تحديات الوالدية في حياتنا الراهنة
مهمه الوالدية
في العادة، يتعلم الناس المهن إما عبر برامج منتظمة وإما بالتجربة والخبرة. لكي يستطيع المرء ممارستها، تحتاج المهن المهمة إلى شهادات وتراخيص من الجهات المختصة، بما في ذلك مهن التعليم، الطب، المحاماة، الهندسة والقائمة طويلة. مهنة الوالدية، التي هي أكثر المهام تركيبًا في الحياة، لا تحتاج إلى ترخيص ولا حتى إعداد أو تدريب. الوالد يصبح والدًا لمجرد أن البيولوجيا منحته ابناً.
كل ما نعرفه عن مهنة الوالدية هو نتاج تجربتنا مع والدينا في الأسرة التي تربينا فيها. ولهذه المعرفة والتجربة محدوديات وإشكاليات تضعنا في مأزق وفي حالة عجز. محدوديات تجربتنا في أسرنا تنبع من عدة عوامل: أولها، أننا لا نعلم إن كان أهلنا قد أتقنوا دور الوالدية بالضرورة، وإذا ما سلكنا دربهم فسننقل الأخطاء حتماً من جيل إلى جيل. ثانياً، لحسن الحظ وسوئه، فإن الحياة ديناميكية متغيّرة وما كان يصلح في الماضي ليس مؤكداً أنه يصلح اليوم بالضرورة، فكيف لنا إذاً أن نمارس الوالدية والأدوات التي نملكها ليست صالحة للاستعمال بالضرورة؟
الوالدية بين الماضي والحاضر
قد لا أخطئ إذ أتوقع أن كل والد فينا قد وقف أمام ابنه وقال: "آخ على أيام زمان.. وين أنا كنت في جيلك ووين إنت". وهذا صحيح. فالزمن قد تغيّر في كل ما يتعلق بالمفاهيم الأسرية والمجتمعية. في الماضي سادت في المجتمع العربي مفاهيم الجمعية collectivism ، بمعنى أن عوامل ضبط الطفل ووضع الحدود له كانت عملية "تشاركية"، يشارك فيها الوالدان وأفراد العائلة الموسعة وأهل الحارة وحتى أهل البلد. أما اليوم، فقد أصبحت هذه المهمة الشاقة مسؤولية الوالدين وحدهما فقط. في الماضي كانت الأدوار في الأسرة واضحة، بما في ذلك دور الزوج، الزوجة، الابن والبنت. أما اليوم، فقد اختلطت الأمور وغاب الوضوح. أصبحت المرأة تعمل خارج البيت الأمر الذي يحتّم، بالضرورة، حصول تغيير في دور الرجل. وبما أن في ذهن الرجل نموذج أمه وأبيه، فكيف له أن يقبل تغيير الدور ليصبح مساعداً في اعمال البيت؟ وكيف له أن يقوم بمهام العناية بالطفل؟ ومن الجهة الأخرى، كيف تستطيع المرأة العمل خارج البيت والقيام، في الوقت نفسه، بأعمال البيت والعناية بالأطفال؟ في ظل هذه التغيرات، يجد الكثير من الأزواج أنفسهم في حالة خلاف وصراع حول هذه القضايا.
في الماضي كان الطفل يستمد المعرفة والتوجيهات من الأهل والمعلمين، بينما فتحت التكنولوجيا أمامه اليوم أبواباً واسعة من المثيرات والمعلومات. لم يعد الأهل والمعلمون المصدر الأساسي للمعلومة. تغيّر دورهم التقليدي وأصبح عليهم إتقان دور آخر هو مساعدة الولد في تنظيم المعلومات وترتيبها في ذهنه. وثمة للتكنولوجيا بعد آخر هو تعرض الطفل لمثيرات لا تتناسب مع سنّه، وخاصة ما يتعلق بالجنس والعنف. أصبح الأطفال مغمورين بمثيرات تخربط عالمهم الداخلي. وفي كثير من الأحيان يتعرض الطفل لهذه المثيرات بعيداً عن أنظار المربين. يدخل الأطفال هذه المواقع في الانترنت من باب حب الاستطلاع والإثارة، وبشكل سرّي عن الأهل. لذلك، لا يستطيعون اللجوء إلى الأهل حين يمرّون بتجربة صادمة يتعرضون لها من خلال تلك المواقع المفعمة بالعنف والجنس.
