ما زال المسرح الجولاني فتيًّا وقادرًا على الإبهار!
مسرح عيون..
تاريخ الحركة المسرحية والحالة الثقافية التي شغلت الجولان السوري المحتل لأكثر من 12 عامًا
"إذا بدنا نحكي عن حركة مسرحية في الجولان قبل مسرح عيون، أي قبل 2004، كان الموضوع مفقودًا تمامًا"، يقول معتز أبو صالح، مؤسس ومدير مسرح عيون سابقًا. ويضيف: "وجود مسرح في المنطقة كان كفيلًا بأن يُحدث نهضة بفي الحركة الثقافية. كنا في أمسّ الحاجة للحراك الثقافي والمسرحي في الجولان. مسرح عيون لم يكن مجرد مسرح مدرسي متواضع، بل كان مسرحًا مهنيًا منظمًا على مدار أكثر من 12 عامًا متواصلًا، لم ينضب العمل المسرحي والثقافي خلالها".
يعتبر معتز أبو صالح من أبرز الشخصيات الضالعة في المسرح في البلاد، وخاصة في مجال الكتابة المسرحيّة، علمًا أنه لم يدرس المسرح وهو اليوم طالب دكتوراه في موضوعيّ اللغة العربية والفلسفة.
نشأة "مسرح عيون" واللحمة الجولانية - الفلسطينية
كانت فكرة معتز أبو صالح أن يؤسس مشروعًا أو حراكًا ثقافيًا في الجولان، بعد سنوات من الاستقرار في حيفا، حيث تعلم وعمل هناك. ولدى عودته إلى مجدل شمس، فكر بتأسيس عمل ثقافي وحركة فنية وقادته أفكاره إلى المسرح لكن بسبب عدم وجود كوادر مسرحية، قرر أن يفتتح دورات مسرحية.
لاحقًا، عرض أبو صالح الفكرة على "جمعية الجولان للتنمية الثقافية" التي وافقت على دعم المشروع، من أجر للعاملين وبعض الصفوف. وبالفعل بدأ العمل في عام 2004 مع أول مجموعة طلابية مكونة من 20 طالبًا في سن 10-12عامًا.
أدار معتز الشؤون المسرحية آنذاك بينما تولى المخرج إيهاب سلامة مهمة تدريب الطلاب: "اعتمدنا مبدأ الارتجال والورشات، عدا عن المادة النظرية والمنهاج الجدي الذي بناه المخرج إيهاب سلامة على مدار سنتين. لم يكن مسرح هواة أو مسرحًا مدرسيًا، بل كان علميًا"، يقول أبو صالح ويضيف: "بعد انقضاء 6 أشهر على التدريب قررنا عرض نتاجنا. وكانت البداية مع مسرحية لعبة الاحلام التي تحدثت عن أحلام الطلاب. قمنا ببناء خشبة مسرح في الساحة بمساعدة وتطوع الشباب. كان عرض المسرحية حلمًا يتحقق وكان الإقبال منقطع النظير. لقد أسسنا مسرحاً للتو!".
بعد حوالي عام ونصف العام، اضطر إيهاب سلامة للعودة إلى الشمال، لتستلم الإدارة والتدريب المسرحي الممثلة والمخرجة آمال قيس - أبو صالح التي أتت من بيت جن إلى الجولان عروسًا لمعتز. لم تكن رحلة سهلة لابنة بيت جن بامتهان المسرح، فقد بدأت من جيل فتيّ في مسرح فداء البلدي في بيت جن ثم جامعة حيفا ثم مسرح الميدان والرايخ الثالث تلميذة المخرج المرحوم رياض مصاروة والعديد من الأعمال الأخرى. أشرفت آمال على تدريب الطلاب بالأساس في مسرح عيون وإخراج الأعمال والتمثيل على مدار أكثر من عقد كامل.
وهكذا استكملت آمال القيس مسيرة مسرح عيون بعدة مجموعات طلابية من أعمار مختلفة، من سن 5 سنوات حتى الآباء والأمهات. "لا زلت اذكر تلك المجموعة التي ضمّت عمال "الطوبار" ينهون عملهم ليأتوا إلى التدريب فيعتلون خشبة المسرح ويؤدون أداء أبعد من كونهم مجرد هواة"، تقول آمال القيس وتضيف: "شعرنا جميعًا والأهالي بالتأثير النفسي لهذا المسرح، كأنها حلقة كانت تنقصنا واكتملت مع مسرح عيون عملية النضج، القدرة على التعبير، تفجير الطاقات".
ولم يكن للمسرح أن ينجح لولا التعاون الدائم مع المبدعين والمبدعات من فلسطينيي الداخل، كما يذكر معتز وآمال. أسماء مسرحية معروفة مثل: نعمة زكنون، أشرف حنا، ريمون حداد، ايمن نحاس، بشار مرقص، منير بكري، سامح حجازي، ايهاب بحوث، خليفة ناطور، سعيد سلامة، نزار زعبي، لنا زريق، فلنتينا ابو عقصة وقائمة لا تنتهي من الأسماء المسرحية في البلاد.
