مؤتمر Women Deliver 2023 – النساء تنجزن 2023
حظيتُ هذا الصيف (17-20 يوليو) بشرف المشاركة في مؤتمر Women Deliver السادس في كيغالي عاصمة رواندا، حيث رافقني والدي في هذه التجربة. Women Deliver هي مؤسسة مناصَرة عالمية رائدة تدافع عن المساواة بين الجنسين وتعمل من أجل صحة وحقوق الفتيات والنساء حول العالم. شارك في هذا المؤتمر 6,000 امرأة ورجل من أكثر من 166 دولة.
كان مؤتمر2023 Women Deliver تجربة فريدة وملهمة جداً بالنسبة لي. كانت هذه هي المرة الأولى التي أسافر فيها إلى خارج البلاد للمشاركة في مؤتمر مهني. كان التواجد في بيئة ضمّت العديد من الأشخاص المتقاربين فكرياً، من أماكن مختلفة من العالم، والذين يؤمنون ويعملون من أجل هدف مشترك يتمثل في تحقيق المساواة بين الجنسين، أمرًا محفزاً ومشجعاً للغاية.
في حفل الافتتاح استمعنا إلى كلمات رؤساء رواندا والسنغال وأثيوبيا والمجر الذين تحدثوا عن مكانة المرأة في بلادهم وعمّا يقومون به من أجل قضايا المرأة وعلى رأسها تطبيق حق المساواة على أرض الواقع، كما تطرقوا إلى التحديات التي تواجه النساء في بلادهم والسبل لدعم مكانة المرأة محلياً وعالمياً. بالاضافة للرؤساء، قدّمت نساء مؤثرات وإعلاميات من وسائل إعلام عالمية كلمات مهمة تتعلق بمسيرة المرأة نحو المساواة والاستقلالية والتحرر، كما قدم فريق الباليه الوطني لرواندا عرضاً للجمهور الغفير الذي حضر حفل الافتتاح المهيب في قاعة ضخمة ضمّت آلاف المشاركات والمشاركين. خلال حفل الافتتاح، شعرت بقشعريرة تسري في جسدي طوال الوقت وتأثّرت كثيراً عندما رأيت أعداداً كبيرة من الناس تعمل من أجل عالم أفضل يتم فيه التعامل مع النساء على قدم المساواة. خلال الأيام التالية للمؤتمر، قمت بتوسيع شبكة علاقاتي حيث التقيت بأشخاص جدد من مختلف دول وقارات العالم (من أفريقيا، آسيا وأمريكا) وشاركت في ندوات مهنية مختلفة كما تذوّقت عن قرب طعم الثقافة والتراث لدى الشعب الرواندي من خلال العروض التي تم تقديمها خلال أيام المؤتمر.
كان أبرز أيامي الأربعة هو لقاء مالالا يوسف زاي ووالدها ضياء الدين يوسف زاي. مالالا هي ناشطة باكستانية في مجال التعليم للفتيات والنساء حازت على جائزة نوبل للسلام عام 2014 وهي في السابعة عشرة من عمرها (لتكون بذلك أصغر فائزة بجائزة نوبل في العالم). أصبحت مالالا يوسف زاي رمزًا دوليًا للنضال من أجل تعليم الفتيات بعد أن تم إطلاق النار عليها في عام 2012 لمعارضتها قيود طالبان على تعليم الإناث في وطنها الباكستان. وكانت أكثر اللحظات التي أفتخر بها، عندما أهديتها نسخة من كتابي "هي تقود الطريق" She Leads The Way والمكتوب باللغتين الانجليزية والعربية والذي كتبته حول نساء فلسطينيات رائدات وملهمات ويهدف إلى تشجيع الفتيات الفلسطينيات وتحفيزهن على التعليم أولاً وعلى تحقيق أحلامهن ثانياً لكي يصلن، هن أيضاً، إلى قمم النجاح في مجالات مختلفة في الحياة مستلهمات بقصص نجاح نساء فلسطينيات مثلهن ومن صلب مجتمعهن. لقد استمتعت جداً بالحوار الذي دار مع مالالا ووالدها وهما يشاركان تجاربهما وعقباتهما وأحلامهما. ذكّرتني علاقة مالالا ووالدها بديناميكية العلاقة بيني وبين والدي وشعرت بأن حضور والدي معي إلى رواندا ودعمه لي وإيمانه بقدراتي يذكّر بالدعم الذي حصلت عليها مالالا من والدها المساند خلال مسيرتها. في نهاية الجلسة، سألت مالالا ووالدها عن هدفهما على المدى القصير وعلى المدى البعيد. وكانت إجابة مالالا أن هدفها على المدى القصير هو عودة الفتيات الأفغانيات إلى المدرسة وتلقي التعليم. لقد حزنت جداً لهذا الواقع المؤلم للفتيات الأفغانيات والذي حدا بمالالا أن تتمنى لهن ما كانت تتمناه وتعمل من أجله كفتاة باكستانية، ألا وهو حصول الفتيات الباكستانيات على الحق في التعليم في المدارس. أما والد مالالا فقد بعث الأمل والحماس لدى الحضور عندما أجاب أن هدفه على المدى البعيد هو تحطيم الأبوية وتفتيتها إلى شظايا!
