مكانة المواطنين العرب ك"أقلية" في نظر القانون الإسرائيليّ

في شباط / فبراير 1995، وافقت الأمم المتّحدة على القرار رقم 49/214 المعنون ""العقد الدّوليّ للشعوب الأَصليّة في العالم"". وكان الغرض من القرار هو الاعتراف بالحاجة إلى حماية مجموعات الأقلّيّات الأصليّة في العالم بسبب التمييز الذي يتعرضون له في مختلف الدول في العالم، لا سيّما في مجالات حقوق الإنسان، والتنمية، والتعليم، والصحّة. وكجزءٍ من هذا القرار، تقرّر أنْ يُحتفَل باليوم الدّوليّ للشعوب الأَصليّة في العالم في 9 آب / أغسطس من كلّ عام. وقد اختير هذا التاريخ بمناسبة اليوم الأَوّل لبدء نشاط ""مجموعة عمل الشعوب الأصليَّة"" في الأمم المتّحدة، والّتي بدأت في 9 أغسطس 1982. بدأت هذه المجموعة أنشطتها بهدف الحصول على الموافقة على إعلان دوليّ من قبل الأمم المتّحدة بشأن الاعتراف بحقوق الشعوب الأصليّة في العالم. وقد تمّت الموافقة على هذا الإعلان أَخيرًا كوثيقة قانونيّة غير ملزمة من قبل الأمم المتّحدة في سبتمبر 2007 عندما كانت دولة إسرائيل غائبة عن التصويت.

إن غياب دولة إسرائيل عن التصويت على إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الأصلية ليس من قبيل الصدفة، لأنّ أَيّ اتّفاق من جانبها بشأن الاعتراف بوضع الأقلّيّات الأصليّة يتطلب منها الاعتراف بالحقوق الجماعية للمواطنين العرب كأقليّة قوميّة أَصليّة. ولا حتى من قُبيل الصدفة أن أحكام المحكمة العليا الإسرائيليّة لا تنصّ على الاعتراف بالمكانة الفريدة للمواطنين العرب، باستثناء في قرار حكم واحد عُرض في عام 2002 في قضية ""عدالة ضد بلديّة تلّ أَبيب"" والذي ناقشت المحكمة فيه الالتزام المفروض على المدن المختلطة بإضافة اللغة العربيّة إلى اللافتات البلدية. في تسويغات حكم رأي الأغلبية الذي قبل الالتماس، أشار الرئيس (المتقاعد) ""أهارون باراك"" إلى المكانة الفريدة للأقلّيّة العربية في إسرائيل، كونها أقلّيّة تعيش في الدولة من ""أيّامات ""قديمة"" وبالتالي مكانتها تختلف عن أقلّيّة مهاجرة وأضاف أنّ اللّغة العربيّة هي لغة ""مرتبطة بالخصائص الثقافيّة والتاريخيّة والدينيّة للأَقلّيّة العربية في إسرائيل"".

