عن التغطية الصحفية تحت النار! كيف يمارس الصحفيون عملهم في ظل الحرب على غزة؟

منذ السابع من أكتوبر يمارس الصحفيون الفلسطينيون عملهم في ظروف صعبة للغاية، في بعض الأحيان تكاد تكون مستحيلة، ظروف الحرب التي تفرضها إسرائيل على قطاع غزة لا تفرق بين صحفي وغيره، وانقطاع الاحتياجات الأساسية من كهرباء وماء ووقود تصل آثارها إلى الجميع دون استثناء.

نور السويركي صحفية مستقلة تحدثنا عن واقع التغطية في ظل الحرب "الوضع صعب، ليس فقط كصحفية، إنما كأم، كنازحة، العمل الصحفي يصبح معقد، وأنا أعتقد أن وضعي أفضل من غيري، فأنا أمارس عملي في ساعات محددة، المؤسسة التي أعمل معها استطاعت أن توفر سيارة لنقلي، السيارة تستخدم زيت القلي حتى تعمل، كونه لا يوجد سولار أو بنزين، اليوم مثلا بدأ نهاري بشكل مختلف، اشتريت الحطب، بحثت عن طحين، أحضرت ماء، عدت للمكان الذي أسكنه مع أطفالي، ثم تجهزت للذهاب للعمل، فكرة أن يكون الإنسان مثقلا بأدوار عديدة في ظل الحرب أمر مهلك للغاية، حتى الوقت الذي أغادر فيه للعمل، مع صعوبة الاتصالات، أواجه صعوبة في الوصول لأبنائي والتواصل معهم، حقيقة أشعر برعب أن يحدث شيء لأطفالي وأنا بعيدة عنهم، في مكان عملي دائما ما تكون عيناي على الجهة التي يقطن فيها أطفالي، ورغم أني لا أستطيع أن أشاهدهم، إلا أني أقول لنفسي لو حدث شيء، سأرى الدخان". 

جانب من واقع الصحفيين الغزيين خلال الحرب

حسب نقابة الصحفيين الفلسطينيين قتل جراء القصف الإسرائيلي 70 صحفي/ة وعامل/ة في قطاع الإعلام منذ بدء الحرب على قطاع غزة، وفقد اثنين من المصورين الصحفيين غير معروف مصيرهم حتى الآن، وفقد عشرات الصحفيين منازلهم، أكثر من 40 صحفي فقدوا أفرادا من عائلاتهم، أكثر من 1200 صحفي في غزة أصبحوا نازحين، أكثر من 60 مبنى إعلامي قصف من قبل طائرات الاحتلال، 24 إذاعة في غزة أغلقت بسبب القصف الإسرائيلي، ونفاذ الوقود، وانقطاع الكهرباء والاتصالات.

صحفيون فلسطينيون إستشهدوا خلال الحرب

لجنة حماية الصحفيين اعتبرت الفترة الممتدة منذ السابع من أكتوبر وحتى الآن الأكثر دموية للصحفيين، منذ أن بدأت لجنة حماية الصحفيين تتبع الأحداث عام 1992م.

صورة لجنازة أحد الصحفيين الذي استشهدوا خلال الحرب على غزة 23 من تصوير عبد الرحمن زقوت

سالم الريس مراسل لموقع المنصة وموقع المجلة، وهو زوج وأب، عليه مسؤوليات عديدة تتمثل في حماية أسرته وفي نفس الوقت التغطية الصحفية اليومية التي تفرضها الحرب، يقول سالم "خرجت أنا وأسرتي بعد 10 أيام من الحرب إلى جنوب غزة، بعد تهديدات وتحذيرات من الجيش الإسرائيلي لسكان المنطقة الشمالية في غزة، بعد أن نقلت أسرتي إلى الجنوب، عدت إلى غزة لنقل باقي أفراد عائلتي إلى المنطقة الوسطى، وعدت لاحقا إلى غزة لإكمال التغطية الصحفية".

