أيار القادم

صيف 2018. أيام ما بعد إقرار قانون القومية في الكنيست الإسرائيلي. حينذاك كنت أشغل منصب محرر موقع الأخبار العبري "محادثة محلية" (שיחה מקומית). في إطار عملي، أجريت مقابلة مع أحد أعضاء قيادات الأحزاب العربية. سألته كيف يمكن تشريع هذا القانون دون أن تكون لديهم خطة مناسبة للعمل ضده. نظر إلي بابتسامة مريرة وطلب مني ألا أقتبس إجابته وأجاب بصراحة مدهشة وباللغة العبرية: "زقطونا الجماعة واحنا شالحين البنطلون" (נתפסנו עם המכנסיים למטה).

نظرًا لأن المحادثة كانت "ليست للنشر" (off record)، فلن أذكر اسم القيادي المعروف في هذا المقال. "لقد أخطأنا. ماذا تريد أن أقول؟ أخطأنا". 

تفكير استراتيجي

أيار، 2021. هبة الكرامة والأقصى والشيخ جراح وغزة في عموم المجتمع الفلسطيني في الداخل. لكوني متحدثًا باللغة الإنجليزية ولديّ اتصالات وعلاقات مع وسائل إعلام أجنبية، اخترت تركيز جهودي أمام وسائل الإعلام الدولية. قاطعتني وسائل الإعلام الناطقة باللغة العبرية بعد مقابلتي مع هيئة البث الإسرائيلية باللغة العبرية، هاجمتُ فيها الصحفي الذي أجرى المقابلة لأنه قُبيل ظهوري على الشاشة، حرّض الزميل المحترم ضد المتظاهرين العرب في اللد بما لا يقل عن ثماني مرات خلال بث مباشر مدته كانت ثلاث ساعات. لقد كتبت الكثير من التقارير والمقالات وأجريت المقابلات في تلك الفترة على مدار الساعة، لكي أشرح للعالم ما هو الاستعلاء والاحتلال الإسرائيلي على أرض الواقع فعلياً. وفي أحد أصعب الأيام، بعد استشهاد موسى حسونة في اللد إثر إطلاق الرصاص عليه من قبل أحد المستوطنين، لم أستطع إلا أن أفكر بصراحة وتصريح ذلك القيادي قبل ذلك بثلاث ٣ سنوات. "زقطونا الجماعة واحنا شالحين البنطلون"، مرة أخرى.

ومن أكبر المشاكل والتحديات التي تواجهها الجماهير الفلسطينية في الداخل هي عدم قدرة قياداتها على المبادرة بخطوات استراتيجية قبل أن تشعل المؤسسة النيران وتبدأ بإلحاق الأذى بنا. إن ما يسمى بـ "القيادة العربية" هي قيادة رجعية مشغولة بالرد على الأعمال العنصرية والإجرامية للحكومة ومؤسساتها. ولكن الأسوأ من ذلك هو الحقيقة أنه حتى كقيادة غارقة في ردود الفعل وليس المبادرة وتغيير قوانين اللعبة، فإن المسؤولين العرب المنتخبين مخيبون للآمال. حل القائمة المشتركة أكثر من مرة (!) ودخول القائمة العربية الموحدة في الائتلاف مقابل تنازلات تاريخية ووطنية من أجل "ميزانيات" يوضحان ذلك. والقاعدة بسيطة، للأسف: من لا يفهم أهمية الوحدة أمام عنصرية وخطورة المؤسسة الإسرائيلية، لا يعرف كيف يفكر بشكل استراتيجي.

أيار القادم سيأتي وسيكون أصعب من السابق. فمن المستحيل ألا نكون مستعدين. فهل يمكننا الوثوق بالنواب العرب في الكنيست و/ أو لجنة المراقبة للمخاتير العربية ليعرف هؤلاء كيفية التعامل مع المزيد من محاولات "اللينش" ضد العرب في الشوارع والهجمات الممنهجة والمشتركة من قبل الشرطة والمستوطنين، كما رأينا في اللد على سبيل المثال؟

الجواب القصير هو: "لا". الجواب الأكثر تفصيلاً هو "لا، أكيد لا".

