ماذا ربحت الأحزاب العربية وما الذي خسرته؟ والأهم.. ما الأضرار علينا جميعًا؟ وهل كان بالإمكان كبحها؟
كانت هذه الانتخابات أقل توترًا وشراسة من الانتخابات السابقة التي شهدت حربًا شعواء وجولات من التحريض. استفاد البعض منها وقتها طبعًا، وأرادها.
الجبهة والعربية للتغيير- كانت هذه القائمة هي الأكثر عرضة للانتقادات وللتهجمات، كونها تمثل إرث المشتركة فصب الناس غضبهم واستيائهم من المشتركة، عليها. وبسبب اقتناع شرائح عديدة في المجتمع برواية التجمع بأنه تعرض للغدر من الجبهة والعربية للتغيير ليلة تقديم القوائم، وبسبب عدم ترشح الدكتور يوسف جبارين الذي يتمتع بشعبية كبيرة خصوصًا بالمثلث الشمالي، وبسبب عدم ترشح النائب الأنشط في الكنيست، أسامة السعدي، وبسبب تدني شعبية بعض من مرشحي هذه القائمة.. فإن نجاحها بتحقيق قرابة الـ 180 ألف صوت، 5 مقاعد، هو انجاز كبير لم يكن متوقعًا في الأيام الأخيرة خصوصًا.. كسبت هذه القائمة تجند كوادر الجبهة في كل البلدان كحالة طوارئ، رغم كل الاستياء والغضب، وكسبت تجند كوادر العربية للتغيير أيضًا بشكل كبير وغير مسبوق في كافة المناطق، والطيبة نموذج، حيث حصدت القائمة أغلبية بفارق كبير عن منافسيها. عززت الجبهة نفسها بـ4 نواب (3 لفترة كاملة وواحد لنصف فترة) بعدما كان عدد ممثليها في المشتركة 3 أما العربية للتغيير فستحافظ في النصف الثاني للدورة على تمثيلها بنائبين، رغم أن هنالك من راهن بسقوطها أو في أفضل الأحوال بعودتها الى نائب واحد.. فيما باعتقادي خسرت هذه القائمة هدفها الأهم، على الأقل وفق ما قالته في حملتها، وهو عدم السماح لليمين الفاشي بالوصول الى الحكم، حيث نجح اليمين بتحقيق الاغلبية التي احتاجها وفشلت الاحزاب العربية هذه المرة في منعه. كما وخسرت الكثير من التأييد أو التعاطف بسبب اقتناع شرائح عديدة من الناس برواية التجمع حول ما حصل ليلة تقديم القوائم.
الموحدة - نجحت القائمة الموحدة بتحقيق أكبر عدد من الأصوات لحزب عربي بدون تحالفات في تاريخ مجتمعنا، قرابة الـ200 ألف صوت، وهذا انجاز انتخابي كبير، فرغم كل التوقعات حول هبوطها في النقب، خصوصًا بعد وفاة سعيد الخرومي الذي كان محبوبًا بشكل كبير وبعد كل ممارسات الحكومة التي كانت الموحدة بداخلها ضد أهل النقب وبعد كل ما كشفته صفحة المختص، وغيرها من الأسباب.. رغم كل هذا، ارتفعت الموحدة بشكل كبير في النقب، وأكدت مرة أخرى أنها تعرف كيف يؤكل الكتف، في النقب على الأقل، وكيف تكسب الأصوات والمؤيدين. ولا يمكن عدم الإشادة بانتباه الموحدة لبدو الشمال، والتوجه لهم بشكل مباشر، وترشيح مرشح منهم في الموقع الخامس (الدكتور ياسر حجيرات) وهذا ما لم يفعله أي حزب من قبل، ونحن نتحدث عن عشرات آلاف الأصوات. ناهيك أن قسم