السكان الأصلانيون والسباحة ضد التيار...

لفتني تصريح للوزير العربي في الحكومة الإسرائيلية، عيساوي فريج، قال فيه ضمن مدحه المستمر للنائب منصور عباس أن الأخير " قيادي جريء، يسبح عكس التيار مثل الحيتان والقروش، وفقط السمك الميت يسبح مع التيار".

ويقصد فريج في تصريحه أن اعلان منصور عباس عن النهج الجديد الذي يقبل الشراكة بأي حكومة إسرائيل ويقبل السكوت وعدم الخوض في أي نقاش سياسي وعدم المطالبة بأي حقوق قومية مقابل الميزانيات، أن هذا النهج يمثل السباحة ضد التيار، وبأن التيار الذي يصبح من يسبح معه كالسمك الميت، هو مواقف شعبنا في الداخل منذ النكبة وعدم قبولنا الانصهار داخل إسرائيل والتنازل عن روايتنا ومطالبتنا بحقوقنا القومية بجانب حقوقنا الطبيعية كالميزانيات وغيرها.

والحقيقة أن بالأمر محاولة لتغيير المفاهيم وقلب الحقائق، فالتيار دائمًا يمثل الجهة القوية، ومن يسبح ضد التيار هو من يصمد ويقف ضد هذه الجهة القوية. في حالتنا، الخط الصهيوني ممثلًا بالدولة والحكومة هو الجهة القوية، ونحن بصمودنا وحفاظنا على روايتنا ورفضنا للاندماج والانبطاح تحت هذا المشروع ورفضنا التخلي عن حقنا القومي وعن كرامتنا وعن مقدساتنا ورفض ربط هذه التنازلات بحقوقنا الطبيعية من ميزانيات وغيرها. نحن هكذا ومنذ سنوات نسبح ضد التيار، ضد تيار الاحزاب الصهيونية والدولة التي تريدنا عربًا بلا كرامة ولا مطالب ولا طموح ولا صوت ولا رأي ولا أحلام ولا شيء، مجرد مستهلكين.

أما النهج الجديد الممثل بالقائمة الموحدة وحتى بالوزير عيساوي فريج وغيرهم من العرب في الحكومة، فإن اندماجهم داخل الحكومة من أجل بعض الحقوق والميزانيات (التي لم يحصلوا عليها بالمناسبة) مقابل الكثير من التملق والتنازل عن كل المبادئ والتصويت على قوانين ضد شعبهم ودعم ميزانيات الجيش وغيرها، هو عمليًا يمثل السباحة مع التيار، بلا إرادة ولا قرار، كالأسماك الميتة.
هم يعرفون هذا جيدًا، ويحاولون تضليل الناس.

تحاول المؤسسة الإسرائيلية، منذ أن الزمها الواقع على ابقائنا هنا وعدم طرد كل العرب في النكبة، على دمجنا وصهرنا داخل المجتمع لنصبح عربًا بلا مطالب ولا ارتباط بشعبنا في الضفة وفي غزة والشتات ولا ارتباط بقضيتنا ولا اهتمام بمقدساتنا، ربما الاستكفاء بالذهاب والصلاة فيها وليس أكثر، ولا المطالبة بحقوقنا القومية كأقلية أصلانية. أرادتنا إسرائيل أن نتحول كجالية لاجئة في بلادنا، تشكر الدولة على بعض الميزانيات وأموال التأمين وترضى بها، وحاولت تحقيق ذلك بمشاريع عديدة، نجحت في بعضها، ولكنها كانت تختفي وتفشل لاحقًا، ونجحت مع بعض الفئات، كما حصل مثلًا مع الطائفة المعروفية الدرزية، التي الزمت إسرائيل شبابها على الخدمة العسكرية وشيئًا فشيئًا حولتها إلى مجتمع منفصل، يعرف قسم كبير من شبابه عن أنفسهم كدروز، وكأن الدروز هي قومية، بينما في الحقيقة الدروز هم من أقحاح العرب، ودروز بلادنا هم فلسطينيين حالهم كحال كل فلسطيني آخر. وهذا رغم الحركة الوطنية داخل الطائفة التي بدأت تبرز أكثر بالسنوات الأخيرة والمتمثلة بحملات رفض الخدمة العسكرية وغيرها.

إسرائيل أرادتنا وما زالت تريدنا أن نتعامل مع أنفسنا إما كلاجئين نشكرها على كل ميزانية وكل حق بسيط تمنحنا إياه، وإما كالهنود الحمر، الذين قبلوا بالانصهار داخل المجتمع الأمريكي رغم أنهم السكان الأصليين للقارة الأمريكية، وانصهرت معهم قضيتهم وروايتهم وصاروا مجرد قصة تاريخية.

ويحضرني في هذا بيت للشاعر الكبير نزار قباني في قصيدة "منشورات فدائية على جدران إسرائيل":
لن تجعلوا من شعبنا
شعب هنودٍ حمر..
فنحن باقون هنا..
في هذه الأرض التي تلبس في معصمها
إسوارةً من زهر
فهذه بلادنا..
فيها وجدنا منذ فجر العمر
فيها لعبنا، وعشقنا، وكتبنا الشعر
مشرشون نحن في خلجانها
مثل حشيش البحر..
مشرشون نحن في تاريخها
في خبزها المرقوق، في زيتونها
في قمحها المصفر
مشرشون نحن في وجدانها
باقون في آذارها
باقون في نيسانها
باقون كالحفر على صلبانها
باقون في نبيها الكريم، في قرآنها..
وفي الوصايا العشر..
---
يا آل إسرائيل.. لا يأخذكم الغرور
عقارب الساعات إن توقفت، لا بد أن تدور..
إن اغتصاب الأرض لا يخيفنا
فالريش قد يسقط عن أجنحة النسور
والعطش الطويل لا يخيفنا
فالماء يبقى دائماً في باطن الصخور
هزمتم الجيوش.. إلا أنكم لم تهزموا الشعور
قطعتم الأشجار من رؤوسها.. وظلت الجذور

الصورة: لمنى أبو شحادة.