الذكرى الثانية لهبّة الكرامة.. معاناة، أحكام قاسية وخيبة أمل
وسط شهور من التوترات السياسية والأمنية في البلاد، نحيي الذكرى الثانية لأحداث هبة الكرامة في أيار/مايو 2021 والتي ما زالت انعكاساتها جلية حتى يومنا هذا.
شكلت الهبّة، بحجمها وتوقيتها، حدثاً سياسياً وأمنيًا مفاجئًا للمؤسسة الإسرائيلية، كما تبين في تعاطيها مع ملفات معتقلي هبة الكرامة عامة، ومن أبناء المدن المختلطة مثل عكا وحيفا واللد ويافا على وجه الخصوص.
شنّت الشرطة الإسرائيلية وجهاز الأمن العام (الشاباك) حملة اعتقالات واسعة، لا زالت مستمرة حتى يومنا هذا، طالت مئات الشباب من المجتمع العربي على خلفية الاحتجاجات ضد العدوان على غزة واقتحامات المسجد الأقصى ومحاولات تهجير سكان حي الشيخ جراح في القدس المحتلة.
أسرى طمرة من اليمين لليسار، بهاء أبو الهيجاء، محمد أبو رومي، إبراهيم مريح، محمد أبو الهيجاء
ومع إطلاق السراح المشروط بالحبس المنزلي أو الإبعاد لعدد كبير من الشباب المعتقلين، لانعدام الأدلة ضدهم، استخدم جهاز الأمن العام (الشاباك) أساليب تحقيق قاسية جسدياً ونفسياً ضد المعتقلين، ما دفع بعضهم إلى الاعتراف بأمور لم يفعلوها، لدفع الأذى عنهم.
هذا ما قالته السيدة جيهان أبو رومي - والدة الأسير محمد أبو رومي (20 عاماً) من طمرة بعد الحكم على ابنها بالسجن 7 سنوات على خلفية الأحداث: "المحققون استخدموا طرقاً بشعة جدًا لسحب أي اعتراف من محمد، حتى وصلت بهم الحال ليقولوا له إنني متّ! ويريدونه أن يعترف بأنه شارك في حادثة الهجوم على "مستوطن" دخل إلى طمرة في إحدى ليالي الأحداث، ليسمحوا له بالخروج لحضور جنازتي".
الأسير محمد أبو رومي مع والده ووالدته
إضافة بند "الإرهاب"
بعد سنتين من الاعتقال والتحقيق، قدّمت النيابة العامة ما يقارب 400 لائحة اتهام ضد معتقلي هبة الكرامة - بحسب اللجنة الشعبية والتنظيمية لمعتقلي هبة الكرامة – ولم تصدر الأحكام بحق معظمهم، حتى الآن. ما زاد الطين بلة، هو إضافة بند الإرهاب على التهم المنسوبة إلى المعتقلين في لوائح الاتهام، وهو ما ضاعف العقوبات التي تطالب بها النيابة العامة.
وإليكم عينة من الأحكام التي صدرت بحق مجموعة من الشباب: محمد عمر اغبارية (37 عاما) من قرية معاوية صدر ضده حكم يقضي بسجنه 15 سنة. أدهم بشير (25 عاما) صدر ضده حكم يقضي بسجنه 10 سنوات. آدم إسكافي (21 عاما) من حيفا صدر ضده حكم يقضي بسجنه 8 سنوات. يزن حرب (20 عاما) من حيفا صدر ضده حكم يقضي بسجنه 7 سنوات. بهاء أبو الهيجاء ومحمد أبو رومي ومحمد أبو الهيجاء من طمرة صدرت ضدهم أحكام بسجن كل واحد منهم 7 سنوات. خليل خاسكية من عكا صدر ضده حكم يقضي بسجنه 6 سنوات. إبراهيم مريح من طمرة صدر ضده حكم يقضي بسجنه 5 سنوات؛ وخالد الأنصاري من عكا صدر ضده حكم يقضي بسجنه 4 سنوات.
هذا، فضلاً عن عشرات الأحكام الأخرى التي صدرت بحق شبان آخرين بالسجن لفترات تراوحت بين سنة حتى 4 سنوات، وأخرى تقضي بخدمة الجمهور لمدة سنة أو الحبس المنزلي والإبعاد.