جانب من واقع الصحفيين الغزيين خلال الحرب

بعد يومين من عودة سالم لغزة، اضطر أن ينقل عمله لمناطق الجنوب، سالم عمله ميداني، انتقل إلى مجمع ناصر الطبي وسط مدينة خان يونس، بقي في خيمة الصحفيين حيث يتوفر فيها انترنت، لكنه ضعيف بعض الشيء بسبب العدد الكبير للصحفيين الذين تواجدوا في الخيمة الصحفية، بعد أن فقدوا مكاتبهم وأدواتهم. يتواجد سالم 24 ساعة في مستشفى ناصر، يخرج بعض الأحيان من المستشفى لعمل ميداني، بعد الفجر يبدأ سالم متابعته لما حدث ليلا، هذا لو تسنى له النوم بضع ساعات، ينام في سيارته الشخصية، كحال العديد من الصحفيين، من لديه سيارة ينام فيها، ومن لا يملك سيارة، يفترش الأرض وينام بما هو متوفر، في الحرب يتحول النوم من سلوك راحة وأمان، لسلوك ينم عن تعب وإرهاق.

يقول سالم "رغم صعوبة الحصول على أساسيات الحياة التي يحتاجها كل إنسان، من ماء وطعام، إلا أنه في احيانا كثيرة يصبح الواحد فينا بدون شهية بعد كل التغطية الصحفية التي نقوم بها طوال الوقت، فما نراه من مشاهد حية لا يمكن تجاوزه، أحيانا ينسى الإنسان أن يتناول أي شيء".

جانب من واقع الصحفيين الغزيين خلال الحرب

"اليوم من ضمن الصعوبات التي نواجهها كصحفيين، كبشر طبيعيين، هي الاحتياج للحمام، نتواجد في مستشفيات معدة لاستقبال عدد محدود من المواطنين، اليوم تستقبل عشرات الآلاف من المواطنين، بالإضافة للصحفيين، كل هؤلاء الأشخاص بحاجة لقضاء حاجتهم، بحاجة لاستخدام الحمام، اليوم نصف طوابير لاستخدام الحمام مرة أو مرتين في اليوم، وهذا يجبرنا بشكل ما أن ننتبه لطبيعة الطعام الذي نتناوله وكميته، أبسط حقوق الإنسان سلبت، كل شيء اليوم تحت سيطرة هذه الحرب الشرسة، اليوم أتمنى أن أعود إلى بيتي مع أسرتي، بيتي الذي لا أعرف إن كان ما زال موجودا أم لا".  

جانب من واقع الصحفيين الغزيين خلال الحرب

تنص المادة 79 من البروتوكول الإضافي الملحق باتفاقية جنيف 1949 لحماية المدنيين بالنزاعات العسكرية على أن الصحفيين المدنيين الذين يؤدون مهماتهم في مناطق النزاعات المسلحة يجب احترامهم ومعاملتهم كمدنيين، وحمايتهم من كل شكل من أشكال الهجوم المتعمد، شريطة ألا يقوموا بأعمال تخالف وضعهم كمدنيين.

سألنا سالم كيف يحمي الصحفي نفسه اليوم في ظل استهداف الجميع، يقول "حماية نفسي في ظل استهداف واضح وصريح للصحفيين عبء كبير، مع ذلك نحن مستمرون في عملنا، ابتعادي عن زوجتي وأطفالي، وعدم قدرتي على رؤيتهم بالأيام، ومحدودية اتصالي فيهم، تشعرني أنهم ربما يكونوا في أمان أكثر، لا أقول أني مستهدف بشكل شخصي، لكن الحقيقة أني لا أعلم، ربما أتواجد في مكان، أو مع شخص يكون مستهدف، هناك واجب صحفي مهني وأخلاقي، أشعر بأننا مطالبون اليوم كصحفيين وإعلاميين أن نفي به في ظل العدوان على غزة، هذه المرة هي الأصعب علينا، تحديدا أنه تخللها فكرة النزوح، أنا غطيت كل الحروب على غزة من بعد الانقسام الفلسطيني في 2007، ولكن هذه أول مرة نجبر فيها على النزوح".

في إحدى المرات التي كانت تغطي فيها نور الأحداث، حدث قصف عنيف في المكان الذي كانت تتواجد فيه، تخبرنا نور عن هذا الحدث "في هذه الظروف مهما حاولت أن تكون قويا، لا يمكنك أن تنتزع الخوف من داخلك، لا أستطيع أن أمنع نفسي من الخوف، صوت القصف لم يكن يحتمل، ركضت من أمام الكاميرا ولم أستطع أن أبقى في مكاني وأكمل التغطية، المشكلة أنه لا مكان آمن، حتى الأماكن التي نغطي منها في محيط المستشفيات، تتعرض للضرب، وإن لم تكن الضربة في المكان نفسه، فقد تصل شظايا القصف لمكانك وأنت تعمل، طوال الوقت أفكر في الدرع الذي ألبسه وقدرته على حمايتي، أنا على يقين أنه لا يستطيع حمايتي".