في الماضي فرضت الحياة على الأولاد أن يكونوا عوناً للأسرة من أجل توفير لقمه العيش، فعملوا ساعات طويلة وخاضوا مشاق الحياة منذ الطفولة. بنظرة على الوراء، يمكن القول إنهم حُرموا مما يستحقون كأطفال وعاشوا حياة شاقة ومضنية. هذا صحيح برأيي، وربما هذه التجربة في طفولتهم جعلتهم يتعاملون مع أطفالهم بشكل مناقض تماماً لما عايشوه هم. أصبحنا نجنب أطفالنا أي جهد أو مشقة حتى وصلنا إلى مرحلة نجنبهم فيها حتى القيام بمسؤولياتهم الأساسية. في هذه المواقف نجد أنفسنا نقارن حياتهم بحياتنا فنعجب لما نرى، نعجب لما صنعنا بأيدينا من دون قصد ونعجب لما أتت به ديناميكية الحياة المتغيّرة.
حياتنا كأطفال وكمراهقين كانت شاقّة نسبياً. كان علينا أن نتحمل الكثير من الإحباط عندما لا نحصل على ما نريد، وحين كنا نضطر إلى القيام بأعمال كنا نتمنى لو أعفونا منها. كان علينا أن نصبر ونتحمل. لكن هذه التجارب هي التي كونت في نفوسنا وشخصياتنا القدرة الهامة على الصبر ومواجهة الصعاب وعدم التراجع والاستسلام وأبعدت عنّا الشعور باليأس، كما كوّنت في دواخلنا الإحساس بأن لا شيء مستحيل وأشعرتنا بقوة في داخلنا تجعلنا محصَّنين مما قد تأتي به الحياة من أزمات وتحديات. في المقابل، أولادنا اليوم يحصلون بسهولة على ما يريدون ودون أن يبذلوا أي جهد. لم يطالَبوا بالصبر والتحمل. وقد ساعدت التكنولوجيا على ذلك. فكل شيء يتم بكبسة زر. في الماضي كنا ننتظر الرسائل عبر البريد أسابيع وأشهر بينما تمر الرسالة اليوم الكترونيًا خلال ثوانِ معدودة؛ فلا حاجة للصبر ولا حاجة لتحمل الإحباط.
مهارات والدية متبقية في أيدينا: في ظل التغيرات التي حصلت في الحياة وفي المجتمع، ماذا تبقى لنا اليوم من أدوات لممارسة الوالدية على أفضل وجه؟
أود التطرق إلى بعض الأدوات الهامة: أولا، السلطة – يشعر كثيرون من الآباء والأمهات بفقدان السلطة الوالدية أمام أبنائهم. فقدان السلطة له علاقة بكل العوامل التي عرضتها أعلاه، بما في ذلك التغيير في مبنى المجتمع والتكنولوجيا والقوانين التي تدعم حقوق الطفل. الوالدان هما قبطان السفينة وعليهما تقع مسؤولية توجيه المركبة. وإذا فُقدت السلطة فسيغيب الإحساس بالأمان، بالضرورة، عند جميع أفراد الأسرة. السلطة لا تعني ممارسة العنف تجاه أي فرد من أفراد الأسرة. السلطة تعني الحزم والكاريزما والإصرار على وضع الحدود حين تكون ضرورة لذلك. الحدود ليست عقاباً وإنما هي الدرع الواقي والحامي. فمثلاً، نحن نمنع الطفل عن اللعب بالنار ليس من باب العقاب وإنما من باب الحماية. نحن نضع حداً للمراهق بأن لا يقود السيارة من غير رخصة لا لنعاقبه وإنما لنحميه. وقائمة الأمثلة طويلة.
