الحرب كالولادة، رخاء بعد الشدّة وحياة رغمَ الألم
دقت الحربُ طبولها في الشهور الأخيرة من فترة حملي، مصحوبةً بمشاعر مختلطة من القلق والتوتر والتي تمثّلت بسيناريوهات مخيفة تزايدت في داخلي يوماً بعدَ يوم وكَبرت كُلما كبر جنيني: ما وجه المعاملة التي تنتظرنا في المشافي والمؤسسات الطبيّة؟ هل ستكون العنصريّة والتفرقة حاضرة في هذا المشهد؟ كيف ستكون حياة طفلي في هذا العالم المضطرب؟ كيف سأحميه من آثار الحرب والصراعات المحيطة بنا؟ وماذا سوف يكون مستقبل طفلي بسبب تَبعات هذه الحرب؟ كانت هذه الأسئلة تتردد في عقلي بلا هوادة مما جعلني أعيش في حالة من القلق المستمر إضافةً إلى القلق الطبيعي الذي يصاحب كل امرأة على وشك أن تضع مولودها.
ولكن، لم تهدأ هذه الأفكار بمجرد ولادة طفلي وتيسّر الأمور، بل على العكس، ازدادت تلك المخاوف مع مرور الوقت، فالأجواء المتوترة في الدولة إضافةً الى العنف المستشري في مجتمعنا لم يبشرا بالخير أبدًا. فقد كان الانفلات الأمني، العنصرية، الفوضى السياسية والأزمة الاقتصادية تتفاقم بشكل متزايد، مما جعلني أتساءل عن تأثير كل هذا على مستقبلي، مستقبل أسرتي وعلى حياتنا كعرب في هذه الدولة.
تأثير الحرب على الحياة المهنيّة
وفي خضم استراحة الولادة، لم تكن التخبطات والقلق على الصعيد الشخصي فقط انما امتد للتفكير في المستقبل الأكاديمي والمهني والخوف من فقدان الشغف، فللحرب تبعات عديدة وتأثيرات سلبيّة على المؤسسات الأكاديمية الإسرائيليّة. وفعلاً منذ بداية الحرب والأجواء مشحونة و محتدمة مع العديد من الملاحقات للطلاب والمحاضرين العرب لمجرد مشاركة "ستوري" تضامنيّ او حتى الإشادة بالإعجاب على مقاطع إنسانيّة او حتى لمجرد التزام الصمت وعدم الإفصاح عن الرأي او الموقف. وبحسب بيان نشرته الهيئة المشتركة للكتل الطلابية فقد أشارت نتائج استطلاع أجرته مؤسسات أكاديميّة إلى أن أكثرَ من 85% من الطلاب العرب فقدوا الشعور بالأمان والأمن في الدولة بسبب الحرب وأكثر من 91% من الطلاب تضرروا نفسيًا واقتصاديًا.
هل تهون مصيبتنا أمام مصيبة غيرنا؟
لكن كل هذه الأفكار وكل هذا القلق بدا لي بسيطًا عندما قارنت حالنا مع من يعيشون تحت وطأة الحرب بشكل مباشر ويعانون من دمار الحجر وزوال البشر.. وبمجرد التفكير أنه في كل لحظة هنالك امرأة تلد بلا تخدير، على قارعة الطريق، بين ركام المشافي المهدومة، تحت أهوال الهدم والقصف وبدون طاقم طبي ولا معدات طبيّة تهون علينا مصيبتنا. فأي قوة وأي قدرة تحمل هي تلك؟ عدا عن عدم توفّر أدنى المستلزمات الصحيّة وعدم توفّر الطعام والغذاء للرضّع المولودين حديثًا لدرجة استبدالهم الحليب بالماء... ويدعوني ذلك للتفكير، أيُّ حظ يوجد لإبني مقارنة بأقرانه ممن ولدوا في ذلك الركن الآخر من العالم؟. ففي كل لحظة يبكي فيها طفلي أعلم أنه في ذلك العالم الموازي يبكي طفلٌ من الجوع والوحدة، وفي كل لحظة "أنتشل" فيها طفلي، أعلم أنه في ذلك العالم الموازي، يبكي الأطفال ولا ينتشلهم أحد وعلى الأغلب أنّ ذلك الطفل قد وُلد يتيماً فليس له أحد يرعاه، يستجيب إليه عند بكائه أو يطعمه عند حاجته! إضافة الى ذلك، وإذا ما قارنت حياتنا المهنيّة والاكاديميّة، بنظيرتها في غزّة، نرى انعدام أي مستقبل أو أمل بعد أن حُطّمت المدارس، هُدمَت الجامعات وزهقت أرواح الأساتذة وأهل العلم..
النساء في الحرب
خلال فترات الحروب، يبدو أن النساء يتأثرن بشكل خاص نظرًا لاحتياجاتهن الجسديّة، لطبيعتهنّ العاطفية وميلهن الى التعاطُف، مما يجعلهن يُعانين من تأثيرات نفسية التي قد تؤثر سلباً على حياتهن الشخصية والمهنيّة. وعلى الرغم من الألم والحزن والتوتر الذي قد يصاحب تلك الفترات، إلا أن الحرب تشبه الولادة بشكلٍ او بآخر.. فالولادة صعبة، مؤلمة ومُقلقة، ولكنها مؤشّر للأمل ولبداية جديدة وتعلمّنا أن بعد الشدة رخاء، ولا بُد من المعاناة كي تُخلق بداية وحياة جديدة.. فالحرب كالولادة، رخاء بعد الشدة وحياة جديدة رغم الألم..
ملاحظة: رُسمت الصورة عن طريق الذكاء الاصطناعي، تحت عنوان "ولادة حياة جديد في ظل الحرب والدمار".
د. روان عمر
حاصلة على لقب دكتوراة في مجال علم وتكنولوجيا النانو من معهد "التخنيون" في حيفا