في كل عام، تحدّد الأمم المتّحدة موضوعًا عينيًّا لليوم الدوليّ للشعوب الأصليّة، وفي عام 2021 كان الموضوع هو ""الشعوب الأصليّة والدعوة إلى عقد اجتماعيّ جديد معهم"". نشأت الحاجة إلى هذا الموضوع من التمييز وعدم المساواة التي يعاني منها العديد من الشعوب الأصليّة في مختلف البلدان وعدم الاعتراف بالمساواة في وضعهم داخل بلدهم. وفي الوقت نفسه، وفي نفس العام، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيليّة حكمًا صادقََا على أَحد أخطر القوانين العُنصريّة ضد الأقلّيّة العربية في إسرائيل، وهو الحكم المتَعلّق بقانون أساس القوميّة، وهذا القانون يعتبر ليس فقط خرقًا لمعاهدات حقوق الإنسان الدوليّة التي التزمت بها إسرائيل، بل يتعارض أيضًا مع الإعلان المتعلّق بحقوق السكّان الأصليّين. ينصّ في البند 3 على أنّ للشعوب الأصليّة الحقّ في تقرير المصير والحقّ في تقرير مصيرهم السياسيّ وتقريره في الدولة الّتي يعيشون فيها. بعبارة أخرى، يتطلّب الإعلان الاعتراف بالأقلّيّة الأصليّة كجزء من المجتمع السياسيّ الّذي يحقّ له التمتّع بحماية دستوريّة متساوية في بلدها. في الوقت نفسه، تخصّص المادة 1 (3) من قانون أساس القوميّة لحقّ في تقرير المصير في دولة إسرائيل للشعب اليهوديّ بشكلٍ فريد فقط وغيرت مكانة اللغة العربيّة من لغة ""رسميّة"" إلى لغة ذات ""مكانة خاصّة"". وبذلك، خلق قانون أساس القوميّة هويّة دستوريّة فريدة للشعب اليهوديّ، ومنح شرعيّة دستوريّة للتفوّق العرقيّ للأغلبيّة اليهوديّة في دولة إسرائيل، وتجاهل عمداً وضع المواطنة للمواطنين العرب واستبعدهم من المجموعة السياسية الّتي يحقّ لها التمتع بحماية دستوريّة متساوية كمواطنين داخل دولتهم.

هذا القرار القضائيّ لا يتجاهل القانون الدوليّ فحسب، بل يتجاهل أيضًا الطريقة التي منحت بها دساتير مختلف البلدان الديمقراطية في العالم الحماية الدستوريّة للأقلّيّات داخلها، حتّى لو لم يُعتَرَف بهذه الأقلّيّات كأقليات من السكّان الأصليّين، ولكن كأقلّيّات عرقيّة، أو قومية، أو دينيّة، أو لغويّة. على سبيل المثال، أثناء الإقرار على الدستور في دولة ""مقدونيا"" في تسعينيَات القرن الماضي، تقرّر أن ""مقدونيا هي بلد الشعب المقدوني"" على الرغم من أن 20٪ من المواطنين كانوا أقلّيّة ""ألبانية"". اندلعت موجة عنف شديدة بشكلٍ خاصّ في البلاد بعد استبعاد الأقلّيَة ""الألبانيّة"" من تعريف الهويّة الدستوريّة في الدستور، ممّا أدّى في النهاية إلى تعديله.

أيضًا، في عام 1983 وأثناء فترة ""الأبرتهايد"" او الفصل العنصريّ في جنوب إفريقيا، تمّ الإقرار على دستور جديد تضمّن في البند 100 (9) تعريفًا لـ ""المجموعة"" الذي يطبق عليها الدستور بطريقة تشمل البيض، والملونين، والآسيويين، واستبعد من التعريف السود، الذين كانوا في الواقع الأغلبيّة المحرومة من السكّان الأصليّين في جمهوريّة الأبرتهايد. قوبل هذا الدستور الجديد بمعارضة ""الحركة المناهِضة للفصل العنصريّ"" ولكن فقط بعد نهاية هذا النظام وُضِع دستور جديد مؤقَّت في عام 1993 والّذي نص في بند 5 (3) على أنّ الدستور سيطبَّق على كلِّ مواطِن في جنوب إفريقيا، بالإضافة إلى 11 لغة تمَّ الاعتراف بها على أَنّها لغة رسميّة والتي تضمَّنَت لغات المجموعات الأصليّة وهذا من أجل الاعتراف بالوضع الجماعيّ لهذه المجموعات. هذا هو الحال أَيضًا مع الدستور الكنديّ الّذي، بالإضافة إلى اللغة الإنجليزيّة كلغة رسميّة، اعترف أَيضًا باللغة الفرنسيّة كطريقة للِاعتراف بالأقلّيّة الفرنسية في مقاطعة ""كويبيك"". كما اعترف الدستور البلجيكيّ بأَربعِ لُغات رسميّة تشمل لغة الأَقلّيّات في البلاد.