ع مين اللوم؟ 

لا يقع اللوم على القيادات العربية فقط. بل على الآلية و"الأدوات" الديموقراطية الزائفة التي يتعاملون معها. عندما يتصاعد التوتر ويتم تصنيفهم، من المؤسسة ووسائل الإعلام الإسرائيلية على حد سواء، على أنهم أعداء، يصبح العمل البرلماني أو الإعلامي شبه مستحيل. ومن ناحية أخرى، نتوقع كعرب أنهم يحموننا بأفضل ما لديهم، بينما تعاملهم في الوقت نفسه مع السلطات ووسائل الإعلام كأعداء خطرين أو طابور خامس أو "مخربين" - على الرغم من أنهم يمثلون مدنيين (هم مواطنون في الدولة، بحسب القانون الاسرائيلي ذاته) تحت هجوم عنيف من قبل دولة تمتلك قوة نووية وجيش احتلال وشرطة تصبح فجأة ذات معرفة وقدرة "للعمل" في المجتمعات العربية، بالرغم من تغيّبها الملحوظ والمقصود بكل ما يخص الجريمة في مجتمعنا.

لذلك، يجب على الجماهير الفلسطينية تشكيل ضغوطات مستمرة على المنتخبين العرب والمطالبة بإعداد خطة منهجية للتعامل مع المزيد من حالات العنف المؤسسي والاستيطاني من قبل "الأغلبية" اليهودية ضدنا. يجب أن تتضمن مثل هذه الخطة أيضًا أدوات ضغط دولية وخطة عمل للتواصل المباشر مع أهم وسائل الإعلام في العالم، وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية.

ويجب أن تتضمن هذه الخطة تعليمات واضحة للجماهير الفلسطينية في الداخل، وخاصةً في المدن الفلسطينية التاريخية، بشأن كيفية التعامل مع العنف الشديد والاستفزازات من قبل الشرطة، وكيفية التصرف في حال تم اعتقالهم أو اعتقال أفراد من عائلاتهم، وتجهيز طوابير من المحامين المختصين في القانون الجنائي لتمثيل المحتجزين ليتصرفوا فوراً. 

على خطة كهذه أن تشمل أيضاً نداءات ومُطالبات منظمة لحكومات الدول العربية التي قامت بالتطبيع مع إسرائيل وعدم التردد في إبداء الشفافية ومشاركة مضمون نداءاتهم واتصالاتهم مع العالم العربي بأسره، ونداءات للمؤسسات الدولية للمطالبة بالحماية الدولية. وكما ذكرنا، ممارسة الضغط من خلال الهيئات الإعلامية الكبرى في العالم أيضاً. أصوات القيادات هي الأصوات التي تعتبر موثوقة وذات مصداقية وشرعية شعبية؛ وستكون إلى الأبد ذات شرعية كبرى في نظر الهيئات الدولية، مقارنةً بأصوات الصحفيين أو الفنانين أو النشطاء الفلسطينيين. هكذا يتصرف الإعلام في كل العالم. من وجهة نظر "نيويورك تايمز"، صوت منصور عباس "أهم" من صوت رامي يونس بكثير. هذا لا يفرحني، ولكن هذا هو الواقع. 

أيار القريب سيكون أكثر صعوبة وأكثر ألماً. كل الدلائل تشير إلى ذلك. الأخبار السارة، إذا صدقت التوقعات، هي أننا مررنا بالفعل بحدث مماثل. مقارنةً بما حدث قبل ثلاث سنوات، فإن حكومة سموتريتش وبن غفير المجنونة ستكون أكثر عنفاً. لكي نكون صريحين فإن الإجراءات المباشرة ضد الشرعية الدولية لدولة الفصل العنصري وتفوق العرق اليهودي هي بمثابة فرصة تاريخية أخرى لترسيخ صورة إسرائيل لدى الرأي العام العالمي كدولة احتلال مجنونة وعنصرية تعمل بعنف ضد مواطنيها. 

واجهنا النكبة والنكسة ويوم الأرض وانتفاضتين وهبة أيار وسوف نتجاوز الصعوبة والتحدي الوجودي المرتقب، كما واجهنا تحديات الماضي الوجودية. ولكن هذه المرة، يا ويلنا إذا "زقطونا الجماعة واحنا شالحين البنطلون". 

الصورة: لاورن زيف وموقع "سيحا مكوميت".