ماذا يريد بايدن من الناخب الإسرائيلي؟

تمتاز العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وإسرائيل بكونها شراكة استراتيجية ثابتة وغير متزعزعة كما يدعي المسؤولون الأمريكيون في تصريحاتهم الرسمية، ولكنها في نفس الوقت علاقة ثنائية غريبة الملامح حسب المعايير المتبعة دوليا. فقد يبدو واضحا لأي محلل سياسي أن هذه العلاقات المتينة بين البلدين الشريكين أثبت دون أي شك حيويتها واستمراريتها على مدى العقود السبعة الماضية ليس فقط فيما يتعلق بالدعم الأمريكي السياسي والاستراتيجي والاقتصادي غير المشروط لأمن وبقاء إسرائيل إنما يضم أيضا تأييد واشنطن المنحاز لسياسات إسرائيل الداخلية والإقليمية والخارجية بالرغم من تجاوزاتها الصريحة والمتكررة للقانون والعرف الدوليين وخصوصا فيما يتعلق بسياسة إسرائيل تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه المشروعة والمعترف بها دوليا وعلى رأسها الحق في العيش بحرية وكرامة وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على الأراضي المحتلة عام 67.

وقد أدت خصوصية هذه العلاقة إلى استنتاج بعض الخبراء في السياسة الدولية والشرق الأوسط أن قرب العلاقة بين البلدين ودقة التنسيق السياسي والأمني فيما بينهما جعل من المستحيل الفصل بين مواقف ومصالح الولايات المتحدة الخاصة من ناحية، وسياسات إسرائيل ومصالحها من الناحية الأخرى ولذلك يعتقد الكثيرون حتى في الولايات المتحدة أن سياسة واشنطن تجاه المنطقة أصبحت تصاغ في تل أبيب وتنفذ في واشنطن.

قد تكون هذه المقولة دقيقة بالنسبة للنزعة العامة للسياسة الأمريكية في المنطقة، ولكن هذا لا يمنع من فترة لأخرى بأن تسعى الولايات المتحدة للدفع إلى تحقيق أهداف معينة خاصة بها, حتى لو واجهت هذه الأهداف بعض المعارضة لدى الإسرائيليين. وقد شاهدنا ذلك في الماضي خصوصا في ظل الفترات الانتخابية في إسرائيل حيث حاولت الإدارات الأمريكية المتتالية التدخل في مجريات هذه الانتخابات والتأثير على نتائجها لخدمة مصالحها الخاصة. فماذا تريد واشنطن إذن من هذه الانتخابات?

أولا, تريد الولايات المتحدة لإسرائيل أن تنتخب حكومة مستقرة وفاعلة قادرة على إدارة البلاد على المدى البعيد, دون اللجوء إلى انتخابات جديدة للمرة السادسة خلال سنوات قليلة مما يؤثر من وجهة النظر الأمريكية على استقرار الأمن الإقليمي وضمان تحقيق الأهداف الأمريكية في المنطقة.

ثانيا, ترغب واشنطن في أن تضم الحكومة الإسرائيلية الجديدة تحالفا فاعلا يدعم السياسات الأمريكية في المنطقة وخصوصا فيما يتعلق بالعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني، ومجابهة المعارضة لهذا الاتفاق داخل إيران وخارجها. ومن هنا نشير إلى التخوف الأمريكي من عودة نتنياهو وحزب الليكود إلى سدة الحكم بسبب معارضتهم المبدئية لتوقيع أي اتفاق نووي مع إيران.

ثالثا, تتمنى إدارة الرئيس بايدن بأن يقوم الناخب الإسرائيلي بانتخاب حكومة جديدة تتفق معها كليا بخصوص النزاع الحالي بين واشنطن وموسكو فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية وإسقاطاتها السياسية والاقتصادية الدولية. وتأمل الإدارة الأمريكية من الحكومة الإسرائيلية الجديدة بأن تكف عن التعاون مع موسكو وعدم مساعدتها في التحايل على أنظمة المقاطعة التي فرضها الغرب على الاتجار مع روسيا.

رابعا، تفضل واشنطن عدم انتصار الليكود وأنصاره من اليمين الديني والقومي اليهودي لأسباب تتعلق بموقف إدارة بايدن بخصوص القضية الفلسطينية. وبالرغم من اقتناع الإدارة الأمريكية بأن المرحلة الحالية في الشرق الأوسط غير سامحة أو مهيأة لحل تفاوضي سلمي بين إسرائيل والفلسطينيين لكنها ما زالت متمسكة بحل الدولتين وترغب بوجود حكومة إسرائيلية متقبلة لهذه الفكرة، حتى لو كان ذلك في المدى البعيد. ومن هنا الترحيب الأمريكي بتصريحات رئيس الحكومة الحالي يائير لابيد بهذا الخصوص أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة مؤخرا.

د. خليل جهشان

أستاذ العلاقات الدولية ومدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في واشنطن

شاركونا رأيكن.م