آذار الحزين وثقب في الروح يسحق نساء غزة

ربما ستعرفون لماذا نساء غزة لا يمشطن شعورهن في الحرب؟!!

وربما ستعرفون لماذا نساء غزة يقصصن شعرهن في الحرب؟!

وربما ستعرفون يوما أن بعضهن فقدن رؤوسهن فلم يعد هنالك معنى ليمشطن شعرهن...!!

وربما ستعرفون يوما أن بعضهن قد احترقت شعورهن بفعل القذيفة والصاروخ الإسرائيلي الذي أجهز عليهن، وعلى عائلاتهن.

أما البعض الآخر فقد جزت شعورهن بفعل المحتل الإسرائيلي، وبعضهن كي ينجون بحياتهن وحياة بناتهن من ويلات الحرب التي تنهال عليهن من كل حدب؟!!

فهل ستكتب لجان التحقيق الدولية ما سنبوح به ما تبقى من حياتنا أم سنجد البقية صم بكم لا يكترثون بحياة وأرواح النساء الفلسطينيات؟! كيف سنتخيل أنهم سيكترثون بشعرهن المقصوص والمتناثر في طرقات غزة، وبين أروقة الخيام المنتشرة في كل متر من مدينة رفح ...!

شعر فقد بريقه وصاحباته ينازعن الحياة.!

في العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014 ذلك العدوان الذي استمر واحد وخمسون يوما رأيت بأم عيني آلاف النساء الفلسطينيات نساء وأمهات وطفلات يتكدسن في مدارس الايواء تلك المدارس التي وجدت للتعليم وللجلوس على مقاعد مخصصة لها وسبورة والكثير من الطباشير، صفوف متراصة بجانب بعضها البعض بعضها بدورين وغيرها بثلاثة أدوار تتراص بتنظيم مثالي، باتت مكانا للنزوح مكان للإيواء مكانا للنوم والاحتماء من صواريخ الطائرات الإسرائيلية وقذائف الدبابات، في هذه المدارس لم تعد للنساء خصوصية فبتن لا يمشطن شعرهن في الحرب إذ يرتدين الحجاب طيلة ساعات الليل والنهار، لا مرايا لديهن ولا مجال لديهن لرفع الحجاب ونيل قسط من الراحة، فالغرباء يملؤون الصفوف والممرات وفي الصف الواحد تقطن عدة عائلات يفصلهن ساتر قماشي وأحيانا لا فواصل بينهم..!

قرار إجباري للشابات المقبلات على الحياة

تقول حلا السماك ذات الـ 18 عاما وهي نازحة من غزة إلى رفح حول تجربتها:

"دايما الإنسان بحب التغيير وبختلف من شخص إلى آخر، على الصعيد الشخصي لما أقص شعري بحس نفسيتي تحسنت، يعني قصة شعر جديدة أو مختلفة فهذا بيعطيني شعور بالتجدد وأنه فعليا بتتغير نفسيتي للأحسن، لكن لما بدأت الحرب على غزة، نزحنا من بيتنا، وانتقلنا من مكان لمكان تحت القصف والدمار وإطلاق الرصاص، وما عادت حياتنا طبيعية مطلقا، ما بيتوفر أي احتياجات أساسية كانت متوفرة في بيتنا أولها المياه النظيفة أو المياه بشكل عام وهذا أجبرنا نقلل مرات الاستحمام، وبدل ما نتحمم بشكل يومي خاصة بالصيف صرنا بنكون محظوظين لو تحممنا مرة كل 3 أسابيع، وأغلب الوقت بنظل محجبين والمنديل على شعرنا، ما بيتنفس شعرنا ولا بيشوف الشمس وصرنا نتيجة الوضع السىء مش عارفين شو نعمل، صرنا نعاني كثير من القشرة، وما في إمكانية لأي معالجة لأنها مش أولوية بالنسبة للوضع القاسي اللي بنعيشه الناس بتموت من الجوع والعطش فكيف ممكن نهدر مية للنظافة أو أي احتياجات هي بالنسبة النا أساسية:"

وتكمل حلا: "كمان صرت بتوجه لمدارس الايواء كمتطوعة لمساعدة النازحين وهنالك الأمراض بتنتشر بشكل أكبر لأنه العدد للنازحين كبير جدا مع عدم وجود نظافة أو حتى أدواتها غير متوفرة، خفت على شعري وفعلا قررت أقصه كخيار اجباري علشان أحافظ على عدم إصابتي بأي أمراض أو أوبئة يعني قررت لأحمي نفسي، عمري ما تخيلت أنه ممكن أقصه لهيك سبب، لكن الحرب أجبرتنا على كثير أشياء كطفلات وشابات نعملها مع أنه مش خيارنا، وهيك قرروا أخواتي الاثنتين كمان يقصوا شعرهم، وعملوا صديقاتي كمان نفس الشيء...!"

