شهادة آيات زعبي أبو إسحق: "كيف للأمهات أن تعتقل؟"

للأحداث الأخيرة وقعٌ مختلف جداً على النساء وأخص بالذكر على الأمهات تحديداً، فكيف للأم أن تبدي آرائها السياسية والوطنية بكل حرية، فهي على عاتقها وظائف حيوية لا يمكن لأحد سواها أن يقوم بها. 

والسؤال هنا كيف على الأمهات أن تستعدّ قبل الاعتقال؟ بما يتوجب عليها التفكير أولاً أو ثانياً أو حتى ثالثاً؟ وهل يعقل أساساً أن تعتقل الأمهات؟ من سيهتم بأطفالهن؟ هناك أمور فقط هي ولا أحد غيرها يعرفها. أسئلة أخرى مهمّة أيضاً وجب التفتيش عن إجابات منطقية لها، مثلاً هل سيعرف زوجها إيجاد ملابس لطفلها الصغير البالغ من العمر عام واحد فقط؟ وأي الملابس للبرامج اليومية في الحضانة. طفلها لا يزال يرضع من حليبها، ماذا سيفعل زوجها كيف سيخلق له حليباً مثل حليب أمه؟ 

مثلًا، إبنتي الكبرى لديها فحص بمادة اللغّة العربيّة في اليوم التالي من سيراجع معها المواضيع؟ من سيضع قبلة الدعوات الطيّبة على جبينها في الصباح؟ 

أمّا عن طفلتي الثانية، إنهّا لا تحب طعاماً بارداً هل سيتذكر هذا الأمر أيضاً؟ أو هناك من سيهتم بطهي طعام طازج لها مع بهاراتي الخاصة؟ وشعرها المجعد، من سيهتم بتسريحه دون أن يؤلمها؟ فهي صغيرة تبلغ من العمر ٧ سنوات فقط ولا زالت لا تعرف كيف تسرحه بمفردها. أمّا عن صغيرتي الثالثة فهي أساساً تقاسمني فراشي في الليل، انا متأكدّة أنها لن تذق النوم في هذه الأيام! 

كل تلك الأسئلة كانت تراودني وأنا في سيارة القوّات الخاصّة في طريقنا لمكان لا أعرفه، فبعد قدومهم لمنزلي واعتقالي أمام أطفالي في يوم الأحد، يوم عطلتهم الأسبوعية عند الساعة العاشرة صباحاً.. فقدت أي إحساس بالزمان والمكان. 

يا إلهي، ألم يكن بإمكانهم إرسال تبليغ رسمي لحضور تحقيق في مركز الشرطة؟ أو على الأقل احترام وجود أطفال في المنزل؟ لكن عبثاً.. عمّن نتكلّم نحن؟ أذكر جيداً أنه كانوا قرابة الـ10 أفراد من القوّات الخاصّة عند الباب قالوا "يجب عليك القدوم معنا". وحينها طلبت وقتاً لإرضاع إبني. لكنّها لم تكن لحظات خاصة ولم أحظ بتوديع أطفالي كما يليق بأطفال مثلهم. كل ما أذكره نظرات إحدى النساء بينهن اللي دخلت لغرفة نومي تنظر الي بكل وقاحة وأنا أرضع إبني. 

ومجدداً كيف للأمهات أن تعتقل؟ لا يمكن فهن المربيات وحاميات الدار… كل دار في هذه البقاع المقدسة. 

حان وقت التحقيق… والأسئلة تزداد في رأسي تدور وترجع أدرجها لقلبي حيث تركت أطفالي هناك… في بيتي الصغير والكبير بحبهم. 

التحقيق بدأ بسؤالي عن أطفال قتلوا في البلدات اليهودية المحاذية لقطاع غزة، وأجب أن الأطفال حيثما كانوا هم أبرياء ويجب إخراجهم من دور "الجنديّ" في لعبة الشطرنج.

يسألون: "كيف لك أن تقبلي أن تتأذى هذه الطفلة؟ وكيف توافقين على التخاذل حيال الجيش الذي يحميكِ أنت وأطفالك؟ كيف تقفين الى جانب من يقتل هذه الأطفال في مستوطنات غلاف غزة؟" 

وأي إجابة برأيكم ينتظرون؟ أريد العودة لأطفالي! يا لأمهات غزة أي أسئلة تراودهن أيضاً؟ لا أريد حتى التفكير بالاحتمالات. 5 ساعات متواصلة كانت كفيلة بإثارة مخاوف لم أفكر بها قط. وانتهت بحبس منزلي بعدما كنت قد صرخت وبكيت أن هناك طفل عمره سنة فقط ينتظرني ليأكل واعتماده الأساسي هو حليب أمه.

لكن ما حصل بعد عودتي للبيت، قلق خوف وقلة أمان، محاولاتهم بإسكاتنا نجحت، وزعزعت شعور أطفالي بالاستقرار، علماً أن هناك لوحة من خط زوجي وقمت بتطرزيها غرزة بعد غرزة لكي نغرزها في قلوبنا ورأسنا كتب فيها "لن تكسروا أعماقنا" لسميح القاسم. كلّي أمل أنهم فعلاً لم يكسروا… فجبر الأعماق والرّوح صعبٌ جداً!

آيات زعبي - أبو إسحق

مبادرة وناشطة اجتماعية- حاصلة على لقب ثانٍ في الدراسات الجندرية من جامعة حيفا. صاحبة متجر حرف - إحدى المبادرات الحديثة لتنشيط حركة السوق القديم، مساحة تعنى بالحفاظ على اللغة العربية والموروث الثقافي التطريز الفلسطيني. في السابق عملت في مجال التشغيل وإدارة علاقات واستقطاب فرص عمل للنساء العربيات في شركات كبرى.

هدى عونالله زعبي
الام نصف المجتمع
الجمعة 1 كانون الأول 2023
رأيك يهمنا