كبير من بدو الشمال صوت في الماضي لأحزاب صهيونية ولا يقتنع كثيرًا بالخطاب الوطني وحتى أن بعضهم لا يعرف نفسه فلسطينيًا بقدر ما يقول عن نفسه بدوي مسلم اسرائيلي (خصوصًا الذين يخدمون في الجيش) ولا أعمم، وجاءتهم الموحدة "حسب الطلب"، حزب اسلامي بخطاب اندماج تام في الساحة الاسرائيلية.. وأخيرًا لا بد من الحديث عن حقيقة أن نهج الموحدة (وهو نهج سيء وخطير جدًا بنظري) يقنع فئات عديدة من مجتمعنا، بعدما وصلت هذه الفئات الى حالة يأس كبيرة من الوضع القائم.. نجحت الموحدة؛ بطرق عديدة، بينها أنها القائمة الأغنى، بتحقيق هذا الرقم القياسي الكبير.. أما خسارتها، فهي كبيرة أيضًا، فغالبًا فقدت الموحدة فكرة بيضة القبان وفقدت فكرة ممارسة النهج الجديد والمقايضة، فهذه الحكومة غالبًا لن تعطي الموحدة أي مجال للاستمرار بنهجها، فهي لا تحتاجها، وهذا سبب الغضب الذي بدا على وجه منصور عباس في أول مقابلة صحفية بعد النتائج رغم أن حزبه كان قد حقق 5 مقاعد. وسبحان الله الآن أصبح منصور عباس يقول عن هذه الحكومة المرتقبة بأنها عنصرية وقد تجمد كل الميزانيات والقرارات التي أقرتها الحكومة السابقة، وهو الذي استمات دفاعًا عن نتنياهو وجلوسًا في "الحنيون" ومحاولة تبييض اليمين بتكرار الادعاء أن لا فرق بين يمين ويسار، والتملق للراڤ دروكمان وغيرها من المحاولات، وحتى ما قبل هذه الانتخابات، استمر بالقول إنه يؤيد التواجد بحكومة يمين.. والآن اكتشف أنهم "عنصريين". حققت الموحدة انجازًا انتخابيا كبيرًا، وخسرت -غالبًا- نهجها الجديد. وستجلس الآن في "كراسي الاحتياط" مع الآخرين.
التجمع- بلا شك أن الرقم الذي حققه التجمع كان كبيرًا ومفاجئًا، قرابة الـ 140 ألف صوت، هذا الرقم كان بعيدًا عن توقعات أغلب الأطراف، فقط التجمع بقيادته وناشطيه كانوا يتوقعون عبور نسبة الحسم أو الاقتراب منها. لهذا، فإن تحقيق هذا الرقم يعتبر انجازًا كبيرًا خصوصًا وأن الحملة كانت خلال فترة قصيرة. ولكن نسب كل هذه الأصوات كأصوات خالصة للتجمع فيه شيء من المبالغة، وشيء كبير.. وحديث بعض أعضاء التجمع بأن حزبهم نصب نفسه كثاني قوة في المجتمع العربي، مبالغة كبيرة أيضًا.. لا شك أن هنالك قوة لا يستهان بها للتجمع، من تجمعيين ومن تجمعيين قاطعوا وابتعدوا طوال فترة التواجد بالمشتركة ومن أشخاص يرون بالتجمع الأقرب لفكرهم حتى لو كانوا غير محزبين، ولكن الحقيقة أن التجمع استفاد بشكل كبير من ظاهرتين، الأولى ظاهرة المنفصل عن المشتركة والمظلوم، وتذكروا كيف اعطت الاستطلاعات للعربية للتغيير 6-7 مقاعد عندما توجهت للانفصال عن المشتركة عام 2019, فهنالك شريحة كبيرة من الناس، وبسبب استيائها من المشتركة ومن الوضع القائمة وبسبب صفات موجودة في مجتمعنا كإغاثة المحتاج