الاعتداء الجنسي والاغتصاب كسلاح في الحروب

يتناول المقال الاعتداءات الجنسية والاغتصاب واستخدامه في الحرب والنزاعات كسلاح رخيص ومتاح ومدمر هدفه الإذلال والمس بالكرامة والانتقام من الآخر وجسده، وغالبا ما تكون موجهة ضد النساء ولكن لا ينجو منها الأطفال ولا الرجال، إذ تتم إهانتهم في مواقع حساسة من أجسادهم، لكسرهم.

ويعدّ الاغتصاب والاستعباد الجنسي بموجب اتفاقيات الأمم المتحدة جريمة حرب ضد الإنسانية وجرائم حرب، وكذلك يوصف بكونه عنصرًا من عناصر جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب بقصد تدمير الجماعات مستهدفة، إذ يدمر البنى الاجتماعية كما تدمر القنابل البنى التحتية والبيوت، لأن الاغتصاب يخرج النساء عن طبيعتها ومسار حياتها ويشوه صورتها عن ذاتها، ويتركها عاجزة فيمنعها من تقديم العون لنفسها أو للآخرين في بعض الحالات.

فلسطين

روّعتنا الشهادات المؤلمة حول الاعتداءات الجنسية والاغتصاب التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في غزة، ورأينا كيف بات الجسد مسرحا لمحاربة الفلسطيني ووجوده ونسائه كونهن مصدر ولادة الأجيال القادمة، إذ يحاول الاحتلال الإسرائيلي بشكل ممنهج تهديد وزعزعة الروابط الاجتماعية داخل المجتمع الفلسطيني، لتفكيك الحاضنة الصلبة للشعب، لتهجيره وإبادته. (شلهوب وناشف 2015)

وبدأت جرائم اغتصاب النساء الفلسطينيات التي ارتكبها جنود وضباط إسرائيليون، مبكرًا منذ النكبة وحصلت في 12 مدينة وقرية فلسطينية على الأقل. واعترف أحد الجنود بفيلم "طنطورة" (2022) أنه اغتصب طفلة تبلغ من العمر 16 عاما. وكتببن غوريون عن جريمة اختطاف طفلة في 8 كانون الثاني/ ديسمبر 1949 تراوح عمرها بين 10 إلى 15 عاما، إذ اقترح قائد الكتيبة التصويت على مصيرها. إما أن تعمل في المطبخ أو اغتصابها، فصوت الجنود على الثّانية. بعدها "قصوا شعرها، غسلوها واغتصبوها بالتناوب على مدار أسبوع، ثم أخذوها خارج المعسكر وقتلوها رميا بالرصاص". ودفنت في كثبان رمال منطقة قرية معين جنوب غربي النقب، كيبوتس نيريم، اليوم والتي سميت على اسم وحدة الاغتصاب هذه.

المصادر: المركز العربي، وموقع عرب٤٨ ودراسة.

مازال الاحتلال يستهدف أجساد الفلسطينيات وجنسانيتهن كجزء من منطق الإجلاء والإبادة العرقية، وهي ممارسة يعتمدها المشروع الاستيطاني الاستعماري في محاولة لإجلاء الفلسطينيين وإبادتهم (شلهوب وناشف 2015).

وتضمنت الشهادات التي وثقها المرصد الأورومتوسطي مع المعتقلات اللواتي أفرج عنهن من القطاع تعرضهن لممارسات قاسية تصل حد التعذيب، بما يشمل ضربهن بشكل وحشي، وتهديدهن بالاغتصاب يحال عدم الانصياع لأوامر الضباط والإجبار على التجرد الكامل من ملابسهن والتفتيش العاري أمام جنود ذكور، وتوجيه ألفاظ نابية بحقهن، وتقييدهن وتعصيب أعينهن لفترات طويلة، واحتجازهن في أقفاص مفتوحة وسط أجواء شديدة البرودة. وأورد تقرير للأمم المتحدة أن ما لا يقل عن معتقلتين فلسطينيتين تعرضتا للاغتصاب، في حين تم تهديد أخريات بالاغتصاب والعنف الجنسي.

يقدر المرصد الأورومتوسطي الذي أجرى مقابلات شخصية ميدانية مع عشرات النساء اللاتي صرحن بأنهن تعرضن للتحرش الجنسي واللفظي، أن عددا أكبر من المعتقلات تعرضن لتلك الانتهاكات ولكن فضلن عدم الحديث عنها بسبب الأعراف الاجتماعية أو جراء الصدمة أو خوفا من الانتقام والملاحقة، أو القتل من جيش الاحتلال الإسرائيلي. 

ونشير في السياق ذاته إلى أن السوار عملت على توثيق شهادات لنساء من غزة، ورد في هذه الشهادات عن خوف العائلات من النزوح إلى أماكن الإيواء المكتظة خوفًا من التحرش الجنسي والمضايقات، وفي حوارية أجرتها السوار مع مديرة مركز شؤون المرأة آمال صيام  قالت إن "هذه الحرب جعلت التربة خصبة للعنف والاعتداءات الجنسية سواء في أماكن النزوح أو أثناء الذهاب لتلقي المعونات والمياه وهذا الموضوع، كنا نخجل الحديث عنه في بداية الحرب لأن كوادرنا كانت غير قادرة على العمل بسبب القصف والنزوح واستشهاد أقاربهم، وكل مستنداتنا ومؤسساتنا ضربت وتدمرت، والنساء اللواتي تعرضن قبل وخلال الحرب لاغتصاب وتحرش تلزمهن حماية وملجأ، ولكن إلى أين تذهب هؤلاء… بعد تدمير مركزنا حاولنا العثور على بديل ولكن لا مكان آمن في غزة وربما 4سيقصف الملجأ بكل لحظة".
المصادر: عرب ٤٨ ووكالة الأناضول وبيان للأمم المتحدة.