السلطة هي أداة هامّة في يد المربين، الأهل والمعلمين. وإن فُقدت فلن يستطيع المربي إيصال قيمه ومعلوماته إلى الطفل. المعلم الذي لا سلطة له لن يستطيع أن يمرر المادة التعليمية لطلابه. الفوضى والفلتان يضيّعان الفحوى، حتى ولو كان غنياً بالعلم. هذه المهارة، أو الصفة الهامة، لا يتم فحصها وتقييمها عند تسلّم الوالد مهنة الوالدية، بحكم الحق البيولوجي. لكن، للأسف الشديد، لا يتم فحصها وتقييمها أيضاً حين يتم تعيين معلم في وظيفة التدريس.
كثيرون من الأهالي يلجؤون إلى استعمال الحرمان كأداة لمعاقبة الطفل، بعد أن منع القانون أداة الضرب والعقاب الجسدي وبعد أن وصل البعض إلى نتيجة أن الضرب لا يجدي.
الحرمان يعني أن تحرم الطفل من حق له وأن تربط بين سلوكه وبين الشيء الذي تحرمه منه، حين لا يكون رابط بينهما. مثلاً، أن تحرم الطفل من استعمال الحاسوب أو الإنترنت لأنه، ضرب أخاه أو اعتدى على طفل آخر أو لم يقم بعمل وظائفه المدرسية أو رسب في امتحان. لا علاقة هنا بين استعمال الحاسوب وبين أي من السلوكيات المذكورة. إذاً، التساؤل هو: كيف يمكن أن نضبط أولادنا بدون استعمال الضرب والحرمان؟ الجواب هو الحزم، الذي يعني أن تصر ولا تتنازل عن مطلبك من الولد. مع الزمن والتجارب يدرك الطفل أن الوالد سلطة حازمة قوية لأنه لا يتراجع، فيضطر الولد إلى القيام بما هو مطلوب منه. لكي ينجح هذا النهج يجب أن يبدأ في سن مبكرة ـ من سن سنتين فصاعداً. لن يجدي نفعاً إن بدأنا وضع الحدود في سن متأخرة، وليس في سن المراهقة بالتأكيد. هذا، مع العلم أن التربية لا تتم بقوانين بدون مرونة، حيث أنه مسموح للوالد التراجع عن موقفه إذا أقنعه الولد بالحوار، أو أن يغير رأيه احيانًا لأسباب مختلفة. المرونة مع المحافظة على المبدأ هي أمر هام جدًا.
الاتصال المفتوح
ربما كانت المحافظة على قنوات الاتصال مفتوحة بين الوالد والابن هي الأداة الأهمّ لممارسة الوالدية. التواصل المفتوح أصبح الآن أكثر أهمية من أي وقت مضى، وذلك بسبب التطورات التي حصلت في حياة الأسرة، وخاصة اختراق التكنولوجيا حياتنا. إمكانية معرفة الوالد بما يدور في حياة الولد أصبحت مهمة صعبة. وبذلك، فقد الأهل السيطرة. بقي أمام الأهل، إذاً، أن يبحثوا عن وسائل يمكن لهم من خلالها أن يصبحوا شركاء لما يدور في حياة أولادهم. تنشأ الشراكة بشرط أن تكون هنالك رغبة متبادلة لدى الأطراف في تلك الشراكة. وهي تتطلب أيضاً الانفتاح والشعور بالأمان لدى كل طرف مشارك. العلاقة المفتوحة والشراكة بين الأهل والأبناء تبدو مهمة سهلة للوهلة الأولى، لكنها في الحقيقة مهمة صعبة للغاية. الشراكة والمحافظة على تواصل مفتوح تتطلبان من الوالد أن يتعامل مع عدة تحديات تواجهه.