رفضت المحكمة العليا جميع الالتماسات الخمسة عشر المقدَّمة ضدّ قانون أَساس القوميّة وَرُفضت ادّعاءات الملتَمسين بخصوصِ انتهاك حقِّ المواطنين العرب بالمساواة بسبب استبعادهم من قانون الأساس هذا. قرّرت الرئيسة ""حايوت"" أَنّه ليس من الضروريّ بالنّسبة لها أَنّ تَتَّخذ قرارات بشأن وضع الحقوق الجماعيّة للأَقلّيّة العربيّة في القانون الإسرائيليّ، لأَنَّ الحقّ في تقرير المصير كما هو منصوص عليه في قانون أساس القوميّة يتعلّق بالجانب ""الخارجي"" لهذا الحقّ، أَي الحقّ في إقامة دولة للشعب اليهوديّ كما عُبّر عنه أيضًا في إعلان استقلال دولة إسرائيل. كما نصّت على أنَّ قانون أساسي لا يَستبعد الحقوق الثقافيّة للمواطنين العرب على المستوى المحلّيّ. بالنسبة لها، فإنّ اعتراف القانون الإسرائيليّ بأيّام الراحة والعطل ""للأقلّيّات غير اليهوديّة"" وبأن المناهج الدراسيّة في جهاز التعليم يتلاءم مع ""الظروف الخاصّة"" للمواطنين العرب وبأنَّ قضايا قانون الأحوال الشخصيّة تنظمها المحاكم الدينيّة الخاصّة بكلّ طائفة كافية للتأكيد بأنّ الحقوق الجماعيّة للمواطنين العرب كأقلّيّة لم تتضَرّر. وانضم إلى هذا الموقف بقية القضاة، باستثناء القاضي ""جورج قرا""، الذي كان القاضي العربيّ الوحيد الجالس في اللجنة الموسَّعة التي ناقشت الالتماسات. صرح القاضي ""قرا"" أنّه، حتّى لو اعترف القانون الإسرائيليّ بالحقّ في المساواة، غياب الاعتراف بالحقوق الجماعيّة للأقلّيّة، لن يمكن حماية هذه المجموعات ولا يمكن تحقيق مساواة جوهرية بين الأغلبيّة اليهوديّة والأقلّيّة العربية في الدولة، حيث لا يتمتّع المواطنون العرب بالمساواة في الواقع في إسرائيل. وفيما يتعلّق باستبعاد المواطنين العرب من القانون الأساسيّ للجنسيّة وعدم الاعتراف بحقّهم في تقرير المصير، سوّغ القاضي قرا أنّ جوهر القانون بالنسبة للأقلّيّة العربيّة ""مرير ويصعب عليهم ابتلاع العبء"" لأنّه ينفي المبادئ الديمقراطيّة الأَساسيّة ويستبعد المواطنين العرب المقيمين في إسرائيل.

لا شكّ في أَنّ الاعتراف بمكانة الأقلّيّة العربية في القانون الإسرائيليّ كأقلّيّة أصليّة له العديد من الانعكاسات السياسيّة الحاسمة وليس القانونيّة فقط. لأَنّ الاعتراف بالمواطنين العرب كأقلّيّة أصلية سيتطلب من دولة إسرائيل الاعتراف علنًا ورسميًّا بالظلم التاريخيّ الذي لحقّ بالفلسطينيّين خلال وبعد النكبة، والاعتراف بحقّ الفلسطينيين في تقرير المصير، والاعتراف بملكيّة الأرض وعلى ممتلكات اللاجئين الفلسطينيّين، والاعتراف، بل واتّخاذ إجراءات فعّالة لعودة المواطنين المهجّرين إلى قراهم والاعتراف بالمساواة الكاملة بين المواطنين العرب والأغلبيّة اليهوديّة في الحقوق الفرديّة والجماعيّة.

الصورة: من موقع "القدس العربي".

المحامية سوسن زهر

مختصة في مجال حقوق الإنسان ونائبة مدير مركز "عدالة" الحقوقي سابقًا

شاركونا رأيكن.م