الشباب... بين الاستقلالية عن الأهل والصعوبات المنوطة بذلك

جيل الشباب هو مصطلح يطلق على مرحلة عمرية يكون فيها الإنسان في ذروة القوة، الحيوية والنشاط من بين جميع مراحل العمر لدى البشر حيث تتميز هذه المرحلة بالحماس، الجرأة والاستقلالية.

تعد مرحلة الشباب من أهم المراحل التي يمر بها الانسان، إذ تبدأ الشخصية بالنضوج والتبلور من خلال مهارات مختلفة يكتسبها الفرد من البيئة المحيطة به ومن خلال النضوج الجسماني والعقلي، كما أن للعلاقات الاجتماعية دوراً لا بأس به في بلورة هذه الشخصية.

بالإضافة إلى كون مرحلة الشباب مرحلة مميزة في حياة الإنسان كفرد، فهي مميزة أيضا في حياة المجتمع، إذ أنها تشكل مرحلة التطلع إلى المستقبل والطموح إليه فنرى فئة الشباب الصالحة تدفع بالمجتمع نحو الأمام بهدف التقدم والازدهار. فالشباب أمل المستقبل وروح المجتمع النابضة.

كذلك، تعتبر فئة الشّباب من أهمّ الفئات التي تعمل على بناء وتنمية المُجتمع. فهي تعتبر عموده الفقريّ الذي لا يُمكن الاستغناء عنه لما لدى الشباب من سمات وخصائص، أبرزها: العطاء بما يمتلكونه من الطاقة والعزيمة، الفضول وحب الاستطلاع في إطار السعي إلى إدراك ما يدور في محيطهم، الطموح وتحديد الأهداف، الاستجابة للمتغيرات من حولهم والقدرة على تقبل كل جديد، تحمل المسؤولية ومواجهة التحديات. مقابل هذه السمات، نرى أن لدى البعض من الشباب ميلاً إلى الاندفاعية والتسرع في اتخاذ القرارات لأنهم يفتقرون إلى حكمة الحياة وتجاربها. كما نلمس ارتفاعاً في مستوى التوتر لديهم مما يجعلهم عرضة لانفجارات انفعالية خلال علاقاتهم الاجتماعية مع الأسرة والأصدقاء وغيرهم.

من المهم معرفة الاحتياجات الأساسية للشباب والعمل على تلبيتها او على الأقل أخذها بعين الاعتبار وعلى محمل الجد وذلك من اجل معرفة درجة استعداد الشباب على الانخراط في المجتمع وحثهم على ذلك. مع التنويه إلى أن مفهوم الاحتياجات مفهوم نسبي يختلف من مجتمع إلى آخر.

من اهم الاحتياجات في هذا الجيل الحاجة إلى تقبل الشباب وتقبل آرائهم، وخاصة من قبل الأهل والمحيط القريب منهم. كما أن الحاجة إلى تحقيق الذات تعتبر حاجة مهمة أيضاً، من خلال اعطائهم إمكانية الاختيار بشكل حر وواعٍ في كل ما يتعلق بتفاصيل حياتهم الشخصية ودورهم في المجتمع وشعورهم بالانتماء إلى مجتمعهم. فالحاجة إلى الاستقلالية الشخصية تعتبر مقدمة لبناء شخصية مستقلة وتأهيلها لأخذ القرارات المصيرية في الحياة على أصعدة مختلفة.

ترتكز الاحتياجات التي ذكرت أعلاه على حاجة هامة تعتبر لب معظم الاحتياجات لدى الشباب، ألا وهي الحاجة والرغبة في الاستقلالية عن الأهل، إذ تُعتبر هذه نوعاً من أنواع السعي نحو تأكيد الذات وبلورة الشخصية وصقلها. 

هذه الحاجة، وعلى الرغم من الحيز الكبير الذي تأخذه لدى الشباب، إلا أنها تحمل في طياتها تناقضات عديدة. فالرغبة في الانفصال والاستقلالية عن الأهل هي أمر طبيعي في هذه المرحلة العمرية، الا أن الشباب يكونون في أغلب الأحيان بحاجة إلى الأهل للاستشارة أو المساعدة وتلقي الدعم والنصائح.

