الطريق إلى الوالدية عندما تتعذر الوالدية البيولوجية
الوالدية هي طموح أو ربما غريزة، لكل إنسان وكائن حي للإنجاب من أجل استمرارية الحياة والتكاثر، ولو لم تكن هذه الرغبة أو الغريزة لانقرضت الكائنات الحية منذ البدء، من زمن الخليقة. وبحسب الروايات، فمنذ وجود آدم وحواء والبشرية في استمرار، الولادة والتكاثر إلى يومنا هذا.
الوالدية لدى البشر والطبيعة الإنسانية هي حلم كل الأزواج والأفراد أيضا، الإنجاب وتربية الأولاد.
هنالك العديد من الطرق ليصبح الأفراد فيها أهلاً، والدًا/ة:
الطريق الأولى إلى الوالدية
المتبع في المجتمعات الكونية هو أن تتكون العائلة بعد زواج الرجل والمرأة، أو دون عقد زواج رسمي، يبنيان عشًا زوجيًا ثم ينجبان الأطفال بعد ممارسة علاقة جنسية مباشرة بينهما، يتم الحمل في رحم المرأة من بويضة ملقحة من حيوان منوي من الرجل الشريك. وهذا النمط الأول لتكوين أسرة، يشكل الأغلبية الساحقة في العالم.
الوالدية "البديلة"
تظهر الحاجة لإيجاد بدائل للوالدية عندما تكون لدى الزوجين صعوبة في الإنجاب لأسباب تتعلق بصحتهم العامة ومعوقات مختلفة، فنراهما يبحثان عن بدائل أخرى لكي يحظوا بالوالدية، بعد فشل كافة الطرق العلاجية المختلفة، إذا أرادوا العلاج.
التبني كبديل أول للوالدية البيولوجية
هي الطريقة الكلاسيكية التي لا تتطلب تدخلًا فيزيولوجيًا وعلاجات للمرأة والرجل، إنما تحدث الوالدية بتبني الوالدين وتربية أولاد آخرين ليسوا أولادهما البيولوجيين، لأسباب وظروف خاصة بهؤلاء الأولاد. والمقصود من عملية "التبني" أنها عملية قانونية تتيح لشخص أو زوج أن يتبنوا طفلًا أو بالغًا آخر (لغاية 15 سنة)، ويصبح الطفل جزءًا من عائلتهم القانونية. ويمكن أن يتم التبني عادة للأطفال الذين فقدوا والديهم أو للأطفال الذين وُلدوا من والدين غير قادرين على تربيتهم أو تبني عائلة لأولاد بوجود أهلهم البيولوجيين بالاتفاق، لكن هذه الحالة نادرة رغم أنها قد حصلت سابقًا، بل من الممكن أن تحصل بين أقارب من العائلة نفسها.
تختلف عملية التبني من بلد إلى آخر، وقد تشمل العملية العديد من الخطوات، بما في ذلك تقييم الأهل المتقدمين للتبني، وتقييم وضع الطفل المراد تبنيه، وتوفير الخدمات اللازمة للوالدين المتقدمين للتبني لمساعدتهم على إعداد الطفل للحياة في بيت العائلة الجديد. وأحيانًا تستغرق هذه العملية وقتًا طويلًا وتكون معقدة وفيها الكثير من الانتظار للمتبنين، للتأكد من استقرار العائلة والتعامل مع التحديات التي سوف يمرون بها مع الطفل لضمان حياة مستقرة وآمنة له.
عن هذا الموضوع كنت قد توجهت إلى العديد من الأهالي المتبنين وطرحت أسئلة شخصية وعامة عن نقاط عدة (أسماؤهم محفوظة لعدم رغبتهم في النشر، مع التفهم الشديد لحساسية الموضوع). وأهم النقاط التي برزت:
اتخاذ القرار من الزوجين والاستعداد وقبول الموضوع، عاطفيًا ونفسيًا واجتماعيًا، ثم التوجه إلى الهيئات والمؤسسات المختصة لمعالجة الأمر وتنفيذ القرار، تقديم طلبات واستمارات، إجراءات ملاءَمة ظروف العائلة الاقتصادية والصحية والنفسية مع مراعاة السن بحيث يكونان مناسبين للتربية وقادرين على ذلك، فحص وجود أولاد بيولوجيين للأهل المتبنين أو تم تبنيهم، ملاءَمة الدين بين المتبنين والمُتَبَنى حسب معايير قانونية، من أي منطقة (هذا إذا كانوا من الدولة نفسها) حيث من الضروري أن تكون مناطق السكن متباعدة جغرافيًا، إن كان المتَبنَّى من البلاد أو من خارج البلاد، المحافظة على السرية التامة في عملية التبني في عدم الكشف عن الأهل البيولوجيين للمُتَبَنى.
عن تجربة الاندماج الأول مع المتبنى قالت إحدى الأمهات إنه في المرة الأولى التي رأت الطفل المقرر تبنيه من المؤسسة، لم يحصل أي ترابط أو شعور بالانسجام من طرفها تجاهه، ورفضت أخذه، ولكن في المرة الثانية وبعد انتظار طويل استطاعت التواصل مع طفل آخر في الحال واستطاعت الحنو عليه، وأخذته إلى البيت بعد إجراءات تدريبية ودورات مهنية عالية لمعرفة كيفية التعامل معه.
النواحي العاطفية والنفسية مهمة جدًا لدى الأهل المتبنين، ومرحلة الاندماج الأولى في العائلة تكون تدريجية وليست سهلة وتحتاج إلى مرافقة مهنية، كما تحصل الأم أيضًا على إذن ولادة عاديًا من مكان عملها، إذا كانت تعمل، وفي بعض أماكن العمل، يحصل الأب أيضًا على إذن ولادة.