خلال المؤتمر كان هناك مئات الأكشاك لمؤسسات من مختلف بقاع الأرض تعمل من أجل حقوق الفتيات والنساء وتوعيتهن ودعمهن، بما في ذلك في مجال صحتهن النفسية والجنسية.
من بين هذه المؤسسات قابلت ثلاث نساء من كوستاريكا يعملن في مشروع يدعى "Soy Niña" (ويعني "أنا فتاة"). هذا المشروع منظمة غير ربحية تعمل مع الفتيات والمراهقات اللائي يعشن في مجتمعات معرضة لخطر نفسي واجتماعي. وتعمل المؤسسة مع الفتيات حتى يتمكنّ من تعزيز قدراتهن الاجتماعية والعاطفية ليتمكنّ من الاعتناء بأنفسهن والبقاء في النظام التعليمي واتخاذ قرارات مستنيرة. وقد شاركوني تفاصيل البرامج التي ينفذونها والمواد التي يستخدمونها ووعدوا بمساعدتي على تنفيذ مشروع مماثل في فلسطين.
قابلت أيضًا امرأة كولومبية تعمل في منظمة "سرد القصص"، نشرت مؤخرًا كتابًا بعنوان "Stories of Girls Resistance". (قصص مقاومة لفتيات). وقد أهدتني نسخة من كتابها الشيّق الذي يتضمن مجموعة قصص عن فتيات من جميع أنحاء العالم قاومن بطرق مختلفة كل أنواع الاضطهاد والتمييز والقمع. كان من الرائع حقًا رؤية وجود قصص لفتيات فلسطينيات في الكتاب. كانت هذه السيدة تضع دبّوسًا على قميصها مكتوباً عليه "فلسطين حرة" وأخبرتني أنها تعتقد أنه إذا لم تتحرر فلسطين من الاحتلال، فلا فائدة من هذه المؤتمرات في المقام الأول. كان من الملهم رؤية شخص غير فلسطيني يعمل ويضحي من وقته من أجل القضية الفلسطينية ومن أجل تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني. أعطيتها نسخة من كتابي "هي تقود الطريق" وكانت سعيدة للغاية.
كما تشرفت بالمشاركة في لقاء باسم "المراهقات العربيات". كنت متحمسة حقًا للمشاركة في هذا اللقاء لأنني شعرت أنه سينطبق عليّ وعلى واقعي. في البداية، بدأ المتحدثون بنشر إحصائيات مثيرة للقلق حول الواقع في الدول العربية. الإحصاءات المتعلقة بزواج القاصرات ونقص التعليم والعنف القائم ضد الفتيات والنساء. على الرغم من علمي بالأوضاع في المنطقة العربية، إلا أنني لم أكن أعي أنها بهذا الحجم المرعب. بعد سماع الإحصائيات تمت مشاركة قصص شخصية لفتيات في العالم العربي سالت لها دموعي. تمت مشاركة قصة عن فتاة سورية تزوجت في الثالثة عشرة من عمرها ثم أنجبت طفلين ثم تعرضت للعنف الأسري. أحزنتني جداً هذه القصص وهذا الواقع، ولكنّ الأمل عاد يراودني عندما شاركت النساء المشاركات قصص وتفاصيل المشاريع المختلفة التي يعملن فيها ومن خلالها لتحدي الوضع الراهن وتغييره والتي منحتني المزيد من الرغبة والإصرار على العمل من أجل التغيير.
كان لي شرف الحديث في المؤتمر عن واقع وتحديّات النساء والفتيات الفلسطينيات وخاصة النساء والفتيات في غزة وواقعهن الصعب والمؤلم، بما في ذلك بسبب الويلات التي عانت منها نتيجة الحروب والمعارك التي شنّها جيش الاحتلال الاسرائيلي على قطاع غزة، وقد حظيت مشاركتي بتفاعل كبير من قبل الجمهور.
كان هذا المؤتمر تجربة رائعة ومدهشة وملهمة. أغنتني هذه التجربة بمادة كبيرة للتفكير، والأهم من ذلك أنها قوّت لدي الدافع لمحاولة تغيير واقعنا، واقع المرأة الفلسطينية.
لور دحلة
طالبة فلسطينية تبلغ من العمر 16 عامًا، تشغل رئيسة مجلس الطلاب في مدرستها. لور, متعددة اللغات، وهي عضو في أكاديمية "افاق" وفي برنامج رواد المسقبل في الشرق الأوسط MEET. أصدرت كتاباً باللغتين الانجليزية والعربية بعنوان: "هي تشق الطريق - She Leads the Way. لور تلقي محاضرات باللغة الانجليزية حول قضايا الشباب, وحقوق النساء والمساواة لمجموعات قيادية من البلاد والخارج ممن يرغبون في التعرف على رؤى وأحلام الشباب الفلسطيني. كما أنها ناشطة اجتماعية تناضل من أجل المساواة والعدالة والتغيير الاجتماعي وتسعى لجعل العالم مكانًا أفضل للجميع