فكرة الانطلاق إلى الاستقلالية وخوض هذه التجربة تحمل معها صعوبات وتحديات كثيرة من الممكن أن تواجه الشباب خلال شق هذا الطريق والسير فيه. نذكر منها المعارضة والرفض من قبل الأهل والمجتمع، والتي من شأنها أن تشكل حاجزاً أمام الشباب لأتخاد مثل هذه الخطوة. هذا الرفض يعود لعدة أسباب، منها العادات والتقاليد، وخاصة في مجتمعنا الذي يتوقع من الشباب أن يحافظوا على الروابط الأسرية فيشعر الشباب بأنهم لا يستطيعون الانفصال عن الأسرة بشكل كامل، حتى بعد الارتباط والزواج. خوف الأهل على أبنائهم من الانحراف وتبني سلوكيات وعادات غير مقبولة يشكل أيضاً أحد الأسباب لرفض الأهل، كما نرى أن قسماً من الأهل لا يؤمن بقدرة الأبناء الشباب على تحمل المسؤولية ومعاركة تجارب الحياة بمفرده.

لا شك في أن للعبء المادي وزناً لا بأس به عند اتخاذ قرار الاستقلالية عن الأهل وهو يشكل أحد العقبات التي تواجه الشباب وذلك بسبب غلاء المعيشة ومتطلبات الحياة الكثيرة وارتفاع أسعار إيجار المساكن وكل ما هو متعلق بذلك.  

مواجهة تحديات الحياة بشكل منفرد تشكل أيضاً إحدى الصعوبات التي تواجه الشباب في الاستقلالية عن الأهل، بسبب افتقارهم إلى التجربة والحكمة في الحياة.

ولكن، على الرغم من هذه الصعوبات، نرى أن نسبة لا بأس بها من الشباب تقدموا نحو هذه الاستقلالية، وخاصة في مرحلة التعليم الجامعي، حيث السعي وراء تجربة جديدة تجذب الشباب وتستهويهم. لهذا، علينا أن نكون على قدر كاف من الوعي والادراك بما يختلج في صدور أبنائنا من احتياجات أساسية، كالانفصال والاستقلالية عنا. وبالمقابل، علينا أن نكون متيقظين لما تحمله هذه التجربة من عواقب وصعوبات. كما ينبغي علينا أن نكون على يقين بأن جيل شباب اليوم يختلف عن جيل الشباب الذي عهدناه في الماضي. فالحقبة الزمنية التي يعيشون فيها اليوم تختلف تمام الاختلاف عن أيامنا الماضية لما تحمله أيامنا الحالية من سرعة تطور التكنولوجيا ومتطلبات الحياة الزائدة. 

نرى شباب اليوم لا يرضون بالموجود كما عهدنا الأجيال السابقة. فطموحهم وعدم رضاهم بالقليل يدفعهم نحو الاستقلالية. بالإضافة الى ما ذكر، فإن عدم تقبلهم لسلطة الأهل أو كبار السن من العائلة وعدم الرغبة في الانصياع لأوامرهم أو العمل وفقاً لقرارتهم، كما كان سائداً ومقبولاً في الماضي، يشكل دافعاً آخر للاستقلالية، أيضاً. نستنتج إذاً أن هذه الحاجة والرغبة تنبعان أيضاً من تطور المجتمع والتحديث الذي يمر به مجتمعنا حيث يلعب هذا دوراً هاماً في صقل شخصية الشباب وبلورة طريقة تفكيرهم.

وختاماً، من المهم مناقشة هذه الخطوة مع الأبناء بشكل مباشر وعرض أبعادها وعواقبها مع التطرق إلى أدق التفاصيل والتخطيط المسبق لها، من أجل ملاءمة توقعات الشباب لما ينتظرهم عند اتخاذ مثل هذا القرار. كذلك يتوجب على الوالدين التذكر بشكل دائم أنهما قدوة يحتذى بها من قبل الأبناء الشباب، لذلك عليهما حث الشباب على أخذ المسؤولية وتعزيز ثقتهم بنفسهم والإيمان بقدراتهم. حضور الأهل الفعال في حياة أبنائهم كفيل بأن يجعل الشباب يستمدون قوتهم من أهلهم وهو ما يفتح أمامهم الباب لطلب المساعدة أو الإرشاد على مواجهة الصعوبات والتحديات. فعلاقة الاهل بالأبناء تكون بمثابة بوصلة للشباب من أجل إيصالهم إلى بر الأمان في مرحلة الاستقلالية عن الأهل. 

نبيلة نخلة - أبو حلو

عاملة اجتماعية، موجهة مجموعات، مرشدة أهل لجيل المراهقة والطفولة ومستشارة عائلية وزوجية ومحاضرة في مجال الانترنت الآمن            

شاركونا رأيكن.م