة وغيرها، التي لا يخجلون بالمجاهرة بها.

  2. ثانيا، قضايانا اليومية البسيطة التي نلجأ الى اعضاء الكنيست بها، مشاكل الطلاب في الخارج وقت أزمة كورونا، الاعترافات بالمواضيع الجامعية، قضايا لم الشمل، مشاكل المجالس المحلية (بشهادة رؤساء المجالس) وظاهرة الاجرام المنظم وقضايا عديدة أخرى يتوجه الناس بها لأعضاء الكنيست يوميًا، ينجحون بحل بعضها ولا يتمكنوا بحل البعض الآخر، ولكن بدونهم سنجد أنفسنا بلا عنوان، وطبعًا عضو الكنيست اليهودي التواصل معه ليس ممكنا كما العربي، وليست لديه النية بمساعدتنا أصلًا.

  3. ثالثًا، القوانين العنصرية الصغيرة والاقتراحات التي تطرح بالكنيست يوميًا، لن يكون هناك من سيواجهها ولو بالصراخ والاعتراض .. هل تذكرون قانون منع الاذان وكيف كاد أن يمر لولا تدخل الطيبي والنواب العرب وضغطهم على الحريديم كي يمنعوا تمريره؟ تخيلوا لو لم يكن أي نائب عربي بالكنيست وقتها، لمر القانون بهدوء، ولفُرض علينا بهدوء أيضًا، حتى لو عارضناه في البداية. والأمثلة عديدة ويومية.

  4. رابعًا، المطالبة اليومية بحقوقنا، حتى لو أنها لا تتحقق دائمًا، ولكن أن يكون هنالك من يطالب من كل المنابر يوميًا بحقوقنا، ويدافع عن طلابنا ويطرح قضايانا، حتى لو تحقق 1% منها، هذا لن يفعله سوى النائب العربي الذي يعيش ما يعيشه مجتمعه، والذي جاء ليمثل مجتمعه في الكنيست، وليس عربان الاحزاب الصهيونية الذي يمثلون احزابهم في مجتمعهم.

  5. خامسًا، الوقوف في وجه مخططات الاحتلال في القدس وفي الضفة وفي غزة، ولو بكلمة كأضعف الايمان، ولو باستغلال الحصانة البرلمانية والتواجد في الأقصى أو الدفاع عن أسير مضرب عن الطعام أو التظاهر في مسافر يطا أو شعفاط أو في أي مكان، أو تذكيرهم وفضحهم عند قيامهم بمجازر في غزة وغيرها.. وهذا لا يقل أهمية عن العمل على قضايا مدنية، فلا فصل بين المدني وبين القضايا الوطنية، وواجب كل سياسي عربي أن يدافع عن شعبه من كل منصة.. حتى الذئاب تدافع عن اخوتها، ألا ندافع نحن ولو بأضعف الايمان عن اخوتنا الذي يقبعون تحت الة الاجرام والابرتهايد؟! لماذا يحق لليهودي التعاطف والسعي لمساعدة أي يهودي في العالم ولا يحق للسياسي العربي أن يقف مع شعبه وقضاياه؟ ولماذا نقبل أصلًا أن يناقشوا معنا هذا الأمر؟! وما قيمة السياسي الذي يختار عدم التحدث عن القضايا والثوابت الوطنية؟ ما حاجتنا له؟ وما الفرق بينه وبين عرب الليكود وغيرهم من عربان الاحزاب الصهيونية؟

  6. سادسًا، استغلال هذه المنصة، لفضح سياسات اسرائيل أمام العالم. سيقول أحدهم أن اسرائيل تستفيد من وجود نواب عرب لمنظرها كدولة ديمقراطية أمام العالم، وأقول أنها تستفيد من وجود عربان في الحكومة أو عربان يدافعون عنها، وهؤلاء أصلًا بإمكانها جلبهم وصناعتهم بسهولة خصوصًا اذا سقطت الاحزاب الوطنية (لبيد تفاخر مؤخرًا بوجود وزير عربي في حكومته وحزب عربي في ائتلافه الحاكم) .. ولكن أن يقوم النواب العرب وعبر استغلال منصتهم بفضح هذه الدولة يوميًا أمام المجتمع الدولي والتحدث عن عنصريتها وجرائمها، هذا يحرجها أكثر مما يفيدها بالادعاء أنها دولة ديمقراطية.

  7. سابعًا، الفراغ الذي ستتركه الاحزاب العربية لن يبقى فراغًا، ستتسرب اليه الاحزاب الصهيونية وعربان الحكومة والانتهازيين والمتصهينين وغيرهم، وهذا سيقتل ما تبقى من وعي وطني في مجتمعنا وسيعيده إلى فترات نخجل بأن نتذكرها حتى .. وسقوط الاحزاب يعني سقوط منظومة حضارية راقية، رغم كل مآخذنا عليها، ولأن مجتمعنا كأي مجتمع آخر، يبحث دائمًا عن التكتل بفئات معينة، سقوط الاحزاب سيعزز العائلية والطائفية من جديد، وهذا سيء.. لماذا أقول سقوط الأحزاب؟ لأن عدم عبورها يعني عدم تلقيها للتمويل من الكنيست، والاحزاب قائمة وتتنفس فقط بسبب التمويل، وهذا يشمل حركات الشبيبة والخلايا الطلابية بالجامعات وغيرها، سقوط الأحزاب يعني سقوط هذا كله، وانظروا إلى الأحزاب التي خرجت من الكنيست، الديمقراطي العربي والقومي العربي، ببساطة، اختفت.

أخيرًا، صوت يتحدث باسمي وينادي بما أنادي به، أفضل من صوت يحرض علي ويعاديني ويستهدف مقدساتي وشعبي.. بكل بساطة، وفقط أقلية مجنونة هي التي تتنازل عن منصة بالإمكان تحسين ولو 1% من ظروفها.

ويبقى السؤال، ماذا سنقول لأولادنا واحفادنا اذا سألونا يومًا كيف سمحنا بأيدينا بأن تسقط الأحزاب العربية التي تمثلنا، وأن يتسبب هذا بتسليم رقابنا لفاشيين ينادون علنًا بطردنا من بلادنا وقتلنا وهدم مقدساتنا؟!


مصدر الصورة المرفقة للمقال.

بكر جبر زعبي

كاتب وصحافي ومحرر موقع "بكرا"

رأيك يهمنا