تحولات العلاقة بين المواطن واللاجئ
هل ما تزال العلاقات الاجتماعيّة في غزّة تُبنى على أصول الأشخاص والتفريق بين اللاجئ والمواطن؟ التفرقة موجودة لدى نسبة لا بأس بها في غزّة، معظمها تتعلّق بالزواج والارتباط، وفي قطاعات العمل الحكوميّة أو التابعة للأمم المتّحدة تلزم المتقدِّمين بشروط أساسيّة "مواطن / لاجئ".
البداية / قرار (302)
1948 في هذا العام بدأت نكبة الفلسطينيّ، وتضاعفت معاناته، وأصبحت النكبة تمثل رمز التهجير والظلم والذلّ، قطاع غزة استقبل جزءا كبيرا من النازحين فتوزّعوا في مناطق مختلفة في قطاع غزّة في البداية تركّزت في المدارس والمساجد وحتّى الكنائس والساحات الواسعة بالإضافة لاستضافة عدد كبير منهم لمنازل الغزّيّين، ومن ثم تم إنشاء مخيّمات في مناطق مختلفة من قبل الكويكرز جمعيّة الأصدقاء الأمريكيّة الّتي أشرفت على هذه المخيَّمات حتّى تشكيل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الاونروا بشكلها الحاليَ. بناء على قرار الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة رقم( 302) الصادر في 6 كانون الأول/ عام 1949م، وبدأت الوكالة الأُمميّة بعملها رسميّا بعد عام من إصدار القرار ووضع تعريف للاجئ حينها “الشخص الّذي كان موطنه الأصليّ فلسطين لسنتَين على الأقلّ، قبل حرب عام 1948. والذي نتيجة لهذه الحرب فقد بيته ووسائل معيشته، وأصبح لاجئا عام 1948 . في أحد الأقطار التي تمنح فيها وكالة الغوث الدولية مساعدتها وإعانتها".
وخلال حديثي مع الحاجة فاطمة التي عاشت أحداث النكبة والتهجير قالت لي: إنّه بعد أن وزّعت الوكالة الأُمَمِيَّة الخِيم على النازحين، شهدت فلسطين في عام 1950 أمطار وعواصف رعدية ازالت الخيم من أماكنها، وصفتها الحاجة فاطمة بالعاصفة المجنونة حينها ، ومن ثم أقرّت الأونروا بأنَّه لا جدوى من الخيم ولابدّ من بناء مساكن في مساحات محددة لتصمد أمام فصل الصيف والشتاء، حتىّ أَنّ الأونروا وصفتها بالمأوى. فزودت الوكالة اللاجئين بالغرف حسب عدد كلّ أُسرة ، حيث قدّرت المساحة بحوالي (150م2). بُنيَ في ذلك الوقت حوالي “48 ألف” مأوى في ثمانية مخيمات في قطاع غزة.
علب السردين
8 مخيّمات رئيسية في قطاع غزّة هي مخيّمات للاجئين، موزّعة في مختلف محافظات قطاع غزة، شمالا مخيم جباليا، محافظة الوسطى، مخيّم البريج ، مخيم المغازي، مخيم النصيرات، مخيم دير البلح ، وفي غزة مخيّم الشاطئ ، وجنوباً مخيّم رفح ومخيّم خانيونس .
بالتأكيد أعداد اللاجئين فيها ارتفعت بشكل مضاعف، فبعد النكبة وصل إلى قطاع غزة قرابة 250 أَلف فلسطينيّ وكان عدد السكّان في غزّة حينها 80 ألف فلسطيني، اليوم آخر الإحصاءات تشير إلى ارتفاع عدد اللاجئين لأكثر من مليون و 400 أَلف لاجئ في قطاع غزة فقط أي حوالي ثلثي سكان القطاع هم من اللّاجئين.
يُعد مخيم الشاطئ من أكبر مخيّمات اللاجئين على مساحة لا تتجاوَز كيلو متر مربع، على شاطئ البحر المتوسّط غربي القطاع.
توصَف أوضاع سكّان المخيمّات بالسيئة في قطاع غزة، فطبيعة العيش في المخيّم مختلفة وذلك لأنَّ معظم هذه المخيّمات أُنشئت بصفة مؤقّتة، وتدهورت أحوالها عبر الزمن، أزقة ضيّقة، منازل متلاصقة يصفها السكّان بعلب السردين، بنية تحتية متهالكة، وبدأ الأمر بالتدهور أكثر في ظلّ ارتفاع عدد السكان، فأصبحت هذه المخيّمات مكتظّة بشكل كبير بالسكان. ولأنَّ أرض المخيّم هي ليست للبيع ولا يمكن للاجئ أن يقوم بالبناء العموديّ للحفاظ على طبيعة المخيم، إلّا أنّ التجاوزات في المخيّمات واضحة، منازل تمّ بيعها، ومنازل أخرى تجاوزت الخمس طوابق، فصار من الصعب دخول سيارات الإسعاف أو سيّارات الإطفاء، هذه التجاوزات أفقدت المخيّم صفته الأساسيّة.