بعد أن فقد الصحفيين مكاتبهم وأدواتهم، ومع التهديد اليومي بقصف المباني، سواء بتحذير أو دون سابق إنذار، بنى الصحفيون خيم لهم في محيط المستشفيات، يعملون فيها، موقعهم يوفر لهم إنترنت وبعض الكهرباء وبعض المرافق التي يمكن استخدامها، وهو الأمر الذي يزداد صعوبة مع مرور كل يوم. خلال انقطاع الانترنت استطاع عدد محدود من الصحفيين أن يستعيدوا الاتصال من خلال شرائح إسرائيلية توفرت مع البعض منهم، وشرائح ال esim التي تدعمها أجهزة الهواتف الحديثة، لكن حتى هذا الانترنت، لم يكن الحصول عليه سهلا، فحتى تستطيع أن تلقط شبكة، عليك أن تكون في مكان مرتفع بعض الشيء. 

جانب من واقع الصحفيين الغزيين خلال الحرب

مع مرور كل يوم، يصبح الحصول على بعض الكهرباء التي من خلالها يتم شحن الهواتف وأجهزة اللابتوب أمر صعب للغاية، وهو ما يحول بين الصحفيين وإيصال أعمالهم الصحفية للجهات والمؤسسات التي يعملون معها.

اليوم يواجه الصحفيين واقعا مكثفا يتمثل في مخاوف قطع الاتصالات والانترنت، سألنا نور كيف يصبح العمل الصحفي عبئا مضاعفا في هذه الظروف، "الأيام التي قطع فيها الاتصال على مدار أكثر من 48 ساعة، لم أستطع النزول إلى العمل، عملي يتطلب أن أستطيع الوصول إلى الناس في الخارج، وبالتالي قطع الاتصال لا يؤثر علي فقط من ناحية شخصية، إنما من ناحية مهنية، حتى عندما يعتمد عملي على الصحافة المكتوبة، لا أستطيع تسليم المواد دون إنترنت، السياق الذي نعيشه بشكل عام هو سياق لاإنساني، نحن في حالة حرب غير مسبوقة، لم نعهدها من قبل رغم كل ما خضناه في السنوات السابقة".

جانب من واقع الصحفيين الغزيين خلال الحرب

يضيف سالم حول قطع الاتصالات والانترنت "اليوم نحن أمام توجس قطع الانترنت والاتصالات الذي أعلنت عنه وزارة الاتصالات الفلسطينية في الأيام الماضية بسبب نفاذ الوقود، صحيح أن تجارب قطع الاتصالات والانترنت الفترة الماضية، أجبرتنا على خلق بدائل، في النهاية نحاول بذل أٌقصى جهد ممكن لإرسال موادنا الصحفية حول ما يحدث في غزة، اليوم سمعنا عن وجود تقييدات على استخدام شرائح الـ"esim" في مناطق شمال غزة، حسب ما يقال أن هناك تشويشات على هذه الشرائح، كل هذه محاولات لإخراس الصوت، وكتم الحقيقة، وإيصال صورة ما يحدث في غزة تحديدا شمال القطاع، إذا وصلنا لمرحلة استحالة التواصل، هنا نكون وصلنا لأسوأ مرحلة مجبرين عليها".

كتبت هذه المادة خلال انقطاع الاتصالات والانترنت في قطاع غزة، في ذاك الوقت كان يواجه الصحفيين صعوبات حقيقية تحول بينهم وبين نقل الصورة والكلمة للعالم الخارجي من خلال عملهم.


تصوير: المصور الصحفي عطيّة درويش.


أنتجت هذه المادة بدعم من “الأكاديمية البديلة للصحافة العربية” التي تشرف عليها
فبراير، شبكة المؤسسات الإعلامية العربية المستقلة وينشر بالتعاون مع “فارءه معاي - المنصة الإعلامية العربية المستقلة.

ريهام المقادمة

صحفية وباحثة فلسطينية

شاركونا رأيكن.م