"التبني المؤقت" والعائلة الحاضنة
هنا يدخل جانب إضافي من عملية "التبني المؤقت" هو أن تتبنى عائلة لديها أولاد، أو ليس لديها أولاد، أطفالًا يُبعَدون عن الأهل البيولوجيين ويُنقلون بطرق قانونية للعيش عند عائلة حاضنة، تقوم برعايتهم والحفاظ عليهم، لتعذر قيام عائلتهم الأصلية بذلك، وذلك لأسباب مختلفة، مثل مرض الأم أو إمكانيات مالية محدودة جدًا، أو عنف في داخل تلك العائلة وغيرها. يبعد الأولاد إلى العائلة الحاضنة بشرط أن تكون ظروفها خاضعة لمعايير ومحاذير واضحة ويكون الأمر مؤقتًا إلى أن تتحسن أحوال العائلة الأصلية، ويكون ذلك تحت مراقبة ومرافقة مكاتب الخدمات الاجتماعية ومختصين نفسيين.
"الأم البديلة "surrogate mother البديل الثاني للوالدية البيولوجية
البديل الثاني هو عبارة عن زراعة جنين في رحم امرأة متبرعة لتكون أحشاؤها حاضنة للجنين وعادة يكون ذلك مقابل مبلغ مالي، لذلك يطلق عليها "الرحم المستأجَر". في هذه الحالة، تعطي الأم البيولوجية بويضة منها والأب البيولوجي يعطي حيوانات منوية كل على حدة في المستشفى، برقابة أطباء مختصين، ويتم زراعتهم بعد ذلك في رحم المرأة المتبرعة، برقابة طبية مشددة وواضحة وخاضعة لعدة شروط وبنود قانونية وصحية، يخضع لها الأهل البيولوجيون والمتبرعة لحمل الجنين.
هذه الطريقة هي حديثة نسبيًا في العالم، وقد حدثت أول حالة ولادة طفلة لأم بديلة في إنجلترا في العام 1986. وقد حدثت الولادة نتيجة لتقنية التلقيح الصناعي، بزراعة بويضة من الأم وحيوانات منوية من الأب في رحم الأم البديلة، وبعدها بدأت الطريقة بالانتشار في العالم، وهي تستعمل لمن يواجهون صعوبة في الإنجاب.
وعلى نفس المبدأ، فتحت هذه الطريقة مجالًا كبيرًا لدى كثيرين للإنجاب وحققت لهم رغبتهم في أن يكونوا والدين، لمثليين/ات، لأفراد يختارون الإنجاب في إطار أحادي العائلة. فالإمكانيات باتت متاحة، حيث يوجد اليوم بنك تتوفر فيه بويضات أو حيوانات منوية مجمدة لمتبرعين أو متبرعات، تحفظ في "بنك خاص" يحافظ على السرية، وكلها محفوظة ومجمدة بشكل مهني عالي الدقة، ويجري التنفيذ بطرق قانونية معترف بها وحسب معايير واضحة لدى الأفراد تستوفي شروط الملاءَمة لوالدية سليمة، من منطلق أن الوالدية هي حق طبيعي وقانوني لكل البشرية.
عن تجربة الوالدية البديلة بالطريقة الثانية، "الأم البديلة"، كنت قد تحدثت مع أهل خاضوا هذه التجربة وهم سعداء الآن جدًا بالولادة (أسماؤهم محفوظة لحساسية الأمر)، هذا ما جاء بعد طرح الأسئلة والاستفهام:
"حاولنا بكل الطرق والزراعة بالأنبوب مرارًا، ولكن لم ننجح في الحمل، خفنا أن نكبر في العمر ويضيع الوقت هباءً، فتوجهنا لجمعية تعنى بهذا الشأن وترتب أمور إيجاد "أم بديلة" لكي نقوم بالزرع في أحشائها. الموضوع ليس سهلًا ويتطلب إجراءات قانونية وفحوصات مختلفة. في البداية فكرنا بالتبني، ولكن فضلنا الإمكانية الثانية لأن المولود سيكون من لحمنا ودمنا نحن، يحمل تفاصيلنا البيولوجية والوراثية، ومع أن الأمر كان مكلفًا ماديًا، ولكن النتيجة في النهاية تستحق العناء."
"تكبدنا تعبًا ومرافقة للأم البديلة من يوم حملها حتى ولدت المولود، كان كل شيء مرتبًا قانونيًا وصحيًا ويخضع لرقابة مشددة، كنت شريكة كاملة أنا وزوجي مدة 9 أشهر، إلى أن جاء يوم الولادة. هذا اليوم لا يُنسى. عندما خرج الطفل ضممته إلى صدري أنا وزوجي، وطلبنا من الأم البديلة ألا تراه أبدًا وألا تبقى على تواصل معنا، لصالح العائلتين. فهي متزوجة ولديها ولدان من زوجها، مكثنا في المستشفى في غرفة خاصة أنا وزوجي مدة 5 أيام تحت رعاية طبية وإرشاد الطاقم الطبي، نحن والطفل، سجلنا الطفل بإسمينا قانونيًا، ثم خرجنا إلى الحياة والبيت معه، لم تكن لدينا أي ارتباكات وحرج في تقبله والعطف عليه والإحساس به لأنه كان بالنسبة لنا الحلم المُنتَظَر والطفل المُشتَهى، بل ويحمل ملامحنا ذاتها."