غزة: اسابيع للحرب.. أيام للتهدئة

منذ السابع من أكتوبر الماضي وعلى مدار أسابيع طويلة عاش سكان غزة حربا طاحنة دمرت كل شيء شوارع ومدارس كنائس ومساجد، أبراج سكنية، وبيوت مخيمات بسيطة ووو...

عشرون آلفا او يزيد بين شهيد ومفقود وثلاثون ألف جريح هي احصائيات أولية لضحايا هذه الحرب ومع بداية ايام التهدئة وخروج المواطنين الى شوارع المدن المدمرة في قطاع غزة بدأ عداد الضحايا بالارتفاع بشكل سريع ومفجع بقدر فاجعة مشاهدة الدمار الذي خلفه الاحتلال بدباباته التي اجتاحت شمال القطاع في بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا وتمدد بقوته الغاشمة حتى وصل الى وسط مدينة غزة مغيرا ملامح المدينة ولم يستطع احد معرفة هول الدمار الا من خلال وسائل الإعلام بعد ان منعت قوات الاحتلال الاسرائيلي السكان من العودة الى مناطقهم شمال القطاع واطلقت النار على كل من حاول العودة .

مئات الالاف من النازحين اجتازوا وادي غزة بتجاه الجنوب اثناء الحرب بعد أن طلبت منهم قوات الاحتلال الاسرائيلي المغادرة نحو جنوب القطاع باعتبارها مناطق آمنة كما يدعي ومن جرب النزوح نحو الجنوب تأكد بأن لا مكان آمن في قطاع غزة. الفرق الوحيد بين شمال الوادي وجنوبه هو أن التدمير والقتل في الشمال يتم بكل انواع الاسلحة والطيران والدبابات والبوارج اما في الجنوب غابت الدبابات عن المشهد حتى الآن.

بدأت التهدئة وتدفقت شاحنات المساعدات الانسانية من غذاء ودواء ووقود، ولكنها قطرة في بحر احتياجات القطاع المتهالك والجريح. كان يجب أن يدخل إلى قطاع غزة أكثر من ستين ألف شاحنة خلال الخمسون يوم الأولى للحرب، ولكن أعداد الشاحنات لم تتجاوز ألف شاحنة فقط.. جوانب كثيرة تحتاج إلى مساعدات عاجلة ومكثفة. الجسم الطبي هزيل مثقل بجراح ساكنيه من المصابين الذين تكدسوا بأعدادهم التي فاقت الثلاثين ألف جريح على ألف سرير علاجي - هو عدد الاسرة المتوفرة في المؤسسات الصحية الفلسطينية - جلها في المناطق الشمالية مثل مستشفى العودة وكمال عدوان والرنتيسي والاندونيسي والنصر واخرها كان مجمع الشفاء الطبي الذي قصف وتم اجتياحه بالدبابات والقناصة وتم طرد النازحين منه والجرحى وتهجيرهم الى جنوب القطاع إلى مستشفيات في خانيونس ورفح لا تتسع اصلا لمن فيها.

تهدئة لم توفر أدنى احتياجات المواطنين فهي منعتهم من الحركة شمالا ولم تساعدهم المعونات الإنسانية كثيرا وانقطاع الكهرباء منذ بدء الحرب أدى الى انقطاع المياه الصالحة للشرب وتوقف محطات معالجة المياه العادمة (المجاري)؛ الامر الذي ينذر بكارثة بيئية تقترب بسرعة من السكان الذين يعيشون أمل تمديد أيام التهدئة لعلهم يعيدون ترتيب أوراقهم من جديد في مواجهة الحرب التي تتوعدهم بها إسرائيل بعد إنتهاء أيام التهدئة.

وخلال النهار وغياب القصف الجوي والاستهدافات، خرج السكان إلى الاسواق للبحث عن احتياجاتهم الاساسية من المواد الغذائية التي خلت المتاجر منها بفعل أعداد السكان التي تضاعفت بسبب النزوح القسري. الكثيرون منهم يبحثون عن ملابس تقيهم برد الشتاء الذي داهمهم في خيامهم مع إطالة أمد الحرب. الخضراوات شحيحة لأن الفلاحين لم يستطيعوا حصاد زرعهم أثناء الحرب ولم يتمكن التجار من توفير بضائع تكفي كل هذه الأعداد وارتفاع الأسعار وتوقف سوق العمل زاد من معاناة السكان في ظل انعدام الاسناد المؤسساتي الحكومي لهم في هذه المحنة.

كل اهالي القطاع ينظرون الى أيام التهدئة بحذر وخوف من تجدد المعركة وإجبار سكان الجنوب وضيوفهم سكان الشمال الى النزوح من جديد نحو المجهول او نحو تنفيذ تهديدات الاحتلال بالتهجير نحو صحراء سيناء.

لم تحقق إسرائيل أهدافها في هذه الحرب، فلا تزال فصائل المقاومة العسكرية في غزة تواجه وتقاوم بما تيسر لديها، وهي تحرج صناع القرار الإسرائيلي بأوساط الرأي العام لديهم، وتدفعهم إلى مزيد من القتل والتدمير لصناعة صورة انتصار ترضي الإسرائيليين على حساب الدم الفلسطيني النازف.


تصوير: عبد الرحمن زقوت.

زاهر الكاشف

صحفي ومخرج تلفزيوني ومدير مكتب قناة "مساواة" الفلسطينية في غزة

شاركونا رأيكن.م