يؤكد معتز أبو صالح أن مشروع مسرح عيون هو أكبر مشروع عبّر عن الالتحام الجولاني - الفلسطيني، قائلًا: "هو نتاج تزاوج فلسطيني جولاني، تعاون مش مؤقت، ترك بصمة كبيرة وعمل التغيير في الحالة الثقافية الجولانية، الزملاء الفلسطينيين رأوا بنجاح المسرح الجولاني نجاح لفلسطين، شافوا في بعد آخر للحالة الفلسطينية". ويضيف: "استضفنا العديد من المبدعين في مجال المسرح. أنشأنا مسرحًا متخصصًا حتى في الديكور والاضاءة والملابس، تقنيات عالية. حتى أنني أذكر أن جامعة حيفا منحت تسهيلات مخصصة لخريجي مسرح عيون".
الذروة في مسرح عيون
استطاع مسرح عيون استقطاب آلاف المشاهدين للمسرحيات المختلفة. عروض عرضت 15 مرة تلو الأخرى. بهذا الصدد تشير آمال القيس: "لقد بنينا جمهورًا ذوّيقًا لا يرضى بالقليل. وصلنا إلى مرحلة أن نعتذر للناس على الأبواب. على مدار 12 سنة لم تتوقف عروض المسرح والفرق التدريبية".
قدم مسرح عيون العديد من الاعمال أبرزها: حكايات معلقة، تاجر البندقية، خطيئة بلا خطأ ، رموش راقصة ومونولوجات غزة، كلها أعمال طلابية وغيرها من الصعب أن تعد. عدا عن الأعمال المهنية المسرحية للكوادر الاحترافية لاحقًا.
كما خرّج مسرح عيون عشرات الطلاب الذين التحقوا بالعمل المسرحي لاحقًا وفتح أبوابًا واسعة ليصبحوا مسرحيين محترفين، مثل: منار ابو جبل، أمية القيش، ضياء المغربي، إباء منذر، رائد شمس، جابر ابو جبل، ولاء ابو سعدى ، خولة ابراهيم، عزت ابو جبل،ايبلا مرعي، نهاد رضا، عمرو ابو صالح، باسيل ابو جبل، وئام خاطر ومجدي ابو جبل وغيرهم.
"اغلبيتنا ناشطون في حيفا اليوم، ومستقرون هناك، لكن بكل المسارح بتلاقي حدا من الهضبة، في حيفا الناصرة، يافا، رام الله وخارج البلاد أيضًا". يقول المسرحي الشاب ضياء المغربي ابن بقعاثا خريج المسرح في جامعة حيفا والذي تدرب وتخرج من مسرح عيون ويضيف: " لا أذكر حالة مسرحية أو فنية في الجولان قبيل مسرح عيون، لدينا طاقات رهيبة، جميعنا ننشط وننجح خارج الجولان لأنه لا توجد لنا حضانة بعد مسرح عيون في ظل الوضع السياسي المركب".
ويؤكد ضياء المغربي حالة الاغتراب والاقتراب الذي يعيشها المسرحي الجولاني. وهو فخور بأنه استطاع أن يصبح جزءًا من المشهد المسرحي في الداخل الفلسطيني، "فاللهجة الجولانية وحنين الشام الكبرى والتاريخ والاحتلال وشح الموارد والدعم المادي يجمعنا". ويعتبر المغربي أن المسرح من أهم أدوات الكفاح.
نهاية مسرح عيون.. انهيار حالة أم عودة لا محالة؟
عن آخر أعمال مسرح عيون، أكاد أجزم بأن معظمنا قد سمع عن مسرحية "شرق أوسط جديد" التي عرضت في العديد من البلدات الفلسطينية وخارج البلاد عشرات المرات وحصدت العديد من الجوائز. المسرحية التي تحدثت عن جزء من وجع الثورة السورية، كتابة معتز أبو صالح وإخراج بشار مرقص وتمثيل آمال القيس.
لم يكن هذا العمل الوحيد لمسرح عيون ومعتز أبو صالح الذي يتحدث عن الانتماء لسوريا وعن الحنين وعن الانفصال عنها، رغم بعدها بضعة كيلومترات، مثل "قمر على باب الشام" و"كرم الرمان". وكانت تلك خاتمة لإنتاجات مسرح عيون.
يقول معتز أبو صالح: "صارت عملية قتل للمسرح، أصابتنا صدمة ولّدت كبوه، مش قادرين نعمل شيء، بعدما أعلنت جمعية الجولان للتنمية وقف دعمها للمسرح"!
رغم قسوة إغلاق المسرح بشكل مفاجئ وصادم ورغم المحاولات المتواضعة للاستمرار، عندما ترك معتز المسرح انهار. عندما ترك صاحب الفكرة والمؤسس انهار المسرح، وهو ما عبر عنه باستياء معتز أبو صالح. لطالما حاول حث الشباب على العمل من أجل المسرح فهو للجميع لكن الفكرة لم تصل، على ما يبدو.
كما عبّر أيضاً عن إخفاقه في حماية المسرح والبحث عن مصادر تمويل أخرى لانشغاله بصنع المسرح. وكشف لنا أن هنالك فكرة أن يعاود الكرة وهذه المرة قد تكون أفضل، إذ يتوجد كوادر مسرحيّة من الجولان جاهزة ومحترفة.
لأسباب مادية بالأساس أغلق المسرح عام 2015 إلا أن نتاج التجربة لا زال باقيًا معنا. مرحلة من تاريخ المنطقة، أكبر تجربة فنية ثقافية متواصلة عبرت عن الجولان.