والتعاطف مع المظلوم، تصوت عادة للحزب الذي ينفصل بهذا الشكل، ورواية التجمع حول ما حصل ليلة تقديم القوائم أثرت بالناس وأقنعت أكثر من رواية الطرف الآخر وجلبت تعاطفًا كبيرًا. والظاهرة الثانية هي شخص سامي أبو شحادة، فبراعته بالمقابلات الاعلامية العبرية بالعامين الأخيرين وفي طرح مواقفه الوطنية بشكل قوي، وكونه مرشحًا شابًا ووجهًا جديدًا، جعلت العديد من الناس يصوتون للتجمع من أجله، وليس من فراغ أن التجمع ركز في حملته على شخص سامي أبو شحادة. بمعنى أن كل انتخابات لها ظروفها والأصوات لا تمثل القوة الحقيقية للحزب، أحيانًا تظلمه وأحيانًا تخدمه، مثلًا في انتخابات 2019 الأولى، حصل التجمع بتحالف مع الموحدة على أقل من 150 ألف صوت، فماذا كانت قوة التجمع وقتها؟ وماذا كانت قوة الموحدة؟ لكن بالمجمل، انجاز التجمع بتحقيق هذا الكم من الأصوات جميل وقوي، لكنه في النهاية لم يخدمه، أو لم يقدم له الخدمة الرئيسية والأساسية، وهي عبور نسبة الحسم، وقد وصفها أحد النشطاء بـ"العملية نجحت والمريض مات" (بعيد الشر).. ولكن التجمع بلا شك كسب رص صفوفه من جديد، وعودة الكوادر التي ابتعدت وروح الحزب التي اختفت والنقاش السياسي، والبرامج التي نظمها التجمع قبل الانتخابات والتي نظمها اليوم السبت في شفاعمرو تثبت ذلك، فالحزب كان في حالة سبات وشبه تفكك، وعاد حزبًا قويًا وله حضوره وهذا لوحده انجاز كبير.. كسب التجمع عودة التجمع الذي عرفناه وخسر وجوده في الكنيست، وقد يكون لهذا الثمن الكبير، فالكنيست تعني تمويل الحزب، وبدون التمويل لا يمكن لمؤسسات الحزب الاستمرار، والتمويل الذاتي من الاشتراكات الحزبية حتى وإن ارتفع عددها، لا يكفي، لهذا فإنه بالإمكان القول عما فعله التجمع بأنه مخاطرة ومراهنة، خصوصًا وأن الحزب يعاني أصلًا من صعوبات مالية ومن ملاحقات. بمعنى أن الحزب الآن مقبل على فترة اقتصادية صعبة، إلا إذا كانت هنالك مصادر تمويل ودعم جديدة أو موعودة جعلته يغامر هذه المغامرة، هذا ستظهره الأيام.
سقوط ميرتس أمر سيء طبعًا، فمهما انتقدنا ميرتس يبقى أفضل من سائر الاحزاب الصهيونية، ومواقفه غالبًا في صفنا، ولكن سقوطه يتحمله لوحده، دخوله للحكومة الأخيرة ومواقفه الغريبة الخاضعة للحكومة وقراراتها واهتمامه المبالغ بمواضيع حقوق المثليين وغيرها من المواضيع على حساب قضايا المساواة ومناهضة الاحتلال، وتعامله المسيء مع غيداء ريناوي زعبي.. كل هذه الأمور أخفته من الساحة وأخفته بالأساس من الشارع العربي، الذي أعطاه قبل عامين مقعدًا كاملًا.
بالمجمل بقي التمثيل العربي 10 مقاعد كما هو في هذه الانتخابات، وذهبت امكانية دخول حزب عربي لائتلاف حكومي، وهذا قد يحسن العلاقات بين الموحدة والآخرين، التي وجدت نفسها معهم في المعارضة الآن.