حلا وأخواتها وصديقاتها وعشرات الآلاف غيرهن لا يشعر بهن العالم المتعطش للدم، الذي يعد يوما بعد يوم أرقام شهيداتنا وشهداءنا، لا يرون غير مشهد النزوح والخيام، لا يعرفون أن هنالك آلاف الأحلام المقتولة، وآلاف الفتيات والنساء اللواتي يعشن في أوضاع انسانية قاتلة فعشرات الآلاف لا يجدن خدمات صحية أو نفسية وغذائية، آلاف منهن ينتظرن الموت جوعا وعطشا بفعل اغلاق معابر غزة والقصف المستمر لشاحنات المساعدات الإنسانية وخاصة في شمال غزة.. الآلاف منهن غادرهن شغف الحياة وبتن بين طابور خبز وطابور ماء وطابور غاز وطابور وطابور لا ينتهي مطلقا...!!

آذار مذبوح بدماء الفتيات والنساء في غزة

يعلن الآذار هذا العام الوليد في ربعه الأول - عن قدومه حيث تقتل الآلاف من النساء الفلسطينيات في غزة، وتهدم عليهن بيوتهن، ويدفن في الشوارع والحدائق والمخيمات، يأتي وهن يعانين الأمرين فلا رعاية صحية ملائمة ولا أمل في وقف حرب إبادة لشعب بأكمله، ولا عالم يرى ولا منظمات نسوية متحضرة تصرخ لأجلهن ولأجل انقاذ أرواحهن، يأتي الآذار في مشهد  قاتم مضرج بالدم والأيدي والرؤوس المتطايرة، والمستشفيات مدمرة ومراكز الرعاية الأولية وحتى مستشفيات وعيادات الولادة الآمنة كلها باتت ركاما بعد أن اعتقلت طواقمها الطبية، كيف يجرؤ هذا الآذار على القدوم في وقت تكافح فيه نساء غزة الحصول على نفس آخر، وعالم غادر أوشى بأحلامهن وآمالهن ومستقبلهن ببيت آمن يأويهن ويحتضن فيه من تبقى من عائلات؟

كيف يجرؤ هذا الآذار على القدوم وقلوبهن مفطورة، وشفاههن باتت جافة متشققة لا يتمكن من قبلة أخيرة لأطفالهن، كيف يمكن أن تمشط نساءنا شعرهن في حرب لم تبق ولم تذر...! كيف يمكن لهن أن يضمدن جراح طال أمدها ومجازر لا قبل لقلوب نزفت كثيرا فقد باتت أرواحهن كذرات الطحين المنثورة في شوارع غزة المبقورة عثرن على بقاياها في يوم كله ريح فطارت أرواحهن، وبقين أجسادا تكافح وتكافح لأجل البقاء والصمود في أرض لفظت كل مقومات الحياة الآدمية..

سيمضي كل هذا الموت والدمار والفناء سيكون للمحتل لكنه وقت قاسي، عظمت فيه المجازر وحرب الإبادة لم تبق للروح متسع ولم تبق لشعر كان حرا يشرب الشمس ويتنسم الهواء أن يكون مسجونا كصاحبته منذ خمسة أشهر متواصلة وقد تجدل بدماء صاحباته وسقط شهيدا هو الآخر ذات صباح جزت به الشابات شعورهن علهن يجدن خلاصا من القهر والوأد العصري أمام مرأى ومسمع العالم المتحضر والبعيد كل البعد عن آنات فتيات ونساء فلسطين...!

هداية صالح شمعون

كاتبة وإعلامية فلسطينية من قطاع غزة

شاركونا رأيكن.م