السودان

يمتد هذا الألم والصدمة حين ننظر لحال النساء السودانيات اللاتي أطلقن حملات متواصلة على مواقع التواصل الاجتماعي يطالبن فيها بفتوى تبيح الانتحار قبل أن تصل الميليشيات لاغتصابهن أو حبوب منع الحمل والإجهاض خوفًا من جرائم الاغتصاب التي ترتكب بحقهن، في الحرب في السودان المندلعة منذ سنة وأكثر بين الجيش السوداني وعصابات "قوات الدعم السريع"، وهذه العصابات ذاتها التي ارتكبت أبشع المجازر بحق السودانيين والسودانيات في الحرب ما بين الأعوام 2003 و 2006 وكانت تدعى "الجنجويد" قبل تنظّمها داخل الجيش وانقلابها عليه في منتصف نيسان/ أبريل عام 2023، لتستمرّ "قوات الدعم السريع" في الحرب المندلعة اليوم بالسودان بممارسة العنف الجنسي والاغتصاب، وأبرزها الاغتصاب الفردي والجماعي وهذه العصابات تمعن في تحقير وإذلال النساء وعائلاتهن عبر تصويرهم جرائم الاغتصاب أو ممارسات أمام أعين العائلات والمجتمع، وتأتي هذه الجرائم كجزء من عملية تدمير المجتمع السوداني وكسره وتهجيره ونهب مقدراته.

لا يوجد أرقام دقيقة من السودان في مناطقه المختلفة حول عدد ضحايا الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي، إذ يرتفع الخطر المحدق على العاملين والعاملات في مجال الرصد أو ضحايا العنف الجنسي بسبب تعرضهن للتهديد أو القتل، وأشار تقريرالمركز الأفريقي دراسات العدالة والسلام، والذي نشر في كانون الأول / يناير 2024، إلى أن 51 حالة اغتصاب واعتداء حصلت ضد النساء والفتيات في دارفور ورصد تقرير آخر لوحدة مكافحة العنف ضد المرأة التابعة لوزارة التنمية الاجتماعية، رصدت 136 حالة اغتصاب وهي لا تمثل سوى 2% من الحالات، ووثق تقرير صادر عن الأمم المتحدة عام 2023 حالات عنف جنسي متصلة بالنزاع في السودان ضد 98 امرأة و18 فتاة ورجل واحد وفتى واحد، وقعت في ولايات الخرطوم وجنوب دارفور وشمال دارفور.  وذكر تقرير للأمم المتحدة صدر في شباط / فبراير 118 حالة عنف جنسي، من بين ضحاياها 19 طفلًا.

ويمتدّ الضرر الناجم عن الاغتصاب  إلى الحياة الثقافية والاجتماعية للمجتمعات وقد يستمرّ لأجيال عدة. مثلما حصل في البلقان في التسعينات، حين استخدم الجنود الصرب الاغتصاب المنهجي والتخصيب القسري ضد النساء البوسنيات بهدف تدمير هوية مجموعات عرقية معينة، وكما حصل في رواندا كذلك، وهو شبيه لما يتعرض له السودان ونساؤه اليوم من قبل عصابات "قوات الدعم السريع" التي تمارس أبشع الاعتداءات بحق أصحاب الأرض، في شهادات وردت عن نساء سودانيات عبرن عن كره ورفض أبناءهن الذين ولدوا نتيجة الاغتصاب "هذا زول/ ولد أحمر" هكذا كانت تقول النساء أي أنه لا يشبهها بل يشبه المغتصب.  (شهادة من لمياء نعامنة من جمعية السوار التي عملت في مخيمات لاجئات سودانيات ناجيات من الاغتصاب)

المصدر: تقرير شبكة عاين السودانية.

لا يزال الاعتداء الجنسي في الحروب بأنواعه ظاهرة غير مرئية، وذلك لما يسببه من الشعور بالذنب أو العار أو الخوف من الانتقام أو المحرمات، وعليه القليل من الضحايا يتقدمن لطلب المساعدة أو الرعاية أو الإنصاف والعدالة، وبالنتيجة يكون من الصعب تقدير مدى انتشار العنف الجنسي في أي نزاع لأن الحرب تهدم المؤسسات كما الحال في غزة والسودان فلا مستشفيات لتقديم الرعاية ولا حتى جهات فاعلة يمكنها المساعدة، والمجتمع كله يعيش أهوال المجاعة والعطش وعدم الأمان، وبالتالي تجد النساء الناجيات أنفسهن يعشن عذابات متراكمة وألما مضاعفًا مرة بسبب الاغتصاب والاعتداء ومرة بسبب الحرب.

منذ بداية الحرب دعت السوار النساء إلى التوجه لخط الدعم وطلب المساعدة لأننا نؤمن أن لكل صوت وقصة مكانًا رغم المأساة والألم الذي نمر به كشعب، شجعنا النساء على الحديث لإدراكنا أن الحروب والأزمات ومن تجربتنا خلال جائحة كورونا غالبا ما تحصر النساء مع المعنفين في نفس المكان مما يؤدي لاستضعاف وأذى مستمرّيْن للنساء والأطفال، ولذلك في السوار نوفر خدمة التشات والتي تمكن النساء من التواصل الآمن والغامر المصغي وتلقي الدعم كتابيًا من دون الحاجة للاتصال والتحدث هاتفيًا، لإيماننا أن توفير الدعم للنساء هو حصانة للمجتمع ضد كل ما نمر به من صدمات وويلات الحرب. 

ديما كبها

ديما كبها عضو إدارة في جمعية السوار حركة نسوية عربية

رأيك يهمنا