معاناة وألم
لا شك أن مئات الشبان وآلاف العائلات تضررت بفعل الأحكام القاسية بحق معتقلي هبة الكرامة، فغالبيتهم ما زالوا في بداية حياتهم، في مرحلة الدراسة الثانوية أو الأكاديمية أو يعملون لكسب قوت يومهم سعيًا لبناء مستقبل أفضل أو إقامة عائلة، وآخرون متزوجون ولديهم زوجات وأطفال وهم المعيلون الوحيدون لعائلاتهم، لتبقى هذه العائلات بعد إصدار الأحكام الجائرة، مكلومة ومصدومة وتفتقر لعمادها وسندها!
إلهام اغبارية، شقيقة الأسير محمد عمر اغبارية المحكوم بالسجن لمدة 15 سنة، قالت لنا: "محمد متزوج ورزقه الله بطفل وطفلة. لست قادرة على تخيّل أن يكبر أبناؤه وهو بعيد عنهم. حتى الآن لم يفهم أطفاله ما معنى الحكم بالسجن ـ15 سنة على والدهم، الـ15 سنة مش مجرد رقم.. هذا عمر.. هذا مؤبد!".
على اليمين إلهام إغبارية وعلى اليسار شقيقها الأسير محمد عمر إغبارية
وعبّرت والدة الأسير أدهم بشير المحكوم بالسجن لمدة 10 سنوات، صابرين سعدي، عن ألمهم الكبير لفراقهم أدهم، قائلة: "أدهم شاب متعلم ويعمل في مصلحته الخاصة وكان قد أعلن خطوبته وفي مرحلة البحث عن شراء بيت لتجهيزه للزواج". وتابعت قائلة: "لا يوجد طعم للحياة بدونه، 10 سنوات سجن! ونحن نشعر بأننا مسجونون مثله تماماً، لا نخطط لمستقبل، وحياتنا توقفت".
أدهم بشير وعائلته عنده تسليمه نفسه بسجن الجلمة "كيشون" يوم 6/12/2022
أما الشاب بهاء أبو الهيجاء والمحكوم بالسجن لمدة 7 سنوات وهو في العشرينات من العمر، فهو المعيل الوحيد لعائلته المكونة من والدته وشقيقته بعد وفاة والده.
شبكة أمان مثقوبة
مع كل هذه الأحكام القاسية والظالمة، ترى العائلات أن القيادات والشخصيات العامة والأحزاب لم تقدّم ما يكفي من دعم لها ولأبنائها المعتقلين، الأمر الذي دفع بها إلى عقد مؤتمر صحافي يوم 5/12/2022، عبّرت من خلاله عن استيائها من تقصير القيادات بمتابعة قضية أبنائها، وخصوصاً بعد أن وجّهت لهم عدة دعوات لحضور المؤتمر، لكنها لم تلق تجاوبًا مناسبًا.
من المؤتمر الصحافي لأهالي المعتقلين
من جهته، قال إياد خاكسية، والد الأسير خليل المحكوم بالسجن لمدة 6 سنوات: "لا يوجد أي شخص من القيادات وقف إلى جانبنا، حتى بالوقفات البسيطة التي كنا ننظمها دعماً للمعتقلين. للأسف تُركنا وحدنا فريسة سهلة".
الأسير خليل خاسكية المحكوم ب6 سنوات سجن فعلي
الهبة مستمرة
في الذكرى الثانية لهبة الكرامة، لا تزال الأحداث حاضرة بقوة، لا سيما في ظل تصاعد التوترات السياسية الأخيرة التي شهدناها في بلداتنا العربية عقب اقتحامات المستوطنين وقوى الجيش الإسرائيلي لباحات المسجد الأقصى المبارك، منتصف شهر رمضان الماضي.
ويبدو أن ما يحدث اليوم من تصعيد مقلق في ظل حكومة اليمين الخالص ما هو إلا ارتداد لما كان في "هبة الكرامة" واستمرار لها، ولو بأشكال مختلفة أو بوتيرة مغايرة.