السياحة في الجولان المحتل
الموقع الجغرافي للجولان السوري المحتل استثنائي؛ فهو يشكّل نقطة التقاء بلاد الشام الأربع (سوريا، لبنان، الأردن وفلسطين) ويتميّز بطبيعته الجميلة وتنوع مناخه وتنوع الزراعات بحسب تربته، تعدد الأحراش فيه، ومروجه الخضراء، والأودية والبراكين التي تشكلت عبر آلاف السنين، ووجود بركة طبيعية هي الوحيدة من نوعها في المنطقة، ووجود أعلى قمة جبلية في سوريا في أقصى شماله (جبل الشيخ) وأخفض نقطة فيه في أقصى جنوبه (الحمّة السورية). موقعه المحاط بالأنهر من كل جهاته أكسبه - وهو لا يزيد طوله عن 80 كم من شماله إلى جنوبه، وعرضه 27 كم من شرقه إلى غربه- أهمية تاريخية كبيرة وجعلته هدفاً مهماً واستراتيجياً لأطماع الحركة الصهيونية.
هذا التنوع أعطى الجولان، أيضاً، أهمية سياحية كبيرة، خصوصاً بعد احتلاله من قبل إسرائيل في عام 1967، واعتباره لاحقاً جزءاً من دولة الاحتلال من خلال تشريعها لقانون الضم في عام 1981، المتناقض مع القانون الدولي وموقف المجتمع الدولي.
مع بداية احتلال القوات الاسرائيلية لمرتفعات الجولان أو الهضبة السورية (كما تسمى إسرائيليا) بدأت سياسة التهجير والتزييف. تهجير السكان بالقوة من بيوتهم التي لم تدمرها الحرب وإنما دبابات وجرافات الجيش الإسرائيلي، بعد نهبها وسرقتها. ففي خلال شهرين فقط، تم تهجير حوالي 142 ألف سوري من بيوتهم وقراهم ومزارعهم، ومن ثم الإعلان، عبر الصحفيين العسكريين والمرافقين للجيش الإسرائيلي، أن الجولان أصبح آمنا لقدوم السياح اليهود والتمتع بجمال سهوله ووديانه وأنهاره.
بدأت سياسة تزوير الحقائق تتناول أسماء كثيرة للقرى والمزارع بحجة أن هذه الأسماء تعود إلى أصل يهودي وأنّ لكل اسم روايته وذلك لتشجيع قدوم المستوطنين اليهود إلى الجولان.
لم يمرّ وقت طويل حتى بدأت إسرائيل بوضع خطط ممنهجة لتشجيع السياحة في الجولان (السياحة البيئية الترفيهية الثقافية)؛ من خلال إقامة غرف فندقية في كل المستوطنات وبتمويل وتشجيع من الحكومة الاسرائيلية التي عملت مع سلطة حماية الطبيعة على تخصيص ميزانيات كبيرة لتطوير القطاع السياحي في الجولان من خلال تجهيز جميع المواقع الاثرية والتاريخية (والجولان غني جداً بهذه الآثار) وتأمين كل المستلزمات الضرورية لراحة السائح الإسرائيلي والأجنبي، مقابل رسوم دخول رمزية. أيضا عملت على فتح مسارات معلّمة وآمنة ونظيفة في الطبيعة للتمتع بجمال السهول والوديان والأنهر. هذه المسارات الآمنة الجميلة وهذه الأماكن الاثرية المعدّة بعناية، لها أهداف تتجاوز الترفيه: ففي كل مكان أثري هناك رواية إسرائيلية دينيه تحاول إثبات أن اليهود سكنوا الجولان منذ قديم الزمان. بدورها، تقوم سلطة الآثار بنقل المعلومات التي تريدها إلى المرشدين السياحين الذين ينقلون بدورهم هذه المعلومات إلى الأجيال الصغيرة لتترسخ في عقولهم منذ الصغر بأن هذه الأرض هي أرض الآباء والاجداد.
السياحة الحربية
خصصت الحكومة الإسرائيلية لهذا القطاع السياحي ميزانيات كبيرة لإنجاحه وهو يهدف لسرد الرواية الإسرائيلية عن بطولات جيشها وقادته وأفراده مستحضرة أسمائهم جميعا؛ وذلك من خلال إقامة النصب التذكارية في كل زاوية وكل مكان في الجولان. كل نصب تذكاري يحكي قصة بطولية يفتخر بها المواطن اليهودي، فيما يراها المواطن العربي نصباً لمجرمي حرب قاموا بقتل وتهجير وتدمير أهله والأرض والحجر.
السياحة الدينية
للجولان، كما لفلسطين، حصة كبيرة في السياحة الدينية التي تروج للأفكار التوراتية والتي تحاول إثبات الوجود الأزلي لليهود في الجولان المحتل، وذلك عبر جمعيات تنمية السياحة في الجولان والتي تقوم، بدورها، ببث برامج عبر صفحات التواصل الاجتماعي التي تروي قصصاً وحكايا عن الكهنة اليهود الذين استوطنوا الجولان، مستعينين بفقرات من التوراة ومطوّعين علم الآثار، بادّعاء اكتشاف أكثر من 30 كنيساً يهودياً في الجولان، للإيهام بوجود شرعية لادعاءاتهم بملكية الأرض.
