الإعلام الإسرائيليّ: تمييع الكارثة في غزّة

الإعلام في إسرائيل يتجاهل ما يحدث في غزة. يبدو أن القتل والجوع والأزمة الإنسانية غير موجودة في القنوات الإخبارية الإسرائيلية. وإذا كان الأمر موجودًا أو متاحا، فسيتم عرض سكان غزة على أنهم وحوش، ما يؤدي إلى حجب ما يحدث عن المُشاهد الإسرائيلي العادي، وبالتالي ألا يكون على علم بحقيقة ما يجري على الجانب الآخر من الجدار.

وليس سرًا أن وسائل الإعلام الإسرائيلية تتصرف بهذه الطريقة عن قصد، والهدف منها تعزيز الروح المعنوية الإسرائيلية - وإظهار الجانب الإسرائيلي على أنه محق وأخلاقي، ولا يجرؤ على إظهار الحقائق على الأرض ووقائع ما تسببت به إسرائيل في غزة، لا سمح الله! وذلك في المقام الأول حتى لا تثار التساؤلات حول الحرب لدى الجمهور الإسرائيلي.

لو تنقلنا بين وسائل الإعلام الكثيرة، لن نحصل على أجوبة واضحة حول "نهاية الحرب"، أو ما هي الاستراتيجية الإسرائيلية لإنهائها. لن نعرف النتائج التي توصلوا اليها حتى الآن، ولن نسمع كثيراً عن عدد القتلى في غزة. ويبقى المشاهد الإسرائيلي مخدّراً ومتعرّضًا للإقصاءِ تجاه الحرب ونتائجها حتى الآن، والإعلام لا يعكس له ما يجري على أرض المعركة.

على الرغم من أن هذه المشاهد تُنقل عبر القنوات الإخبارية الدولية. الجمهور الإسرائيلي الذي يُتابع وسائل الإعلام الأجنبية ينكشف لما يحدث في غزة. يثير بعض هؤلاء الأشخاص تساؤلات حول جدوى الحرب والضحايا الذين تحصدهم، لكن يتم إسكات هذه الأفكار عمومًا. سواء من خلال سياسات الحكومة وسلطات إنفاذ القانون التي غالبا ما منعت التظاهر من أجل انهاء الحرب، أو من خلال وسائل الإعلام التي بالكاد تتيح إمكانية التعبير عن آرائهم على الهواء.

ورغم أن هناك قنوات تبث ما يحدث، إلا أن ذلك ليس من باب التعاطف مع أهل غزة، بل على العكس. القنوات التي تظهر ما يحدث، تفتخر بنتائج الموت.

على سبيل المثال، في الصفحة الرئيسية لموقع "القناة 14" اليمينية، يمكنك مشاهدة جدول معنون بـ"الإرهابيون الذين قضينا عليهم" وتحتها الرقم 28 ألف، بالإشارة الى اجمالي عدد القتلى في غزة. بما في ذلك الأطفال، النساء، البالغون - جميعهم إرهابيون بالنسبة للقناة اليمينية حيث يقبل كبار المسؤولين الحكوميين في إسرائيل على إجراء المقابلات بكثرة – قبول لدى المسؤولين يعكس، بالضرورة، توجّهًا شعبيًا واسعًا، ولربّما التفافًا على هذه القناة ومضامينها في إسرائيل. 

وحتى في القنوات التي من المفترض أن تكون أكثر "حيادية" نلمس ظاهرة مماثلة. الصحفي الكبير "عكيفا نوفيك" الذي يقدم برنامجًا إذاعيًّا من الأكثر شعبية في إسرائيل ويبث عبر هيئة الإذاعة العامة الممولة من ميزانيات الجمهور؛ كثيراً ما ينشر أناشيد فرح، وبالتالي ينشر مقاطع فيديو تظهر غزة المدمرة تحت عنوان "القليل من الراحة قبل دخول السبت". نعم، الدمار، الخراب، الموت هو "الراحة" برأي أحد كبار المعلقين الإسرائيليين، الذي يموله مواطنو الدولة.