ولكن النتيجة العامة سيئة للعرب، لم يكن بالإمكان منعها لأن الشارع الاسرائيلي يريد هذا، ولكن ربما كان بالإمكان لو كان التمثيل العربي أكبر أن تكون حكومة أقلية أو حكومة 60-61 ضعيفة وغير ثابتة، فالآن هي حكومة ثابتة وقوية وستصمد لكل الفترة غالبًا.. إن صعود اليمين الفاشي، وشخصية مثل بن غڤير، أمر في غاية الخطورة ولا يمكن الاستهانة به، ولا يمكن مقارنة بن غڤير بليبرمان في الماضي، ليبرمان القادم من مولدوڤا وجد أن العنصرية ستفيده انتخابيا فانتهجها، أما بن غڤير، فهو عنصري ومعادي للعرب ويدعم الاعتداءات والاقتحامات والاستيطان والترانسفير، منذ أن كان طفلًا، هذا ما يؤمن به حقًا لهذا أرى أنه من الصعب أن يتغير وأن يخفف من شدة عنصريته وفاشيته، أولًا لأن هذا ما يؤمن به، وثانيًا لأنه اذا تغير أو تراجع سيفقد قوته السياسية، وثالثًا لأن نتنياهو ضعيف ويحتاج للبقاء في رئاسة الحكومة بكل ثمن، وسيخضع لهم، ببساطة قد يكون نتنياهو مجرد صورة أو في أحسن الأحوال لن يكون نفسه نتنياهو القوي الذي يُخضع كل شريك له (ومثير للسخرية أصلًا أننا صرنا نتحدث عن نتنياهو كطرف عقلاني ونبني عليه بأن يمنع المتطرفين من ممارسة تطرفهم). تخيلوا مثلًا أن بن غڤير في خطوته الأولى كوزير أمن داخلي (إذا حصل على هذه الحقيبة وغالبًا سيحصل عليها) سيقوم بجولة في الطيبة، فتحصل مظاهرات واحتجاجات، فيأمر أن تستخدم الشرطة الرصاص الحي، هذا سيناريو ممكن وقريب، والأمثلة كثيرة.. وبالمناسبة، في الشارع اليهودي (المناهض لليمين) هنالك حالة رعب من نتائج الانتخابات وصعود بن غڤير، وصدمة، ويقال إنها تفوق صدمتهم بانقلاب اليمين عام 1977 وصعود مناحم بيغن، بينما في الشارع العربي وطأة الأمر أخف بكثير، ربما لأننا تعودنا على العنصرية وبتنا لا نفرق بين عنصرية ووساخة اليمين وعنصرية ووساخة اليسار، وربما لأننا في وضع سيء على جميع الأصعدة وبات لا يفرق معنا إذا ساءت الأمور أكثر. لكن الحقيقة أن علينا تحضير أنفسنا لمرحلة جديدة وعلى قياداتنا بدء التجهيز لخطة عمل للسنوات القادمة التي ستكون غالبًا أصعب علينا من سابقاتها، على صعيد القدس وعلى صعيد الوضع الداخلي والتحريض والقوانين العنصرية وممارسات الشرطة ووساخات المستوطنين وكل شيء.
نحن أمام حكومة سيئة جدًا، ونودع حكومة سيئة أيضًا رغم أنها تخللت أحزاب يسارية وحزب عربي، لكنها كانت سيئة وحاولت طوال الوقت أن ثبت لليمين بأنها تفوقه وساخة، وفي النهاية سقطت بسبب نواب اليمين بداخلها بالأساس، شيكلي وسيلمان وأورباخ، وغيداء ريناوي زعبي من ميرتس ومضلِّل وكاذب من يحاول اتهام المشتركة بإسقاطها، المشتركة عارضتها وهذا حقها، عارضت ممارساتها وقوانينها العنصرية الكثيرة، ولكن الحكومات لا تسقط بسبب المعارضة، بل تسقط بسبب ائتلافاتها، الائتلاف لم يصمد فسقطت الحكومة ببساطة.
وفي الختام أقول، تصدى شعبنا لكل شيء منذ النكبة، بل من قبل النكبة، ومرت علينا فترات صعبة، وخرجنا منا، بجروح وكسور، لكن خرجنا، وسنخرج من هذه المرحلة وفي هذه البلاد سنصمد، وسنقف في وجه كل من يستهدفنا، ولو بأضعف الايمان، ولو بتربية أولادنا والأجيال القادمة على التمسك بقضيتنا، وسنستمر في قول كلمة الحق، حتى لو على حساب حياتنا.. وفي النهاية، "اللي بنزل من السما، بتلقاه الأرض" ونحن هنا، باقون، شوكة في حلوقهم وأشجار زيتون مثمرة وصادمة لا تسقط أوراقها مهما تغيرت الفصول.
(استعمال الصورة بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال ملاحظات ل [email protected])