السياحة الزراعية
التي تهدف لتقوية ودعم ارتباط المستوطن اليهودي بالأرض.
بفضل التضاريس الفريدة التي يتمتع بها الجولان ومناخه المتميز والمتنوع من شماله إلى جنوبه وبفضل فارق الارتفاع فيه، من 1,200 م فوق سطح البحر في شماله الى 200 م تحت مستوى سطح البحر في جنوبه، تنوعت محاصيله الزراعية عالية الجودة. أتاح هذا التنوع، الذي استغلته المستوطنات الإسرائيلية بدعم كبير من الحكومة، إقامة أنشطة زراعية لجذب السياح الإسرائيليين والأجانب وتطوير مجال السياحة الزراعية من خلال إقامة مراكز للزوار تقوم بتنظيم جولات سياحية مع مرشدين سياحيين مدربين ومؤهلين، لزيارة مصانع النبيذ ومعاصر زيت الزيتون وإنتاج أجبان الماعز المختلفة وأيضا زيارة مزارع الكرز والتوت وتذوق كل هذه المنتوجات، مما أعطى مزارعي المستوطنات دعماً إضافياً لتطوير منتجاتهم وتعزيز علاقتهم بالأرض.
السياحة البديلة في قرى الجولان
تطورت السياحة في المستوطنات الإسرائيلية في الجولان بشكل كبير وسريع نتيجة لسياسة تمييزية تخصص دعماً سخياً للمستوطنين اليهود وتحدّ من إمكانية استفادة السكان الأصليين من مقدرات أرضهم. وبالرغم من ذلك، سعى الجولانيون، بإمكانياتهم المحدودة، للعمل على تطوير مشاريع بديلة لجذب السياح إلى قراهم من خلال بناء غرف سياحية فخمة ومطاعم نظيفة وإمكانية القطف الذاتي للمحاصيل الزراعية، مثل الكرز والتفاح.
وعلى الرغم من صغر المبادرات السياحية المحليّة وافتقارها للدعم والتمويل واقتصارها على الجهد الذاتي لصاحب المشروع نفسه الذي يسعى لتأمين لقمة العيش لعائلته وتطوير مشروعه، إلا أنّ هذه المشاريع البسيطة أصبحت تقلق الكثير من سكان المستوطنات والحكومة الإسرائيلية التي بدأت بوضع العقبات أمام هذه المشاريع وفرض ضرائب كبيرة وإصدار مخالفات قانونية باهظة. لكن إرادة السكان كانت قوية وصمدت وبدأ الكثيرون منهم بتطوير سياحة بديلة دمجت بين الترفيه ودعم الزراعة والمنتوجات المحلية من عسل ومكدوس وعصير طبيعي ومنتجات الألبان. هذه السياحة الريفية للسكان السوريين نجحت في السنين الأخيرة في جذب السياح الأجانب والفلسطينيين من كل المناطق والبلدات العربية.
أعطت السياحة المحلية دعماً معنوياً ونفسياً ومادياً للمزارع الجولاني ودافعاً للعمل على تطوير محاصيله الزراعية والعناية بأرضه أكثر وتطوير مشاريع أخرى تخدم السياحة في الجولان. وهنالك عدة عوامل مهمة ساعدت في إنجاح وتقدم هذه المشاريع، منها جودة المحاصيل الزراعية مثل الكرز والتفاح وطعمهما المميز بفضل حلاوة مياه الجولان ونقاوة هوائه، وعامل أخر مهم هو قرب هذه القرى من منتجع جبل الشيخ الذي يزوره آلاف السياح ويحتكر اقتصاده الهائل بضعة مستوطنين، فيما الأيدي العاملة فيه هي من شابات وشباب الجولان.
وإلى جانب العامل الاقتصادي الهام الذي يعزز وجود الجولانيين في أرضهم، تساعد السياحة البديلة كذلك في صون السردية الوطنية والثقافية والهوية السياسية التي تتعرض بدورها لمحاولات الطمس والأسرلة، إذ تقوم مؤخراً برامج سياحية لدمج قرى الجولان السورية ضمن المفهوم العام للسياحة الإسرائيلية وتتعاون في ذلك المجالس المحلية في قرى الجولان. تأتي هذه البرامج ضمن مسعى عام لتشديد قبضة الاحتلال على الجولان وترويج تصور ينزع عنه صفة الأرض المحتلة. فنجد أن الشركات العالمية مثل Booking وسواها لا تشير الى أن الجولان أرض سورية محتلة. وبذلك تغدو السياحة حقلا أساسياً للصراع بين سردية السكان الأصليين وبين سردية القوة المحتلة.