قرار الزواج هل أنت لاجئ أم مواطن؟
خلال السنوات الماضية، استطاع اللاجئون الاندماج والتكيّف مع التغيير القسري الّذي حصل عقب النكبة في مختلف مناحي الحياة حتّى في العلاقات الاجتماعيّة والاختلاط والانخراط، لكنّ فكرة التفريق بين اللّاجئ والمواطن موجودة بل وراسخة عند البعض، كانت في السابق مرتبطة بمناصب معيّنة في العمل لا يمكن أن يترأّسها لاجئ، تملكه لعقار او أرض كان صعباً في السابق، اليوم اختلفت الأمور على مرّ الزمن وتناقصت حدّة الوصف "باللاجئ" ، بل وأصبح لهم بصمة كبيرة في جميع القطاعات الأساسيّة .
لكن هذه الحدّة لم تتناقص عند الكثير في قرار الزواج تحديداً، قرر محمد د. أن يتزوّج الفتاة الّتي يحبّها، ليفاجَأ من ردّة فعل عائلته بالرفض والسبب أنّ عائلة الفتاة من اللاجئين وبما أنّ عائلته من السكّان الأصليّين أو باللفظ العامّي "مواطن" لا يمكن أن يتزوّج من لاجئة، والعكس في حالات كثيرة، عائلات ترفض تزويج بناتها أو شبابها لغير اللاجئين، في الحقيقة لا يوجد سبب مقنع للرفض، سوى أنها قناعات بائسة بالنسبة لي.
وفي استطلاع آراء عدد من الشباب، بدا واضحاً أنّ غالبيّة الشباب في غزّة يرفضون التعاطي وفق مبدأ أصل الطرف الآخر، لاجئاً كان أم مواطناً. لكن نسبة لا بأس بها ما زالت متأثرة بها، مثل أحمد الذي يرفض الارتباط بمواطنة بحكم أنّه لاجئ ويعتبر هذا الأمر ليس عنصريّة بل قناعة بأنّ كلّ شخص لابدّ من أنْ يشارك حياته مع الشخص المناسب والمتماثل معه في الأصل تجنّباً لأيّ مشاكل مستقبلية. ما هي نوعيّة المشاكل يا أحمد الّتي قد تحدث؟ لكن، لم تكن لديه إجابة واضحة ومحدَّدة.
قرار التوظيف
ليس من الغريب عند تصفحك لأي موقع يطرح طلبات للتوظيف أن} يكون من بين البنود أو الشروط " أن يكون المتقدّم لاجئاً / أن يكون المتقدّم مواطناً"
تسعى مرام منذ تخرّجها لإيجاد وظيفة مناسبة لها وفي كلّ مرة تقدم طلباً للتوظيف تنصدم بشرط أن يكون المتقدّم لاجئاً وتعتبر هذا الشرط يعزّز من مبدأ التفريق بين اللاجئ والمواطن. مرام واحدة من بين آلاف الشباب الّذي واجهوا ذات المشكلة على اختلاف أصولهم.
حتّى المؤسّسات الدوليّة أو الأهليّة الّتي تضع هذا الشرط ترجع الأمر للمانحين أو مموّلي المشروع بأنَّ هذا شرط المموّل.
وفي سؤال عابر لعدد من الشباب والشابات: "هل هناك فعلاً اختلاف بين المواطن واللاجئ؟ في الصفات أو الامتيازات، يقول توفيق "بحسّ المواطنين أو الغزازوة الأصل عندهم عنصريّة حتّى في الكلام أو المزح ممكن تسمع كلمة هادي أرضنا، أنتم جيتو عنا واحنا استقبلناكم، هو لو بالمزح، ولكن بتحسّ انّه الاشي صار متوارث وهادا مزعج!"
وتقول ابتهال "الظروف بشكل عامّ في غزّة سيئة صراحة ما في وظائف أو شغل زي العالم والناس وبما أني أنا مواطنة ما بقدر مثلا أقدم لشغل في الأونروا كتير بشوف وظائف في التعليم وبكون نفسي عنجد أقدم بس لازم أكون لاجئة عشان أحصل ع حقّي في إنّي اشتغل."
"أنا بحسّ اللاجئين صراحة أثبتوا حالهم أكثر من صحاب الأرض المواطنين، في الشغل والعقارات وصار في عائلات من اللاجئين تصنف بالعائلات الكبيرة والغنيّة والّي قدرت إنها توصل وتثبت حالها "من وجهة نظر إسماعيل.
74 عاماً مرّت على النكبة التي حلّت بالشعب الفلسطينيّ، وعلى الرغم من مرور تلك السنوات، لا تزال الكثير من العلاقات، تُبنى على قاعدة "لاجئ" أو "مواطن"!