كيف تعرقل إسرائيل حركة المرضى في الضفة الغربية وقطاع غزة؟

نظرة عامة: الوضع الصحي في الأراضي المحتلة

تسيطر إسرائيل منذ احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 على كافة مناحي الحياة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتستمر في فرض حصار تام على قطاع غزة منذ ما يقارب الخمسة عشر عاما. تتمثل هذه السيطرة بالتحكم في الحواجز العسكرية والقانونية، الموارد الوطنية والطبيعية كمصادر المياه والشرب، حرية الحركة والتنقل للفلسطينيين والفلسطينيات، يشمل المرضى والطواقم الطبية، كما والإيراد والتصدير (يشمل الأدوية والأجهزة الطبية) وغيرها. أدت هذه السيطرة إلى إعاقة تنمية وتطوير نظام صحي فلسطيني مستقل، بالإضافة إلى فرض القيود المختلفة من قبل إسرائيل طوال الأعوام السابقة، كتحديد عدد الطواقم الطبية من قطاع غزة المسموح لها العمل والتدريب في الضفة الغربية والقدس المحتلة. كما وأن إسرائيل قامت مرارًا بالإضرار بالمنشآت والبنى التحتية الصحية خلال العدوان المتكرر على قطاع غزة- أبرزها عام 2014 - والانتفاضة الأولى والثانية، حيث قامت إسرائيل حينها بالاعتداء على مسعفين وسيارات الإسعاف وإلحاق الضرر في المشافي والعيادات المختلفة . في العدوان الأخير على قطاع غزة في مايو 2021، تم إلحاق ضرر جسيم في البنية التحتية للنظام الصحي في القطاع، بالإضافة إلى قتل اثنين من كبار الأطباء المختصين إحداهما د. أيمن أبو العوف مدير قسم الباطنية في مستشفى الشفاء.

كل هذا وأكثر خلق تبعية تامة لوزارة الصحة الفلسطينية والنظام الصحي لإسرائيل، وبطبيعة الحال التأثر العميق بالسياسات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة. السياسات التي تستمر في انتهاك الحق في الصحة وحرية الحركة والتنقل لدى الفلسطينيون والفلسطينيات في الضفة الغربية وقطاع غزة. تفرض سلطات الاحتلال هذه التبعية في الوقت الذي تحتفظ فيه في الامتيازات السياسية والاقتصادية لنفسها، ما تفاقم بعد اتفاقيات أوسلو عام 1994 وينتج عن ذلك تراجع نمو للجهاز الصحي الفلسطيني والمحددات الاجتماعية للصحة. هذا التراجع المذكور يؤدي إلى نقص مزمن في الأدوية، المعدات الطبية، ومهارات مهنية للقيام بإجراءات طبية حديثة. على الرغم من فرض هذه السياسات وانتهاك الحق في الصحة بشكل يومي، تستمر سلطات الاحتلال بتقييد حركة التنقل والحركة لدى المرضى بواسطة منظومة التصاريح الطبية وهي منظومة تجبر كل فرد فلسطيني بالحصول على تصريح سواء لأغراض طبية، تجارية أو غيره للعبور ما بين الأراضي الفلسطينية المحتلة. أي إنه يفرض على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة استصدار تصاريح طبية من سلطات الاحتلال بهدف الوصول الى المستشفيات التي تتوفر فيها العلاج خارج مناطق سكنهم (الضفة الغربية، القدس الشرقية، وبحالات نادرة في مستشفيات إسرائيلية او خارج البلاد)، ولدى سلطات الاحتلال الصلاحية التامة بمنح التصريح أو رفضه رغم أن الحديث يدور حول علاجات غير متوفرة في أماكن سكنهم أو ما يسمى بعلاجات "منقذة للحياة".

التصاريح الطبية

هذه التقييدات والانتهاكات التي تفرضها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بواسطة منظومة التصاريح من الممكن أن تكون قاتلة عند الحديث عن مرضى السرطان، حيث إن أغلبية العلاجات لمرض السرطان غير متوفرة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عامة وفي قطاع غزة خاصة. رغم أنه حسب ""تحديد معايير دخول الفلسطينيين إلى إسرائيل"" الذي تذكر فيه سلطات الاحتلال نوعية ومعايير التصاريح التي ممكن استصدارها للفلسطينيين في الأراضي المحتلة ومن ضمنها تصاريح المرضى للعلاجات الغير متوفرة والتي تطلق عليها اسم ""إنقاذ حياة""، إلا أنها تستمر في عرقلة خروج المرضى للعلاج لمدة تزيد عن شهر في أفضل الحالات. يستقبل قسم الأراضي المحتلة في مؤسسة أطباء لحقوق إنسان طلبات لمرضى تم تاخيرهم أو رفض خروجهم للعلاج، حيث إن جزءا كبيرا من هذه التأخيرات ممكن أن تستمر إلى نصف سنة. في بعض الحالات التي تم معاينتها والعمل عليها في المؤسسة، استمرت إسرائيل من خلال وزارة الامن وسلطات التنسيق والارتباط الإسرائيلية بوضع عراقيل أمام خروج المريض\ة الامر الذي أدى في نهاية المطاف الى موتهم. مثلا في سنة 2021 استقبل قسم الأراضي المحتلة في مؤسسة أطباء لحقوق الانسان 180 طلب لتصاريح طبية تم تأخيرها أو رفضها، من ضمن هذه الطلبات 77 طلبا تخص مرضى السرطان- أي إن 42% من مجمل الطلبات هي لمرضى سرطان علاجهم غير متوفر في منطقة سكنهم. من ضمن ال77 حالة التي تم وصولها، 70 حالة تخص مرضى قطاع غزة- أي إن أكثر من نصف الطلبات التي تم استقبالها تخص مرضى قطاع غزة وذلك رغم أن علاجهم غير متوفر في مستشفيات القطاع. إحصائيات متشابهة تم نشرها من قبل منظمة الصحة العالمية ، في سنة 2021، 41% من كافة الطلبات لتصاريح طبية في قطاع غزة هي لمرضى سرطان.