هنالك عدة معيقات على الوالد أن يصارعها ويتخطاها من أجل بناء علاقة مفتوحة مع ابنه. عليه أولاً أن يتجنب اللوم. أول رد فعل للآباء والأمهات عندما يخطئ الطفل هو "ليش"، "شو ناقصك"، "ليش ما حكيت"، "مش قلت لك"؟. ردود الفعل هذه جميعها تخرج بشكل طبيعي وتلقائي، وذلك لغيرتهم وحرصهم واهتمامهم بمصلحة أبنائهم. لكن نحن نعرف أن هذه الردود لا تساعد الابن على التغيير أو التعلم من الخطأ. في الحقيقة، أثرها أكبر من كونها لا تساعد. فهي تغلق باب التواصل الذي نحن حريصون على إبقائه لكي نظل جزءا مما يدور في حياة أبنائنا. ردود الفعل هذه تغلق باب التواصل لأن الطفل، مثل الوالد تماماً، لا يريد أن يكون في موقع اللوم والعتاب ولا يريد أن يكون في قفص الاتهام. في هذه المواقف التي يخطئ فيها الولد، هو بحاجه لمن يفهمه، ومن يشعر بشعوره، ومن يدعمه، ومن يعطيه الاحساس "أن الدنيا بخير" وأنه يتمتع بالقدرات التي تعطيه الأمل بالنجاح في تجاربه القادمة.
المعيق الثاني أمام الوالد هو تركيزه على الإنتاج وليس على السيرورة؛ وتركيزه على العمل وليس على ما يدور في العالم الداخلي للولد. لغتنا إجمالًا تتمحور حول العملDoing) ). نحن نسأل "إيش عملت؟"، "وين كنت؟"، "مع مين؟" ونسأل عن نتائج الامتحان. فتركيزنا على العمل. الحقيقة أن هذا المركب هام في حياتنا ويأخذ حيزّاً فيها، لكن ما يأخذ حيزّاً أكبر من الإنتاج هو ما يدور في عالمنا الداخلي من أفكار ومشاعر وخيالات (Being). العالم الداخلي أوسع بكثير من العالم الخارجي. رغم ذلك إلا أننا قلما نتحدث عنه وقلما نسأل عنه أو قلما يسألنا أحد عنه. إذا كان محور حديثنا مع أولادنا هو ما يفعلون فنحن نخسر التواصل مع نصف عالمهم وهو ما يدور في داخلهم. الفارق هو في طريقة السؤال، إذا سألت الولد "ايش عملت؟" يختلف كلياً عن سؤالك "كيف كان الشيء بالنسبة الك"؟ أو "إيش شعرت أو إيش فكرت؟". لكن لكي يسأل الاهل هذا النمط من الأسئلة يجب أن يكونوا مدركين أن الشراكة فيما يدور في عالم ابنهم الداخلي هي أهمّ من الاهتمام بإنتاجه. بماذا شعر الولد في الامتحان وبماذا فكر - لا يقل أهمية عن العلامة التي حصل عليها.
الحضن الدافئ والآمن
أداة أخرى بقيت في أيدينا من أجل ممارسة والديّة ناجحة في ظل التهديد القائم فوق رؤوس أبنائنا في هذا الزمن المتغيّر، هي توفير الحضن الوالديّ الآمن. كل الآباء والأمهات يحبون أطفالهم بدون شك. الحب هو شعور فطري يأتينا أثناء فترة الحمل أو بعد الولادة مباشرة (إلا في حالات مَرَضية نادرة). توفير الحضن الآمن هو أن تكون حاضراً لتهدئة الطفل عندما يكون في ضائقة وتنجح في تهدئته. في الحضن الآمن ثلاثة مركبات هي: الأول - أن يكون الطفل في ضائقة؛ والثاني - أن تتواجد وتدرك أن الطفل في ضائقة؛ والثالث - أن تقوم بعمل ما أو ردة فعل تشعر الطفل بالأمان فيهدأ. إذا غاب/ نقص أحد هذه المركبات فلا يمكن اعتبار الموقف على أنه حضن آمن. ولكي نعتبره كذلك يجب أن يكون الطفل في ضائقة ويجب أن يكون الوالد حاضراً من أجله ويجب أن ينجح في تهدئته.