لذا ليس من المستغرب أن ينشر الصحفي نفسه، قبل نحو شهر، عمود رأي في موقع "هآرتس" الإخباري يدعي فيه أن وسائل الإعلام الإسرائيلية غير ملزمة بنقل ما يحدث في غزة - بالنسبة له دور وسائل الإعلام الإسرائيلية هو رفع المعنويات، وبث صورة مفادها بأن إسرائيل تنتصر في الحرب – بالرغم من الصورة القاتمة لعشرات المحتجزين القتلى والأحياء في غزة.

والحقيقة هي أن الخطاب الداخلي في إسرائيل، وفي وسائل الإعلام على وجه الخصوص يعتبر كل سكان غزة إرهابيين، دون تمييز بين الناس. بل إن بعضهم يتلذذ غير آبهٍ بمعاناة سكان غزة برمتهم. وبالتالي، لا تجرؤ وسائل الإعلام على الإفصاح بصوت عالٍ إنه حتى الأبرياء او الأبرياء تحديدًا هم من يُقتلون في غزة. عبارات مثل "تسوية غزة بالأرض" صدرت من أفواه وزراء في الحكومة، والمقولة المعروفة: "ليس هناك أبرياء في غزة" تتردد كثيراً داخل أوساط الجمهور الإسرائيلي.

نفس المقولة، التي يتم التعبير عنها أيضًا في أداء الجيش في الميدان – أدت الى قتل ثلاثة رهائن إسرائيليين. وقد قُتل هؤلاء على يد الجيش الإسرائيلي عندما كانوا يحملون الراية البيضاء ويرفعون أيديهم الى الأعلى. لأنه بحسب رأي الكثيرين لا يوجد أبرياء في غزة، حتى لو كانوا محتجزين إسرائيليين، ممن تخلت عنهم دولتهم في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. مشكلتهم الوحيدة أنهم في غزة، وهذا كاف لقتلهم والتخلي عنهم من جديد.

لذلك، عند مواجهة الخطاب الداخلي الإسرائيلي بخبر أن إسرائيل قتلت أطفالاً كثيرين، ممن لا ذنب لهم، سيكون الجواب أن "الأطفال الذين يقتلون اليوم هم إرهابيو المستقبل"، و"حماس هي المسؤولة عن هذا القتل" وما الى ذلك. هذه الإجابات تسعى لطمأنة المشاهد الإسرائيلي، أو منحه الشعور بمشروعيّة القتل، وفوق كل شيء، يجعله ينسى الحقائق البسيطة المتمثلة في أنه يوجد في غزة عشرات الآلاف من النساء والأطفال والمسنين الذين يقُتلون.

بالإضافة إلى ذلك، فإن وسائل الإعلام الإسرائيلية غالبًا ما لا تمنح مساحة للعرب الذين تتم مقابلتهم للحديث عما يجري في غزة. بل إن بعض كبار الصحفيين اليهود انتقدوا القنوات التي تجري مقابلات مع أفراد من المجتمع العربي. على سبيل المثال، خصص الصحفي الكبير في شبكة البث العامة "كان 11"، كالمان ليبنسكيد، عمودا كاملا في صحيفة "معاريف" ضد الصحفي محمد مجادلة، وضد قناة 12 الإسرائيلية، حيث يعمل معلقًا، لمنحه مساحة للحديث حول ما يجري في غزة. والعديد من الصحفيين العرب غابوا عن شاشة الإعلام الإسرائيلي منذ السابع من أكتوبر.

وهكذا، حتى بعد مرور ما يقرب من خمسة أشهر على الحرب، فإن الجمهور الإسرائيلي لا يعرف ولا يعترف بنتائج الحرب على غزة، وعدد عمليات القتل التي تجري هناك. يعرض الإعلام القتلى في غزة على أنهم إرهابيون، كلهم، ويحرص على الابتعاد عن القصص التي تغمر وسائل الإعلام العالمية، والتي عادة ما تتعلق بمقتل الأطفال والنساء جراء الحرب. وهكذا فإن وسائل الإعلام تحجب الحقيقة عن الجمهور الإسرائيلي، وتكتفي بمنحه منفذًا ضيّقًا لاستخلاص النتائج، ما يعكس غالبًا صورة بعيدة عن الواقع. 


الصورة: للصفحة الرئيسية لموقع "القناة 14" اليمينية (صورة ملتقطة عن الشاشة).

ندين أبو لبن

صحفية في جريدة هآرتس. حاملة لقب ثاني في تخطيط المدن

شاركونا رأيكن.م