الإحصائيات التي تم ذكرها أعلاه تعكس صورة الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون والمرضى في الأراضي المحتلة عامة، ومرضى قطاع غزة خاصة. عندما نتحدث عن قطاع غزة فأن كافة الانتهاكات والتقييدات الممارسة من سلطات الاحتلال تكون مضاعفة، ويتجلّى ذلك بالحصار المستمر وفرض تقييدات صارمة على كافة الحواجز بالدخول والخروج من القطاع. بالإضافة إلى الحد من حركية الحركة والتنقل وانتهاك واضح وصريح للحق في الصحة حيث إن سلطات الاحتلال تحدد قائمة المسموحات التي من الممكن توفيرها قي قطاع غزة، فإن النظام الصحي في قطاع غزة يفتقر إلى الأساسيات من معدات وأدوات طبية، أدوية، ومهارات طبية متقدمة. رغم ذلك، يتوجّب على المريض أو المريضة استصدار تصريح طبي للعلاج خارج القطاع رغم عدم توفر العلاج، استصدار هذا التصريح يستمر إلى أشهر حيث يبدأ باستصدار ملفات طبية، موعد من المستشفى، تغطية مالية ومن ثم تقديم هذا الملفات للسلطات الإسرائيلية بهدف الحصول على تصريح طبي. حيث تستطيع الأخيرة رفض أو قبول هذا الطلب، وإذا تم إصداره يكون تصريح مخصّص فقط إلى المستشفى لمدة يوم فقط.

عبير عاشور، امرأة فلسطينية من سكان قطاع غزة، كانت تعاني من مرض سرطان متفشّ في كافة جسدها. تواصلت عاشور مع قسم الأراضي المحتلة في مؤسسة أطباء لحقوق الانسان بعدما تم عرقلة خروجها إلى العلاج لأشهر عدة. فقط بعد تقديم عدة طلبات لسلطات التنسيق والارتباط الإسرائيلية بالإضافة إلى العمل القانوني من خلال محامٍ تم استصدار تصريح طبي مؤقت إلى يوم واحد فقط، مع العلم أن علاج مرض السرطان يستمر إلى أسبوع على الأقل. استمر هذا الحال من بداية سنة 2021، وفي شهر مايو 2021 تم إقفال حاجز ""إيرز"" أمام المرضى بشكل تام على خلفية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، الأمر الذي أدى إلى تأخير العلاج مرة أخرى وفقط بعد ما يقارب أسبوعين من انتهاء العدوان وبعدما قمنا في “أطباء لحقوق الإنسان” بتقديم التماس للمحكمة العليا الإسرائيلية تم استصدار تصريح لعبير عاشور. هذه التأخيرات والعقبات التي تفرضها سلطات الاحتلال قد أخذت الكثير من عمر عاشور، بعد مرور خمسة أشهر من العدوان على القطاع تم إعلامنا برحيل المريضة إلى جوار ربها.

طالما تواصل إسرائيل فرض سيطرتها على الأراضي الفلسطينية المحتلة وفرض الحصار على قطاع غزة، الأمر الذي يؤدي لتراجع نمو الجهاز الصحي الفلسطيني والمحدّدات الاجتماعية للصحة، ذلك يخلق معادلة تبعيّة تامة لهذا الجهاز في السياسات الإسرائيلية- فمن مسؤوليتها ضمان حق الفلسطينيين في الصحة، يشمل الوصول للعلاج بدون أي عرقلات ومعيقات. ومع ذلك، أن مسألة التزام إسرائيل في ضمان حق الفلسطينيين في الصحّة أمرٌ لا ينبغي أن يستمرّ إلى الأبد، وينبغي السّعي إلى إنهاء هذا الالتزام المترتّب على كون إسرائيل قوّة محتلّة.


الاحالات:

1. باخمان،راجبان،هوغن،لينينغ،كالي،اوزكليفيبي، رينولنس، فاكاس. ""غزة 2014: توثيق من قبل خبراء طبيين مستقلين. 2014

2. هيلا عميت، مسلك-مركز للدفاع عن حرية الحركة. ""إمكانيات قيد الانتظار: إمكانيات تنمية الجهاز الصّحي الفلسطيني في قطاع غزة"". أطباء لحقوق الانسان،2012.

3. تقرير وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، عدوان مايو 2021.

4. http://www.emro.who.int/images/stories/palestine/right-to-health-barriers-2021.jpg?ua=1

تصوير: عبد زقوت، مستشفى ناصر قطاع غزة، يوم 15 أيار \ مايو 2018."

نشر في منصتا يوم 1 حزيران 2022.

نور عاصي

مركزة حرية الحركة في قسم الأراضي المحتلة بمؤسسة "أطباء لحقوق الانسان"

رأيك يهمنا