مشاعر الحب، إذاً، هي أحاسيس وليست عملاً، بينما الحضن الآمن هو ليس إحساساً فقط وإنما هو رد فعل يتطلب تجنيد طاقات نفسية، ومادية أحياناً، لكي تنجح في القيام به. تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين توفر لهم الحضن الدافيء في السنوات الأولى من حياتهم هم الذين نجحوا في حياتهم الشخصية والاجتماعية والمهنية. من الطبيعي أن تكون الأم أول من يجد الطفل نفسه في أحضانها، ثم يليها الأب فالأجداد ومن ثم المعلمون. كلما توفر الحضن الآمن من أكثر من شخص في حياة الطفل، كلما كانت صحّته النفسية أفضل. يحتاج الأطفال إلى الحضن الدافئ منذ الولادة والطفولة المبكرة، ثم في سن المدرسة الابتدائية وسن المراهقة وما بعدها. الغريب هو أن الحاجة لهذا الحضن ترافقنا مدى الحياة كلها، منذ الولادة وحتى الموت. الرضيع لن يتطور بدون هذا الحضن. أولادنا يحتاجون لهذا الحضن بشكل يومي تقريباً، من الأهل ومن المعلم. المراهقون في أمسّ الحاجة إلى الحضن في ظل الأزمات والتخبّطات في حياتهم. الأزواج يحتاجون إلى حضن آمن الواحد من الآخر، والمسنون يحتاجون إلى هذا الحضن من أبنائهم. اذًا، الحضن الآمن يرافقنا مدى حياتنا كلها، منذ الولادة حتى الموت. لا نبالغ إذ نقول إن الحضن الآمن هو سر حياتنا النفسية وهو التحدي الأكبر الذي يواجهنا في علاقاتنا مع من حولنا.
يرتبط مفهوم الارتباط العاطفي بظاهرة العنف. وجدت الأبحاث أن الأطفال الذين عاشوا في حضن آمن تميزوا بالتعاطف مع الاخرين، بعيداً عن السلوك العنيف. بناء على ذلك، يمكن الافتراض أن أحد العوامل التي من شأنها مقاومة العنف والقتل في مجتمعنا هو تعزيز الحضن الآمن لأطفالنا لكي ينشؤوا بعيداً عن دوائر العنف والقتل. نتفق بدون شك على أنه لا يمكن اختزال ظاهرة العنف المركبة في المجتمع في عامل واحد فقط، حيث تجتمع عوامل كثيرة على المستوى المؤسساتي والمستوى التربوي. وأنا أعرض هنا الارتباط العاطفي كمركب واحد من مركبات تربية أبنائنا ورعايتهم.
يطرح السؤال عمّا إذا كانت القدرة على توفير الحضن الآمن هي قدرة مولودة أو مكتسبة. ما هو مؤكد في الأبحاث أن 80% من الأمهات التي تَوفَّر لهن حضن آمن في طفولتهن استطعن توفيره لأبنائهن وأن 20% فقط من الأمهات التي لم يتوفر لهن حضن آمن في طفولتها نجحن في أن يوفرن حضناً آمنا لأطفالهن. السر في التغيير عند الام هو وعيها بما مرّت به من حرمان عاطفي في طفولتها ومن خلال هذا الوعي، قررت ألا تكرّر ما مرّت به كطفلة مع أبنائها كأمّ.
لو تأملنا مسار حياتنا للحظة لوجد كل منا أشخاصًا شكّلوا حضناً آمناً له في مرحلة أو في حدث معين من حياته. سوف نجد أيضاً أشخاصًا لم يشكّلوا حضناً آمنا لنا بحكم أنهم لم يوفّروا أنفسهم لتهدئتنا ولإشعارنا بأن الدنيا بخير. وهناك أناس قد نستذكرهم كمن ليس فقط أنهم لم يوفّروا لنا حضناً آمناً، بل ربما أساءوا لنا، إما بالعنف النفسي أو الجسدي أو الجنسي عندما كنا في ضائقة. ربما كنا نريد أن يستذكرنا أبناؤنا ومن هم قريبون منا كأناس وفروا لهم الحضن الآمن، كمن وقفوا إلى جانبهم ودعموهم، وخاصة في ظروف الأزمة. أننا أشعرناهم في وقت الضائقة بأن الدنيا بخير وأن لديهم القوة والميزات التي تجعلهم أناساً جيدين وقادرين.
د. شفيق مصالحة
أخصائي نفسي إكلينيكي. محاضر وباحث في "الجامعة العبرية" و"كلية أونو"